رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجتمع الدولى.. هل تسمعنا؟

 

 

يقول المثل العامى إن من لا يرى من الغربال يبقى أعمى.. والمعنى أن من يتجاهل الحقائق الواضحة ينطوى على عيب ما.. حيث ثقوب «الغربال» واضحة وتكفى لكشف ما خلفها.. من القضايا التى ينطبق عليها هذا المثل موقف المجتمع الدولى من قضية اللاجئين السودانيين فى مصر.. حيث تقول الأرقام إن ١٥٦ ألف سودانى دخلوا مصر منذ بدء الاشتباكات حتى الآن، وإن الرقم مستمر فى التزايد طالما الوضع الداخلى فى السودان على ما هو عليه إن لم يكن يسير للأسوأ.. اللاجئون الذين دخلوا مصر انضموا لأربعة ملايين سودانى يقيمون بيننا منذ سنوات طويلة معززين مكرمين من أهل الشمال.. وانضموا أيضًا لموجات من اللاجئين من أهل الجنوب وفدوا لمصر هربًا من الحرب الأهلية فى الجنوب «توقفت ٢٠١٦»، ومن الأوضاع الاقتصادية المتردية فى هذا البلد الإفريقى الشقيق.. من حيث المبدأ ترحب مصر بكل الأشقاء على أرضها.. ولدينا ما يقارب تسعة ملايين مواطن عربى يختلف تصنيفهم بين اللجوء والهجرة والاستضافة.. إلى آخر أنواع التصنيفات.. وقد اندمجوا بين المصريين.. الذين هم بالفعل شعب مضياف ويعتبر كل عربى شقيقًا له.. بالقول لا بالفعل.. لكن هناك اختلافات تخص الموجة الأخيرة من اللاجئين السودانيين من حيث اعتبارات كثيرة.. منها سرعة التوافد.. وحالتهم المادية والمهنية والنفسية ومنها أيضًا الظرف الاقتصادى الذى يعانى منه العالم كله ويشمل مصر بكل تأكيد.. فنحن بالنسبة للإخوة السودانيين فى حالة يجسدها المثل القائل «العين بصيرة.. واليد قصيرة».. والسبب هو الأزمة الاقتصادية وانعكاسها علينا.. ونحن بالنسبة للوضع السودانى كله ينطبق علينا المثل «فى الحزن مدعيين وفى الفرح منسيين».. فمنذ بدء الأزمة السودانية نتحمل خسائر.. فى حين يتصدر غيرنا عناوين الأخبار! ولكن هذا ليس هو موضوع المقال.. وسياسة مصر ثابتة تجاه الإخوة فى السودان.. فنحن لا نتدخل فى شأن داخلى ونرعى جهود السلام ونطالب بحل سياسى.. ونعى دورنا تجاه أشقائنا.. لكن كل هذا لا يمنع أن نكون صرحاء مع المجتمع الدولى، كما ألمح الرئيس السيسى بلطف بالغ فى كلمته أمام قمة الأمن والسلم الإفريقيين.. اللاجئون السودانيون يشكلون ضغطًا اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا على مصر.. وعلى المجتمع الدولى أن يقدم الدعم اللازم لإيواء هؤلاء اللاجئين وتقديم الخدمات لهم.. وقد انتشرت شكاوى متعددة لسكان مدينة ٦ أكتوبر حيث مقر مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.. حيث أقام مئات من اللاجئين ما يشبه الخيام بجوار المفوضية.. وينام بعضهم فى الحدائق المجاورة لها.. وأنا لست ضد استقبال اللاجئين لأن هذه قسوة وعنصرية لا تعرفها مصر.. ولكنى أقترح على الخارجية الدخول فى مفاوضات جادة وسريعة مع الجهات المانحة للحصول على دعم مباشر لتسكين اللاجئين وتقديم الغذاء والخدمات الصحية لهم.. ومن حسن الحظ أن لدينا آلاف الوحدات السكنية فى المدن الجديدة «لدينا ٤٠ مدينة جديدة» بنيت ولم يتم إشغالها بعد.. من الممكن تشكيل شركة لتأجيرها للإخوة السودانيين بشكل مؤقت.. على أن تسدد الجهات المانحة تكلفة هذه الإقامة المؤقتة كل عام.. وهو حل يكفل للاجئين إقامة تحافظ على آدميتهم ويقلل من حساسيات المصريين تجاه وجود أناس يمارسون حياتهم الطبيعية فى شوارعهم، وفى نفس الوقت يستبعد تمامًا فكرة مخيمات اللاجئين التى رفضتها مصر منذ البداية حين قررت فتح أبوابها لكل الضيوف العرب الذين نكبت بلادهم بالحروب الأهلية.. مطلوب من المجتمع الدولى أن يتحرك فورًا ويمارس مسئوليته تجاه اللاجئين السودانيين على أرض مصر.. مطلوب منه أن يرى من الغربال.. حتى لا يتهم بأنه أعمى!