رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار والأحزاب السياسية

ناقشت اللجنة السياسية فى الحوار الوطنى قضية الأحزاب السياسية. وقد قدم رؤساء الأحزاب المسماة بالمعارضة، رؤيتهم فى عدم قيام الأحزاب بمهمتها الحزبية والسياسية. وبالطبع فإن ما يسمى بحزب الأغلبية لا توجد لديه مشاكل يمكن طرحها فى الحوار.. بل كان الحوار حول مشاكل الأحزاب، بين حزب وأحزاب أكثر منه، حوارًا بين أحزاب وحكومة. 

كما أن المشكل الرئيسى للأحزاب هو عدم إعطائها الفرصة فى عمل اللقاءات الجماهيرية التى هى أساس العمل السياسى والجماهيرى.. مع العلم أن حزب الأغلبية لم يشتك من هذا السبب، فى الوقت الذى لا نرى فيه أى لقاءات جماهيرية، لا لحزب الأغلبية ولا الأقلية. 

فما المشكلة الحقيقية هنا؟ تتواتر المعلومات دائمًا على أنه كانت هناك أحزاب حقيقية قبل ثورة يوليو. فهل كان هذا صحيحًا؟.. بداية، فمصر لم تكن تعرف الأحزاب أصلًا، حيث إن الحياة الحزبية هى بنت جغرافيتها الأوروبية والغربية التى ارتبطت بالثورة الصناعية والتى أوجدت طبقة عاملة لها مطالبها النقابية ضد الرأسمالى صاحب العمل، فكانت النقابات العمالية التى تدافع عن مصالح العمال هى البذرة الأولى لتحولها إلى أحزاب سياسية بعد ذلك. بعد الحملة الفرنسية ووصول محمد على لحكم مصر، والاستفادة من الأجانب حينذاك فى كل المجالات، كانت فكرة المجالس الشعبية التى وصلت إلى مجلس شورى النواب عام ١٨٦٦، ثم تبعها حزب ارتبط بأحمد عرابى فى المقام الأول كزعيم شعبى حينذاك، وذلك لغياب المناخ السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى الذى يستوعب فكرة البرنامج السياسى لأى حزب، إضافة للجينات المصرية التى تقدس الفرد والحاكم والزعيم!

وحدث ما حدث لعرابى فتحول من زعيم إلى متسبب فى استعمار بريطانى للبلاد، حتى وجدنا مصطفى كامل ينشئ الحزب الوطنى ١٩٠٧، معتمدًا على زعامته الشخصية كالعادة المصرية، إضافة لإعلان عداوته لعرابى محاربًا الإنجليز متمسكًا بالعثمانيين «مصر للمسلمين». ثم جاء سعد زغلول منتقلًا من التعامل المباشر والذاتى مع الإنجليز إلى زعيم شعبى بعد أخذه فكرة تشكيل وفد مصرى للمطالبة بالاستقلال من «حفيد الخديو سعيد». فى الوقت الذى رفض فيه مشاركة محمد فريد من الحزب الوطنى فى ذلك الوفد «تفردًا بالزعامة الذاتية». وفى تلك الأثناء كانت تلك الحملة الهمجية من الرموز السياسية والحزبية على عرابى، حين قال أحمد شوقى «صغار فى الذهاب وفى الإياب أهذا كل شأنك يا عرابى». وبعد تشكيل حزب الوفد وهو غير الوفد المصرى الذى تم تشكيله من خلال التوكيلات. وجدنا ذلك الصراع الذاتى والشخصى بين أهم عضوين فى الوفد «وفد التباحث ووفد الحرب» وهما سعد زغلول وعدلى يكن، حتى سجل التاريخ تلك المقولة المتناقضة فى قيمة الاستقلال الوطنى «الاحتلال على يد سعد أحسن من الاستقلال على يد يكن»!

ووجدنا وما زلنا نجد من يعتبر أن هذه المرحلة الحزبية كانت أهم المراحل السياسية! نعم كانت مهمة للرأسمالية والإقطاع المسيطرين على السياسة والاقتصاد. فلم يكن هناك حق الترشح ولا للانتخاب لأى مواطن! كانت الانتخابات تزور علنًا، وكان الناخب يأخذ نصف الجنيه الورقى والنصف الآخر بعد التصويت. كانت الوصاية الاقتصادية والقِبلية.. إلخ «ستقول هذا ما نراه الآن.. أقول نعم»، وذلك لغياب البرنامج الحزبى والسياسى الذى يتم الانتخاب والاختيار على أساسه. حتى إننا قد استمررنا فى نفس الخط. فكان كل التنظيمات السياسية «هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى العربى» هو زعامة عبدالناصر التاريخية. وإن كانت فترة الاتحاد الاشتراكى قد شهدت مشاركة سياسية جماهيرية لتلك الزعامة ولدور منظمة الشباب الاشتراكى حينذاك. حتى بعد عودة الأحزاب عام ١٩٧٨ كانت تعتمد على الزعامات الشخصية «أنور السادات، خالد محيى الدين، فؤاد سراج الدين، وإبراهيم شكرى»، حتى تدهورت هذه التجربة الحزبية بعد ٢٥ يناير. فأصبح كل من هب ودب له حزب عائلى لا أحد يعرف اسمه أو عنوانه، ولا أكون مبالغًا لو قلت إن رئيس الحزب نفسه لا علاقة له ببرنامجه الذى كتبه أحد الكُتّاب!

وعلى ذلك، وبكل وضوح، لا ولن تكون هناك حياة حزبية حقيقية بغير عدد محدد من الأحزاب التى تمتلك رؤية سياسية وبرنامجًا حزبيًا، يسوق للجماهير على أرضية تحقيق مطالبهم، وحل مشاكلهم عند وصوله للحكم، أى لا بد أن تكون هناك سياسة تداول السلطة الحقيقى. لا بد من حرية إقامة اللقاءات الحزبية الجماهيرية «بعد الإخطار». لا بد من عدم التدخل فى الشئون الحزبية بعيدًا عن الدستور والقانون واللائحة والبرنامج الحزبى الذى يختاره المنضم بمحض إرادته، بعيدًا عن الإملاءات غير الحزبية والسياسية، وأن تعلم الأحزاب أنها أحزاب سياسية وليست جمعيات أهلية أو جمعيات دفن موتى. فليس عمل الحزب توزيع البطاطين والكراتين. 

مصر وطن غالٍ وعزيز، وشعب مصر شعب أصيل صاحب تاريخ، يمرض ولكنه لا يموت. فلنبدأ بحياة حزبية حقيقية، تدرك عملها الحزبى والسياسى لصالح مصر وكل المصريين. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم.