رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"جوهرة إيجة 1": الرحلة والعودة.. لماذا يعود الزوار دائمًا إلى أثينا؟

أثينا
أثينا

لا أعرف السر وراء أثينا، زُرت مُدنا كثيرة وعيوني كانت عليها، كنت أسبح في البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود وعيوني على بحر إيجة! تجولت في عواصم العالم وكنت أخطط لأثينا.

شعراء من كل العالم كتبوا قصائدهم عنها، روايات وحكايات وأساطير حولها، أغاني لا أعرف عددها تغنت لـ"أثينا"، أغنية Athina mou، وتعني أثينا بلدي، هي ضمن أغنياتي المُفضلة للمطرب اليوناني الشهير "قسطنطينوس أرجيروس"، حتى المغازلة كانت ذات يوم: إنتي جميلة مثل أثينا.

سألت صديق مصري زار أثينا 12 مرة: لماذا تعود دائماً إلى أثينا؟ قال أحب الأجواء والشوارع والحياة هناك.. سكت ثم قال لا أعرف.. لم يقدم إجابة مُقنعة.. وأنا أعرف إنه لا يعرف التفسير، فشل مثلما فشلت.. ليس هو وحده، في أثينا التقيت سياحا من دول مختلفة، جميعهم عادوا للمرة الخامسة أو السادسة، وجميعهم لا يعرفون لماذا يعودون دائماً.

في مارس 2023، كانت عودتي الثالثة إلى أثينا، والمحاولة الثالثة لاكتشافها، ولم أكتشف السر، ولم أعرف السبب، فقط كان ذلك الشعور بأنني بحاجة إلى العودة مرة رابعة إليها، أو ربما الكتابة عنها.. كمحاولة جديدة لفهمها.

ما الذي تقدمه "أثينا" للزوار؟

مثل الوجبة الكاملة الغنية، التي تمنحك شبعاً يمتد لساعات طويلة، لدى أثينا كل الأسباب لزيارتها ولديها قدرة فريدة أن تمنحك رحلة غنية ومثمرة بدون الكثير من الجهد، فإذا كنت سائحاً أو مُسافراً أو مُستكشفاً، من أي نوع، ومن أي خلفية، فستجد ما تبحث عنه في اليونان.

إذا كنت تبحث عن عطلة صيفية بملابس ذات ألوان زاهية وكوكتيلات لذيذة على شواطئ جميلة، فأتمنى لك رحلة سعيدة في جزر ميكونوس وسانتوريني، ولوكنت في أثينا فتستطيع من خلال رحلة اليوم الواحد أن تذهب إلى ثلاثة كنوز يونانية سحرية،  هى جزر هيدرا، بوروس وإيجينا في بحر إيجة.

جزيرة يونانية

إذا كنت من محبي التاريخ والحضارات والآثار، فأنت في مهد الحضارات الغربية، فما عليك إلا تحضير حذاء المشي، وستجد قائمة طويلة من الأماكن التاريخية بدءا من الأكروبوليس والبارثينون، والاجورا القديمة، معبد زيوس الأوليمبي، والكثير من المعابد اليونانية في انتظارك، ستركب آلة الزمن وتعود إلى العصور الوسطى وسط آلهة الإغريق القديمة في رحلة اكتشاف لا تُنسى في حياتك.

سألت صديقا يونانيا في ليلة باردة عن أثينا والأكروبوليس الذي كان يضوي فوق الهضبة، قال نيكولاس: الأكروبوليس يعني "المدينة المرتفعة" هو معبد يوناني قديم بني لعبادة عدة آلهة، هو مركز أثينا، وبدايتها وكلما توسعت المدينة توسعت بشكل دائري حوله حتى أصبحت أثينا التي تزورها الآن.

الاكروبوليس

أما إذا كنت السائح الذي يهوى التسوق وتجربة المطابخ المختلفة، والأطباق المحلية، فالمحلات والبضائع ذات الأسعار المناسبة ستحاصرك أينما ذهبت، خاصة في منطقة "مونستراكي"، ومثلما تحاصرك البضائع، يحاصرك الطعام، وقد يزداد وزنك بسرعة بسبب جودة الطعام اليوناني، وصعوبة مقاومة "السوفلاكي" وهو "الشاورما".. يوماً أكلت "ثلاثة سندوتشات من السوفلاكي"، وفقط النوم هو ما منعني من الرابع، ولم أعان أري ارتباك في "معدتي"، أكلت هناك كل شيء "موساكا"، "كليفتيكو"، "سوتزوكاكيا"، طبق "تزاتزيكي"، "كيفتيدس".

إذا كنت من مدمني الحياة الليلة، فالخبر السعيد هو إنه (بعكس أغلب الدول الأوروبية)، اليونان لا تنام، واليونانيون لديهم القدرة على الرقص ساعات طويلة بدون تعب؛ المقاهي والمطاعم والحانات تعمل حتى ساعات الفجر، ليس فقط في عطلات نهاية الأسبوع، بل يومياً؛ سألت "إلياس" الشاب اليوناني قلت له: اليوم هو الثلاثاء والساعة الآن تجاوزت منتصف الليل ؟ هل اليونانيون لا يخططون للعودة إلى منازلهم؟.. ابتسم وأجاب: نحن GREEKS، نحب السهر والأغاني والحياة، وفي الصباح نذهب إلى العمل.

كنت في شارع "بسيري" الممتلئ بالمقاهي والحانات، فذهبت إلى شوارع أخرى، وجدت الجميع مُستيقظا، المحلات مُغلقة والمواصلات قليلة، لكن المطاعم والحانات وأصوات الموسيقى "اللايف" تأتي من كل شارع صغير، فتذكرت مصر!

الطريق إلى أثينا

اليونان قريبة، تحتل تقع في جنوب شرق أوروبا، موقعاً استراتيجياً على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. وتقع على الطرف الجنوبي من شبه جزيرة البلقان يحدها بلغاريا ومقدونيا الشمالية شمالاً، وتشترك في الحدود البرية مع ألبانيا في الشمال الغربي، وتركيا في الشمال الشرقي، ولديها أطول ساحل على البحر المتوسط، وتطل شرقاً على بحر إيجة.

الرحلة من القاهرة تستغرق ساعتين، وشركة مصر للطيران، والطيران اليوناني "AYGEAN"، يسيران رحلات يومية، وإذا كانت قادماً من دولة أخرى في أوروبا، سيكون أسطول الطيران اليوناني في خدمتك.

اليونان سهل الوصول إليها، وسهل التجول فيها، وسهل أيضاً الاستمتاع بها، غير مُعقدة، بدون الكثير من التفاصيل، لم أنس قط التيه الأول في المدن التي أزورها للمرة الأولى، دوماً كان انتقالي من المطار إلى الفندق، مغامرة كبيرة، في أثينا لم يحدث هذا، انتقلت بسرعة وسهولة، بدون تيه، بدون مفاجئات، بدون تضليل من اللغة التي لا أعرفها. 

مطار اثينا

مطار أثينا (الفثيريوس فينيزيلوس الدولي) ليس كبيراً، يقع على مسافة 19 كيلو متر شرق أثينا، اللافتات كبيرة وواضحة، عند الخروج بإمكانك انتظار "الاتوبيس" الذي يذهب إلى وسط أثينا، أو اختيار "القطار" الذي يأخذك في رحلة لمدة 40 دقيقة إلى أثينا. هناك ثلاثة خطوط للمترو "الأزرق والأخضر والأحمر"، يكفي أن تعرف أي المحطات تريد، وعبر الرسوم التوضيحية ستعرف أي مترو ستسخدم.

بمجرد وصولك إلى وسط أثينا، ستشعر بـ" الديجافو" كأنك كنت هنا من قبل، الوجوه مألوفة، الملامح شرق متوسطية، يشبهونا ونشبههم، البنايات تشبه البنايات في الاسكندرية، وميدان سينتجما يشبه ميدان التحرير، اللغة لم تفاجئني، لدينا الكثير من القواسم المشتركة، والتاريخ الذي يتقاطع في نقاط عديدة، كل شيء قريب، من الصعب الشعور بالغربة.. سألني "إلياس": لماذا عدت؟، أجبت: ربما هناك إله إغريقي يسمى "إله العودة" أصابتني لعنته.