رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسامة عكاشة.. والحوار الوطنى

ونحن نعيش أسبوع ذكرى رحيل الكاتب والسيناريست "أسامة عكاشة" أتذكر مقابلة صحفية هامة أجريتها معه، وتم نشرها بمجلة "المصور" قبل أن تودعه مصر والأمة العربية بشهور قليلة.. 
معلوم أن السيناريست "عكاشة" يُعد أحد أهم رواد الإبداع الدرامي والحكاء المصري الوطني الأبرز، وصاحب أروع وأخلد رحلة مع دراما الشعب المصري.. خاضها وعاشها وأخرجها على الورق شخوصًا حية شديدة الصدق والدلالة عاشت وما زالت تعيش بيننا بطول وعرض مصر المحروسة في إطار مشروع فني وطني مخلص قدمه عبر 40 سنة عامرة وثرية بإبداعاته الجماهيرية..
تذكرت تلك المقابلة، ونحن نعيش تفاعلات أهم حوار وطني كان قد دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي- والذي أعتبره أحد أهم مكتسبات دولة 30 يونيوـ أن جاء في صدر حواري مع "عكاشة" سؤالي حول رؤيته لوجود حالة إجماع من جانب العديد من القوى السياسية، حيث المناداة بضرورة إقامة حوار قومى بين مكونات العمل الوطني لصياغة مشروع مستقبلي مشترك يملك فيه كل تيار سياسي حيزًا يسجل فيه بموضوعية أفكاره ومواقفه..
فكان رد عكاشة "لا يمكن أن نُقبل على حوار وطني إلا إذا خطونا خطوة أولى لا بد منها وهي الاعتراف بأن من حق الجميع وبشكل يتساوى فيه كل الناس في التعبير عن ذواتهم بمعنى تطبيق كل مفاهيم الحرية وتطبيقاتها الديمقراطية المتعارف عليها في كل الدنيا.. قد لا نتفق فيما بيننا على الشكل.. جمهوري برلماني أو رئاسي، فهذه مجرد تفاصيل يمكن الاتفاق عليها في مجال تحديد شكل الديمقراطية في مرحلة تالية، وعندما نخطو هذه الخطوة نستطيع أن نجلس ونتحاور.. قبل تحقيق تلك الخطوة سيبدو أننا نضع العربة أمام الحصان، وهذا لا يوجد حالة حوار أو حالة تفاهم مجتمعي أو قومي على أي أمر من الأمور، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى تحديد ملامح مشروع قومي.. في البدء كانت الحرية وفي الحرية البدء تكون الديمقراطية، وهي ليست مجرد شعار بل هي حالة يجب أن يعيشها الناس بلا محاذير أو بناء تدريجي، أو القول والادعاء بأن الجماهير لم تبلغ بعد من الوعي والإدراك ما يؤهلهم للتواصل مع حلم الديمقراطية وممارستها وتحمل تبعاتها.. إنه أمر غير مقبول ..."..
لقد افتقدنا مشاركة ذلك المفكر الوطني النييل في الحوار الوطني ليعش معنا ويشاركنا ما حلم به من حالة تفاعل إيجابية من جانب كل القوى السياسية تحت شعار أطلقه الرئيس "الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية".. 
لقد كانت بدايات "عكاشة" الإبداعية في كتابة القصة والرواية، وإن كان قد تم تأجيل ممارستها بفعل الحالة الاقتصادية، حتى إنه كتب في صدر أحد أعماله الإبداعية بعد العودة لكتابة الرواية: "كان التحدى الحقيقي لنفسي قبل غيري، أن أثبت لنفسى أن قلمى الذي ابتعد 20 عاما عن كتابة القصة والرواية، ما زال قادراً على أن يكتب عملًا أدبيًا روائيًا قيمًا"..
عندما أصدر مجموعته القصصية "خارج الدنيا"، والتي اعتبرها مجموعة قصصية لا تقل في حرفية صياغتها عن أعمال بدايات أقرانه في تلك المرحلة الزمنية، وقد صدرت عن المجلس الأعلى للفنون والآداب آنذاك، وقدمها يوسف غراب الذي أثنى على العمل الأدبي،  قال: "أنا لن أقول عنه إنه تعجل الفن، في الوقت الذي لم يتعجله الفن، وأنه كان عليه أن ينتظر كي تكتمل أركان عمله الأدبي، لكنني أرى أن التعجل كانت سمة درامية من سمات أنور عكاشة، وأنه يختلف كثيرا عن جيل يوسف غراب، الذي كان يتسم بالهدوء والرومانسية"..
كان "عكاشة" يرى في  شخصية "فضة المعداوي" التي أبدعها على الورق وأبدعت العظيمة "سناء جميل" في تجسيدها على الشاشة النموذج الشائع للقبح الذي اجتاح مجتمعنا في مرحلة صعبة في تاريخنا ويرى أهمية مقاومة وتصدي قوى الإبداع وكتائبه الداعمة للجمال والعدالة والخير والحق لتعرية وفضح جرائمها..
وكان يؤكد "عكاشة" دائمًا أنه حتى نخطو إلى المستقبل لا بد من التخلص من كل معوقات التقدم ومظاهر التخلف، ولا بد من تنحيه فكر الخرافة والدعاوى الكلامية التي تود عودة الناس ونحن في القرن 21 إلى القرن السادس الميلادى.. هناك خطوات جبارة خطتها الإنسانية لصناعة حضارات.. فلنبدأ من حيث انتهى المتقدمون، ولا نتراجع إلى نقط البدايات، كما يجب أن نسيد منطق الدولة المدنية وضرورة السعي لبناء دولة مدنية والفصل بين الدين والدولة، ونضع كل الأشياء في حجمها ومكانها.. لا بد من إصلاح النظام التعليمى.. نحن نعيش أزمة كبرى في مجال التعليم، وهى أزمة قد تقضي على كل أحلامنا في تحقيق مستقبل واعد نأمله.. إن دولة بلا نظام تعليمي متقدم ومتوازن هي دولة لا مستقبل لها.. 
وأعود لحواري مع كاتبنا المبدع.. عندما سألته حول حال الإبداع في مصر المحروسة..
قال "على مستوى الإبداع الأدبي والفني، الأمر ليست له علاقة بالوضع السياسي أيا كان إيجابيًا أو سلبيًا، فالمبدع يبدع معارضًا أو مشايعًا أيًا كان موقفه السياسي ولدينا مثال رائع في الراحل العظيم نجيب محفوظ فقد ظلت كتاباته عبر أربعة عصور من عهد الملكية حتى عهد عبدالناصر والسادات وعهدنا الحالي (عصر مبارك)ــ زمن إجراء الحوارـ  ولم يثنه عن إبداعه وطرح فكره أي ظروف تاريخي أو متغير ما طرأ على البلاد ، المجيدون يبدعون ويكملون رحلات إبداعهم في كل  الظروف.. لكن يمكن القول إنه ـ وللأسف ـ تزايدت في الفترة الأخيرة أشكال الإنتاج الرديء حيث النماذج الفنية الرديئة غالبة والمزاج العام للمتلقي صار مزاجاً ـ للأسف ـ متخلفاً وبشكل خاص فى مجال الفنون الغنائية وبعض النماذج السينمائية والتليفزيونية .. هناك قلة من المبدعين الجادين .. وأرى أن الظرف الاقتصادي والاجتماعي الضاغط ساهم في ظهور أعراض تلك الأمراض فإذا كان المرض يعلن عن وجوده فى المرضى بأعراض ارتفاع درجة الحرارة أو ظهور بثور وطفح جلدي، فإن الفنون الرديئة هي بمثابة الطفح الجلدي الذي شوه جسد المريض والوطن.