رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا أنهى القصبي روايته بمقتل "السيدة"؟

جريدة الدستور

حين بدأت فى قراءة رواية "السيدة" للكاتب الصحفى والروائى  محمد القصبى تبادر لذهنى سؤال ظل يشغله حتى انتهيت من القراءة؛ ترى ما هى الحدود الفارقة بين السيرة الذاتية و الرواية؟ فقد أكد الكاتب لي أن "السيدة" سيرة ذاتية وليست رواية، فبدأت الدخول لقراءة الرواية من هذا المنطلق، لكننى بعد فترة قصيرة من القراءة تجاهلت ما أكده القصبى، و بدأت أتعامل معه على أساس أنها رواية بحتة ولم أهتم بما قاله  لي القصبى، لأنه فى النهاية سيرحل ومعه نحن و كل الكتاب.
بدأت أتعامل مع الرواية على أن شخصياتها ليست من الواقع فى شيء، وأنها بناء روائى محض من خيال القصبى،  و إن كان قد استعان بخبرات مهمة و كبيرة فى الكتابة عن هذا الواقع المهم.
تنقلت الرواية مكانيا بين القاهرة والخليج العربى ودارت أحداثها عن العلاقة التى تربط الوافد المصرى الذى يعمل فى الخليج والذى يعانى كثيرا رغم أنه يحصل على المال الكافى الذى يمكنه من الحياة.
وتبدأ الرواية من فكرة الخرافة التى تسكن عقول العالم العربى رغم مظاهر التقدم التى تحيط بكل شيء حولنا، فيبدأ الرواية من مشهد تسليط الضوء على عالم الكيمياء الذى ترك العلم و بدأ يمارس الدجل وأقنع الناس أنه صاحب رسالة، وتنتهى الرواية عند المرأة التى تطلب من بطل الرواية منتصر السيناوى أن تقرأ له الكف، وكأننا بين خرافة البداية و النهاية .

من هنا تجعلك الرواية تتأمل مواقف أبطالها التى تحركت من خلالها فى مصر أو فى الخليج لنرى الصراع بين التقاليد المختلفة بين البلدين؛ بلد مفتوحة – مصر- لكل بلدان العالم تعطى و تملك و تزوج من يشاء من الأجانب لبناتها، و بلد خليجى آخر يمنع أن تمتلك شيئا فى أرضه أو أن تتزوج أحدا من بناته، حتى و لو كنت أميرا أو وزيرا فى بلدك، تلك فى تصورى هى المعضلة الكبرى فى الرواية، فبطل الرواية / أو السيرة محرم عليه أن يحب أو يتزوج امرأة من الإمارة أو الدولة الخليجية التى يعيش فيها، حيث منع البطل منتصر السيناوى من الارتباط بسيدة بنت باقر عبد الحسين ، بنت أحد أهم رجال الإمارة و الذى بذل فى النهاية كل وسعه كى لا تتزوج منتصر السيناوى، بل زوجها لشريك له فى أحد مشاريعه الضخمة، لتكتشف سيدة فى اليوم الأول لزواجهما أنه شاذ، فطلبت الطلاق .
فقتلها  الأب، و أعلنوا أن سبب الموت طلقة نارية خرجت خطأ أثناء صيانة مسدس .
و تعتبر المرأة فى رواية "السيدة" للقصبى أحد أهم التيمات التى تناولتها؛ فالبطل منتصر السيناوى بين ثلاث سيدات؛ الأولى زوجته المصرية نهى التى توفيت فى الخليج ، و التى كان يحبها جدا لدرجة الجنون، و الثانية لينا السكرتيرة في احدى السفارات ، و التى كان يرتبط معها بعلاقة طيبة و يعرف من خلالها  كل أسرار االسفارة والدولة التي تمثلها ، فينقل مايحصل عليه من معلومات من منطلق روحه الوطنية لصديقه الضابط أحمد رشاد ليعرف ما يدور ضد وطنه، و الثالثة السيدة بنت باقر بن الحسين الخليجية التى أحبها من كل قلبه بعد موت زوجته نهى، وكانت فى الحقيقة عوضا عنها، و كانت الدواء الذى عالجه من حب نهى.
وظل منتصر السيناوى بين هذا الثالوث النسائى الذى سيطر عليه و رسم له مسار حياته طوال الرواية، و رغم أنه قد فقد نهى و  سيدة و كان من الصعب أن يستمر فى علاقته بلينا إلا أنه قد فاز بعودة ابنه إليه و تجاوبه معه و ارتباطه به فى النهاية ، فكان ابنه حسام هو الشيء الوحيد الذى خرج به من هذا الثالوث و تلك الحياة بعد صراع طويل و أحكام قضائية ضده كانت ستلقى به إلى السجن.
وانتهاء الرواية بموت السيدة بنت باقر الحسين  أراه نوعا من التقديس و المحبة الزائدة لتلك الشخصية التى لم يقبل لها روائيا أن تكون مكتوفة الأيدى و لا تأخذ موقفا معه ضد والدها.لذا كان الخلاص منها بالموت و لا أدرى ما مدى إقتراب ذلك من الواقع.
و رغم أن لينا لم تكن عند الكثيرين بالصلاح المناسب إلا أن الكاتب استطاع أن يجلب معها تعاطف بعض العقلاء فى تلقى ما حدث لها رغما عنها، و أخيرا أعتقد أن المرأة فى الرواية كانت نموذجا للمعاناة التى تواجهها المرأة فى مصر أو فى العالم العربى.

محمد عبد الحافظ ناصف وكيل وزارة الثقافة