رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا محلى صوتك ياصفية.. بنت المهندس المظلومة بنجومية أخيها فؤاد وصاحبة أول «هنا القاهرة» بصوت ناعم

فى ذكرى الإذاعة نحتفل بسيدة الإذاعة

يوم ٣١ مايو ١٩٣٤ صدحت فى أجواء القطر المصرى جملة من كلمتين «هنا القاهرة» الصوت كان صوت أحمد سالم.. صاحب أول نبرة يسمعها المصريون عبر أسير إذاعتهم الوليدة لتوها.. وبقيت الإذاعة على وضعها الرجالى مدة ١١ عامًا و٤ أشهر و٣ أيام حتى يوم ٣ أكتوبر ١٩٤٥ عندما سمع الناس نفس الكلمتين بصوت آخر ناعم لأول مرة

«هنا القاهرة»..

هذه المرة كان المتحدث بنتًا جديدة تخرجت منذ أسابيع قليلة فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب تدعى صفية وهى ابنة الأستاذ زكى المهندس، عميد كلية دار العلوم، وقطب من أقطاب المجمع اللغوى، ولها أخ أصغر يهوى التمثيل ويتمنى أن يقابل نجيب الريحانى ليكتشفه، اسمه فؤاد.

قالت صفية المهندس «هنا القاهرة»، وهنا فى هذه اللحظة كتب التاريخ شهادة أهم مذيعة جلست أمام ميكروفون الإذاعة وصاحبة الصوت الذى لازم آذانًا ولامس أحاسيس واستقر فى وجدان كل مصرى.. امتلك ذلك الصندوق السحرى المسمى «الراديو».

انسياب صوت صفية المهندس عبر موجات الراديو ليدخل بيوت المصريين لم يكن بالأمر الهين فى بدايته.. بل إنه كان أشبه بالمستحيل.. والأمر ليس فيه أى مبالغة، خاصة لو عرفت أن ما سنحكيه عن هذا الشأن كان على لسان صفية نفسها فى حوار قصير مع واحد من أساطين مهنة الصحافة وروادها وهو جليل البندارى.. تعالوا نسلم عقولنا لما كتبه جليل فى عدد «أخبار اليوم» يوم السبت ١٦ مايو ١٩٦٤ فى مقاله «ليلة السبت»، وبالصدفة كان المقال ضمن عدد خاص عن السد العالى بمناسبة انتهاء المرحلة الأولى من بنائه وتحويل مجرى السد نهائيًا والبدء فى تكوين بحيرة ناصر.. وكان هذا، كما نعرف، حدثًا قوميًا مهيبًا يستحق أن تُفرد له الصفحات وتُشيد من أجله الأعداد الخاصة وهو ما حدث فى عدد «أخبار اليوم» المذكور.. خاصة أن الرئيس عبدالناصر كان سيحضر هذا الحدث الجلل مع ضيوفه الرؤساء خروشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى، وأحمد بن بيلا، الرئيس الجزائرى، وعبدالسلام عارف، الرئيس العراقى.

لذلك كله لم يكن غريبًا أن يربط جليل البندارى الحدثين، «السد العالى» و«عيد الإذاعة»، فى موضوعه عن صفية المهندس التى كانت تعد برنامجًا لتقديمه فى عيد الإذاعة التى كانت تحتفل بمرور ٣٠ عامًا.. يشرح جليل طبيعة البرنامج بأنه يتناول قصة كفاح الميكروفون العربى ضد الاستعمار بالكلمة والأغنية والنشيد والنكتة اللاذعة، وذلك على مدار ٥ ساعات تبدأ من الساعة التاسعة مساءً.. وإمعانًا فى الربط بين ميلاد الإذاعة واحتفالية السد جعل جليل عنوان موضوعه القيّم «سد على الجبل.. وسد آخر على الهواء».

ثم ينطلق جليل بأسلوبه الساحر لكى ينقل لنا بداية رحلة صفية المهندس، طالبة الآداب، ليقول:

«قالت لى صفية المهندس إنها هتفت، لأول مرة، بعبارة (هنا القاهرة) فى الساعة الحادية عشرة من صباح يوم ٣ أكتوبر سنة ١٩٤٥.. ثم قدمت موال عبدالوهاب المشهور:

فى البحر لم فتكم فى البر فتُونى

بالتبر لم بعتكم بالتبن بعتونى

وقبل ذلك اليوم ببضعة أسابيع كانت قد تخرجت فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، فعرض عليها محمد فتحى وعبدالوهاب يوسف أن تنضم إلى قسم المذيعين.. وكان والدها زكى المهندس فى ذلك الوقت يشغل منصب عميد دار العلوم، كما كان عضوًا فى المجمع اللغوى. وما كاد زكى المهندس يعلن عن رغبة ابنته صفية فى أن تشتغل بالإذاعة، حتى ثار بعض الأعضاء وهاجموا الفكرة، وصاح الدكتور منصور فهمى بصوت مرتفع:

- كيف تسمح لابنتك بأن يظهر صوتها فى الإذاعة؟

فسأله زكى المهندس:

- وماذا فى هذا؟

فقال الدكتور منصور فهمى:

- صوت المرأة عورة.

وانقسم أعضاء المجمع اللغوى إلى فريقين، فريق يؤيد اشتغالها بالإذاعة ويتزعمه محمد العشماوى، الذى كان وزيرًا للمعارف، وفريق يعارض الفكرة ويتزعمه الدكتور منصور فهمى.

وتركت صفية المهندس أعضاء المجمع يتناقشون جلسة بعد جلسة، حتى فوجئوا فى صباح أحد الأيام وهى تهتف: (هنا القاهرة) ثم تذيع موال عبدالوهاب المشهور:

فى البحر لم فتكم فى البر فتونى

بالتبر لم بعتكم بالتبن بعتونى».

 

صفية وتماضر.. ضحكة على الهواء جعلت «المصور » تفتح النار عليهما

ما زلنا مع جليل البندارى وحكيه الجميل.. والآن يحكى قصة أخرى لصفية لم تكن فيها البطلة الوحيدة بل شاركتها رمز آخر من رموز الإذاعة المصرية وهى تماضر توفيق.. ولكن وقت تلك الحكاية التى تحكيها صفية لجليل لم تكن «تماضر» غير بنت شابة جاءت إلى الإذاعة لتكون ثانى امرأة تدخل شارع علوى، حيث مقر الإذاعة، وبالطبع كان على صفية المهندس، المذيعة الوحيدة فى الإذاعة، بصفتها الأقدم أن تدربها.. ولنترك قلم جليل البندارى يحكى الموقف بكل ما يحمله من طرافة وخفة دم.. يقول جليل: «قالت لى صفية المهندس إنها كانت تدرب المذيعة الثانية التى انضمت إليها فى شارع علوى وهى تماضر توفيق، على كيفية تقديم الأغانى، ففتحت تماضر الميكروفون وقالت: هنا القاهرة.. والآن أقدم لكم أيها السادة أغنية: حبايبى كتير يحبونى

لكن إنت اللى...

ثم تعثر لسانها عند الكلمة التالية فلم تستطع أن تقرأ كلمة (فاكرنى).. فسألت صفية على الهواء:

(اللى إيه..) يا صفية؟

وضحكت المذيعتان.. وأُذيعت الضحكات على الهواء».

انتهى الموقف كما حكاه جليل، والأكثر طرافة أن الأمر لم يمر مرور الكرام حيث كان هناك من يستمع لضحكات المذيعتين الشابتين ليكتب نقدًا هجوميًا لاذعًا فى مجلة «المصور» فى اليوم التالى بعنوان: «ما هذه الضحكات اللؤلؤية التى نشرتها مذيعاتنا على الهواء؟».

وظلت تماضر اسمًا ملاصقًا لاسم صفية باعتبارهما من رائدات الإعلام النسائى، لكن يبدو أن صفية كانت حريصة طوال الوقت على إثبات ريادتها فى الإذاعة المصرية كأول سيدة تمسك الميكروفون وتقول «هنا القاهرة».. وتحاول أن تفصل بينها وبين تماضر فى هذا الشأن تحديدًا، لأن تماضر، كما هو معروف، ذهبت للوليد الجديد فى جمهورية الثورة، وهو التليفزيون، وهو الجهاز الذى لم تكن ترتاح له صفية بالقياس بمعشوقها الراديو، وقد أفصحت عن ذلك كثيرًا فى لقاءاتها بعد ذلك حتى التليفزيونية منها، مثل لقاء شهير مع رسام الكاريكاتير والصحفى رمسيس.. لذلك لم يكن عجيبًا عندما سألها جليل البندارى، فى حوار سابق قبل حوار السد العالى فى «أخبار اليوم» بأربع سنوات، وتحديدًا فى عدد «آخر ساعة» ١٧ أغسطس ١٩٦٠، حيث قالت ردًا على سؤاله المباشر: مَن هى ملكة الإذاعة.. أنت أم تماضر توفيق؟ 

قالت: تماضر دلوقتى فى التليفزيون.

باغتها جليل بسؤال: تبقى مين؟

سكتت قليلًا ثم قالت: باعتبارى أقدم مذيعة أبقى عميدة الإذاعيات.

صوت صفية.. معمر البيوت «الخربانة »

على ذكر حوار «آخر ساعة» السابق فما زال جليل البندارى كعادته يخرج اللآلئ بكل سلاسة من أبطال حواراته المكثفة خفيفة الظل ثقيلة القيمة، وفى هذا الحوار يتكلم مع صفية، كما لم تتحدث من قبل.. عنوان الحوار وحده يكفى دليلًا على جمال المضمون وهو «مأذونة شارع علوى تعيد الزوجة الهاربة».

ويحكى جليل، فى تحقيقه، كما كان يحلو له أن يسمى حواراته، عن الدور الاجتماعى الخطير التى كانت تلعبه أم المذيعات بصوتها الودود الحانى الذى كان ينزل على الخلافات الزوجية كما البلسم من خلال برامجها التى تغلغلت داخل أوصال الأسرة المصرية، تعالج وتداوى الجراح وتذيب الخلافات.. وهذا ليس من قبيل المبالغات بل حقائق حدثت يحكيها جليل نفسه فى تحقيقه البديع، حيث يؤكد أن صفية أعادت فى أسبوع واحد زوجة هربت من زوجها فى بنها من خلال برنامجها الأثير «إلى ربات البيوت».

كيف ذلك؟

جليل يجيب: «لم تذهب إليها فى بنها لتعيدها إلى زوجها وإنما أذاعت لها من برنامج (ربات البيوت) أغنية معروفة.. أعادت الزوجة إلى زوجها فى الحال، وكانت الزوجة قد تمردت على زوجها التاجر، بعد أن تعرض لأزمات مالية عنيفة فلم تحتمل الحياة معه فى أيام الفقر.. الزوج استنجد بصفية المهندس، التى كلمتها عن طريق الراديو، وأذاعت لها هذه الأغنية: 

على الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين

ليه تنسى بالمرة.. عشرة بقالها سنين».

ويحكى قصة أخرى أكثر طرافة، حيث صالحت حماة على زوجة ابنها بعد خصام بينهما استمر ١٥ عامًا.. لم تصالحهما بأغنية من الأغانى، وإنما قدمت تمثيلية بأسماء أفراد الأسرة.. ولم تضع نهاية للتمثيلية وإنما خاطبت الحماة قائلة: 

«والمطلوب الآن من السيدة فلانة أن تضع نفسها فى نهاية التمثيلية».

وفى اليوم التالى تلقت صفية المهندس باقة زهور من الحماة.. وقالت لها إنها تبعث إليها بهذه الزهور من بيت ابنها وزوجة ابنها الذى دخلته لأول مرة فى حياتها منذ ١٥ عامًا.

صفية قالت أيضًا إنها قدمت تمثيليات بعنوان «عينات من الستات» عالجت فيها شخصية «الست المبوزة»، التى لا تفرد وجهها أو تبتسم لزوجها فى البيت.. و«ست التليفون» التى تمضى طول النهار ممسكة بسماعة التليفون و«ست الأوكازيون» و«ست الشارع» و«خاطفة خادمات جيرانها» و«ست الجيران» التى تعيش فى بيت جارتها أكثر مما تعيش فى بيتها، وبعد إذاعة مجموعة من هذه الحلقات ثارت عليها ربات البيوت وطالبتها بإخراج برامج تصور فيها عينات من الرجال.

ويستمر جليل البندارى فى أسئلته القصيرة وصفية تجيب.

- بتسمعى برنامجك ربات البيوت؟

- ما بسمعوش بكل أسف. 

- ليه؟

- لأنى باكون فى الطريق من البيت إلى الإذاعة. 

- بتركبى إيه؟

- ساعات مع شعبان وساعات مع فؤاد أخويا. 

- الاتنين عندهم عربيات ويمكن إنك تسمعى البرنامج من راديو العربية.

- راديو شعبان خسران.

- وراديو أخوكى؟

- خسران بكل أسف.

- هل تجيدين التمثيل؟

- أنا طول عمرى ممثلة من أيام ما كنت فى ابتدائى.

ثم يقطع جليل أسئلته ليقول إن صفية المهندس وظيفيًا على الدرجة الثالثة وهى تشغل منصب مراقبة برامج المنوعات.. وهى رئيسة فهمى عمر، وآمال فهمى، وعواطف البدرى، والمأمون أبوشوشة، وعلى فايق زغلول.

ثم يعقب: قالت لى صفية: اوعى تكتب إنى رئيسة فهمى عمر. 

- اشمعنى؟

- أصله صعيدى ولو عرفوا فى البلد إن فيه ست تبقى رئيسته تبقى كارثة.

- ح يعملوا فيه إيه؟

- هو بيقول «يجتلوه».

صفية الرئيسة القوية

وعلى الرغم من قيمة صفية الكبيرة كأم المذيعات فلم تجلس على كرسى رئيسة الإذاعة غير منتصف السبعينيات.. وهنا ظهرت الشخصية القوية للسيدة التى اختزنت بداخلها ما ورثته من جينات القيادة عن والدها زكى المهندس، الذى ينوب عن طه حسين فى قيادة مجمع اللغة العربية علاوة على كونه عميد دار العلوم، بالإضافة لما تعلمته على يد زوجها الرائد والمعلم الإذاعى الذى كان أستاذها قبل أن يتزوجها، وهو محمد محمود شعبان، الشهير ببابا شارو. 

وهنا نلجأ لحوار مهم أجرته «الكواكب» مع رئيسة الإذاعة الجديدة «صفية المهندس» بتاريخ ٣٠ نوفمبر ١٩٧٦.. يقف هذا الحوار على الطرف الآخر من حوارات جليل البندارى معها خفيفة الظل.. حيث اتسم هذا الحوار بالجدية الشديدة ليتناسب مع حساسية المنصب فى هذا الوقت العصيب الذى كانت سفينة الوطن تتأرجح فيه على أمواج من الاضطرابات الخارجية لدولة خارجة من حرب طاحنة لتوها وقلاقل داخلية بفعل زيادة الأسعار ومظاهرات الخبز الشهيرة فى منتصف السبعينيات.

العنوان الرئيسى الذى قام عليه هذا الحوار الكاشف نصه «رئيسة الإذاعة تقول: الإذاعيون فنانون ولا يجب معاملتهم معاملة الموظفين».

ولو قرأت الحوار ستجد ردودًا فى منتهى القوة والحزم لسيدة تجلس على هذا الكرسى الحساس فى ذلك الوقت الحرج، حيث موسم الهروب الكبير للكفاءات إلى أموال الخليج، حيث سألها محرر «الكواكب»: ما هو سر هروب الكفاءات الإذاعية من مخرجين ومذيعين للعمل بالخارج؟

قالت صفية بحزم: «هذه المشكلة على مستوى الدولة كلها، وطالما أن الإذاعة تعتبر مصلحة من المصالح وتطبق عليها نفس لوائح الأجور فستظل المشكلة قائمة، لأن الإذاعة جهاز فنى ولا يجب أن يعامل معاملة وزارة التموين أو الزراعة مثلًا، لأن العاملين فى الإذاعة هم فنانون فى المقام الأول ولكن طالما يعاملون معاملة الموظفين من ناحية العلاوات فستكون النتيجة دائمًا البحث عن الأفضل لرفع مستوى معيشتهم وحياتهم، والعمل فى البلاد العربية التى تعطيهم مرتبات أضعاف أضعاف ما يتقاضونه فى بلدهم».. ثم أنهت الإجابة الحادة بما يشبه الغضب، حيث قالت بالنص: «ثم إننى أعتبر أبناءنا الذين يعملون فى البلاد العربية هم رسل لنا وعملهم هناك مهمة قومية».

إجابة شافية من رئيس يدافع عن مرءوسيه المتهمين بالهروب ليحوّلهم إلى سفراء للوطن، وهى ما تقول الكثير عن شخصية صفية القيادية، التى تتوج بها مسيرتها الإنسانية والاجتماعية العظيمة ببرامجها التى تحدثنا عنها.

هل ظلم «فؤاد المهندس » صفية بحضوره الطاغى؟

على الرغم من المكانة العليا التى تبوأتها صفية المهندس كأم للإذاعيين، فهل نستطيع أن نتجاهل أن لمعان الأخ الأصغر فؤاد المهندس قد شوّش قليلًا على دور صفية الأسطورى فى المجتمع المصرى، حيث إن فؤاد كان واحدًا ممن حملوا مشاعل الكوميديا فى سينما ومسرح الستينيات والسبعينيات على وجه الخصوص، وجاء وقت كانت أفلام فؤاد تتصدر شباك التذاكر بشكل مبدئى ثم يسألون عن صاحب المركز الثانى، لأن فيلم المهندس بالتأكيد سوف يعتلى القمة؟

الواقع يقول إن صفية المهندس كانت تحب نجاح أخيها الصغير المدوى وتفتخر به، وقد أجرت «آخر ساعة» حوارًا فريدًا فى عدد ١٠ يناير ١٩٦٨.. والحوار هذه المرة لم يكن مع فؤاد ولا صفية.. بطل الحوار كان هو مصدر الإبداع للاثنين.. الأستاذ زكى المهندس، الأب بشحمه ولحمه.. وكان عنوان التحقيق، الذى أجراه الصحفى محمد نصر وصوّره أحمد عبدالعزيز «رحلة فى رأس الرجل الثانى فى مجمع الخالدين» والصورة الرئيسية أكثر من دالة يتوسطها الأب زكى ومن شماله فؤاد يفتح فمه ضاحكًا بملء فيه وينظر الأب له مبتسمًا من خفة دم ابنه، أما صفية فاندمجت فى الضحك على أخيها الصغير، الذى ملأ الدنيا ضحكًا وسعادة وهى تنظر بإعجاب وحب غير طبيعى له رصده مصور «آخر ساعة» ببراعة شديدة، فى لحظة صادقة تقول إن صفية لم تتأثر يومًا بنجاح فؤاد الأسطورى.

والطريف أن صفية وفؤاد بعد سنوات طويلة من هذا الحوار الثلاثى مع الأب حيث كانا فى ريعان شبابهما.. جمعهما حوار آخر فى أواخر سنوات العمر لكنه حوار تليفزيونى هذه المرة مع رمسيس، رسام الكاريكاتير والصحفى، الذى كان يقدم برنامجًا من برامج التسعينيات الرمضانية عن شخصية مرموقة وأخواتها.. أوقفت «صفية» المذيع رمسيس قبل أن يبدأ فى الأسئلة لفؤاد لتسأله: هل أنا أخواتها أم فؤاد أخواتها؟، فضحك الجميع، وحاول رمسيس أن يخرج من الموقف المحرج الذى وضعه فيه سؤال صفية، بالرغم من صيغته الهزلية وسأل: مَن الأكبر فى السن؟.. قال فؤاد: صفية أكبر.. فسارع رمسيس: إذن حضرتك الأصل وأستاذ فؤاد أخواتها.. وضحك الجميع مرة أخرى، واسترسل رمسيس فى أسئلته، لكن بقى مدلول السؤال عما بدا أنه غصة فى الحلق عن احتمالية استضافتها فى البرنامج بصفتها أخت فؤاد المهندس، وليس بصفتها صفية المهندس بكل تاريخها، الذى يقف أمامه الجميع مندهشًا ومنبهرًا ومقدرًا.