رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد تحذير "الصحة العالمية".. كيف أصبحت مصر نموذجا رائدا في منع زراعة التبغ؟

زراعة التبغ
زراعة التبغ

يعتبر نبات التبغ من أكثر النباتات التي تُستخدم في صناعة السجائر والمعسل وغيرها من المنتجات التي تحتوي على النيكوتين، والتي تسبب الإدمان والضرر للصحة العامة، ورغم ذلك، فإن زراعة التبغ ممنوعة في مصر منذ عقود، لعدة أسباب اقتصادية وبيئية وصحية.

تعتبر منظمة الصحة العالمية أن التبغ هو أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه العالم، حيث يقتل أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا؛ بسبب تعاطيه أو التعرض لدخانه، لذا تُحذر دائمًا من العواقب البيئية والاقتصادية والصحية لزراعة التبغ، وتنادي بوقف دعم هذا المحصول القاتل، وتشجيع زراعة محاصيل غذائية مستدامة تعود بالنفع على المزارعين والمجتمعات والبلدان.


نموذج رائد
 

زراعة التبغ ممنوعة في مصر منذ فترة حكم محمد علي باشا، الذي وقع معاهدات مع اليونان، تلزم مصر بشراء التبغ منها بأسعار مرتفعة، وتحظر زراعته محليا، وهذه المعاهدات استمرت حتى عام 1914، عندما ألغتها بريطانيا بعد احتلالها لمصر.

 

وفي عام 1966، أصدرت وزارة الزراعة قرارًا وزاريًا رقم 54، يقضي بقصر استنباط التبغ أو زراعته محليًا لأغراض التجارب على وزارة الزراعة فقط، ويحظر زراعته للأغراض التجارية أو الشخصية.

زراعة التبغ تتعارض مع سياسات مكافحة التدخين والحد من استهلاك المنتجات التبغية، التي تتبناها مصر كدولة موقعة على الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ في 17 يوليو 2003، وتهدف هذه الاتفاقية إلى حماية البيئة وصحة الأفراد من الآثار الضارة للتبغ والدخان، والتي تشمل الإصابة بأمراض القلب والسرطان والتنفسية وغيرها.

وتحظى مصر بتقدير دولي لجهودها في مكافحة التبغ، حيث حصلت على جائزة منظمة الصحة العالمية للامتناع عن التدخين في عام 2019، نظير تطبيقها لبرنامج MPOWER، وهو مجموعة من ست تدابير فعالة للحد من الطلب على التبغ، وهي مراقبة استهلاك التبغ وسياسات الوقاية منه، وحماية الناس من دخان التبغ، وتقديم المساعدة للإقلاع عن التدخين، وتحذير من مخاطر التبغ، وحظر الإعلانات والترويج والرعاية للتبغ، وزيادة الضرائب على التبغ.

 

حماية صحية

ومن جانبه، يقول المهندس أشرف مختار، الخبير الزراعي، إن نبات التبغ لا يحقق مردودًا اقتصاديًا عاليًا للمزارعين أو للدولة، حيث يحتاج بعد الزراعة إلى تكنولوجيا عالية لصناعة إنتاج المحصول تسمى بالتعطين، وهي عملية تجفيف وتخمير الأوراق لإعطائها النكهة واللون المطلوبين، وهذه العملية تتطلب معدات ومرافق خاصة غير متوفرة في مصر.

 

ويوضح "مختار" في حديثه لـ "الدستور"، أن زراعة التبغ تستهلك مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، التي يمكن استغلالها في زراعة محاصيل استراتيجية أخرى مثل القمح أو الذرة أو القطن، والتي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي والصناعي للبلاد.

ويضيف: "يؤثر أيضًا نبات التبغ سلبًا على البيئة، حيث يستخدم كميات كبيرة من المبيدات والأسمدة الكيماوية، التي تلوث التربة والمياه الجوفية والسطحية، كما ينقل بعض الأمراض الفيروسية، التي تهدد باقي أفراد العائلة النباتية والتربة، مثل فيروس التبغ المجهري وفيروس التبغ المزدوج".

 

أما عن الآثار السلبية الناتجة عن زراعة التبغ، يشير الخبير الزراعي، إلى أنها تتسبب في زيادة استهلاك المنتجات التبغية، وانتشار التدخين بين الفئات العمرية المختلفة، وخاصة الشباب والنساء، بالإضافة إلى زيادة الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين، وارتفاع معدلات الوفيات والعجز والتكاليف الصحية، وتدهور جودة الأراضي الزراعية، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الأخرى، وتلوث الموارد المائية.


استراتيجية ناجحة
 

ويؤكد: "تعتبر مصر نموذجًا رائدًا في منع زراعة التبغ لأسباب عديدة، منها حماية الأراضي الزراعية والنظم الإيكولوجية من التلوث والتدهور الناجم عن زراعة التبغ والمبيدات المستخدمة فيها، فضلًا عن حماية صحة المزارعين والعاملين في مجال التبغ من الأمراض الناتجة عن التعرض للنيكوتين والكيماويات ودخان التبغ".

ويستكمل: "ساعدت تلك الاستراتيجية أيضًا في تحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري، بزراعة محاصيل غذائية استراتيجية مثل القمح والذرة والقطن، بدلًا من محصول قاتل لا يحقق مردودًا اقتصاديًا، فضلًا عن الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بمكافحة التبغ وحماية البيئة وحقوق الإنسان".

ويختتم: "يمكن القول إن منع زراعة التبغ في مصر هو قرار حكيم ومبرر، يحمي مصالح البلاد وصحة شعبها، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة، فقد تعتبر مصر هي أول دولة عربية وإفريقية توقع على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ في عام 2003، وهي معاهدة قانونية تلزم الدول الأطراف باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك التبغ وإنتاجه وتجارته وترويجه وتنظيمه".

 

حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020، فإن الدول العربية الأكثر استهلاكا للتبغ، هي:

 

سوريا، حيث بلغ معدل استهلاك السجائر للفرد 2291.7 سيجارة سنويا، ونسبة المدخنين 45.9% من الرجال و7.6% من النساء.

 

لبنان، حيث بلغ معدل استهلاك السجائر للفرد 1735.5 سيجارة سنويا، ونسبة المدخنين 38.8% من الرجال و26.7% من النساء.
 

الأردن، حيث بلغ معدل استهلاك السجائر للفرد 1652.4 سيجارة سنويا، ونسبة المدخنين 70.2% من الرجال، و17.6% من النساء.

 

تونس، حيث بلغ معدل استهلاك السجائر للفرد 1559.3 سيجارة سنويا، ونسبة المدخنين 50.7% من الرجال، و4.1% من النساء.

 

مصر، حيث بلغ معدل استهلاك السجائر للفرد 1430.8 سيجارة سنويا، ونسبة المدخنين 50.1% من الرجال، و0.5% من النساء.