رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفكار إيجابية على الطاولة الوطنية

استطاع الحوار الوطني المنعقدة جلساته، حاليًا، أن ينال اهتمامًا شعبيًا وترقبًا لمخرجاته منذ استجاب السيد رئيس الجمهورية لمقترح بضرورة استمرار الإشراف القضائي على الانتخابات، وهو الأمر الذي عدّه السياسيون خطوة إيجابية تدعم نزاهة الانتخابات وشفافيتها. في حين رأى آخرون في الأمر ما هو أبعد من ذلك، إذ حسبنا في تلك الاستجابة الرئاسية المبكرة لواحد من مقترحات الحوار الوطني في بداياته، رسالة سياسية هامة مفادها أن القيادة السياسية تولي الحوار الوطني اهتمامًا كبيرًا، وأنها تصغى باهتمام لما سيرد في الجلسات من مقترحات تفيد الوطن وتعود بالنفع على المواطن.
وبناء عليه، عدنا لمتابعة آلية الحوار الوطني، واهتممنا بمراجعة ما طرحته الأحزاب والنقابات والقوى الساسية على أمانة الحوار من مقترحات، فوجدناها قد تعددت وشملت محاور عدة يمكن إيجازها فيما يلي:
حيث نال المحور السياسي اهتمامًا كبيرًا- كما هو متوقع ومنتظر- إذ بلغت نسبة المقترحات المقدمة فيه نحو 29% من إجمالي المقترحات، وتنوعت تلك المقترحات السياسية بين لجان المحور السياسي المختلفة، فنالت لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة النسبة الأكبر من المقترحات، ثم جاءت بعدها لجنة الأحزاب السياسية، فلجنة النقابات والعمل الأهلي ثم لجنة مباشرة الحقوق السياسية، وأخيرا لجنة المحليات.
غير أن المفاجئ أن المحور الاقتصادى نال الاهتمام الأكبر من المشاركين في الحوار بنسبة بلغت 37% من جملة المقترحات المقدمة للحوار، وهو ما يعكس انشغال الرأي العام بلقمة العيش وسبل توفيرها للمواطن العادي. وقد جاءت المقترحات المقدمة للجنتي العدالة الاجتماعية والاستثمار الخاص في مقدمة مقترحات المحور الاقتصادي، تلتها وعلى الترتيب مقترحات مقدمة للجنتي أولويات الاستثمارات العامة ولجنة الصناعة، ثم لجنتي الزراعة ولجنة الإصلاح المالي. وفي النهاية تأتي نسبة مقترحات لجنة التضخم وغلاء الأسعار ولجنة السياحة.
 أما المحور المجتمعى فقد حاز نسبة 34% من إجمالي المقترحات المقدمة بالحوار وتصدرتها مقترحات مطروحة على لجنة الثقافة والهوية الوطنية، ثم التعليم والشباب، فالصحة وقضايا التماسك المجتمعي، وأخيرا القضية السكانية.
 لاحظنا وعلى مدار أيام انعقاد الحوار وبمتابعة جلساته المذاعة والمتاح متابعتها لكل المصريين عبر وسائل الإعلام العامة والخاصة مسموعة ومقروءة ومرئية، اهتمام غالبية الحضور ألا يكون حضورهم شرفيًا أو على سبيل الوجاهة الاجتماعية. فجاء الحضور في معظمه حضورًا فاعلًا ومؤثرًا عكسته كلمات المتحدثين ومداخلاتهم من حيث الوضوح ومستوى المصاراحة والرأى الحر وشفافية التعبير وشمولية التمثيل من جميع التيارات المصرية.
ويأتي استمرار الاحتفاء والاهتمام الشعبي والرسمي بمتابعة جلسات الحوار الوطني، انعكاسًا لما يعقده المجتمع من آمال على منظومة وطنية سياسية شعبية فكرية فرضت الظروف المحلية والإقليمية والعالمية أن تمثل نقطة فاصلة فى خطى بناء الجمهورية الجديدة. فمشاركة كافة أطياف المجتمع، خلق أملًا في بناء رؤية وطنية شاملة ومتكاملة تدعم مسيرة الإصلاح والتنمية.
   وإذا كانت الظروف السياسية قد صرفت الناس- فيما مضى- عن متابعة نشاط وأفكار معظم الأحزاب السياسية. ما خلق بالتبعية نوعًا من العزوف عند المنتمين لتلك الأحزاب عن المشاركة المجتمعية والسياسية في كثير من الأحداث والفعاليات الوطنية- ولا نستثني من هذه الظاهرة إلا عددًا من الأحزاب الفاعلة والناشطة التي استطاعت أن تكسب أرضًا جديدة في الشارع السياسي رغم انصراف المواطن العادي عن الانخراط في العمل السياسي- فإذا بالحوار الوطني يأتي ليمثل فرصة ذهبية متاحة لتعيد الأحزاب المتوارية أو التي لم تتمكن من التمثيل النيابي بالشيوخ أو النواب، لتعيد تقديم نفسها مجتمعيًا، على أمل أن تكون عنصرًا فاعلًا في قادم الاستحقاقات.   
جرأة وشفافية وفي ذات الوقت عقلانية كبيرة يتم بها تناول قضايا مصيرية تعكس توجهات وأيديولوجيات التيارات السياسية والقوى الوطنية وتسمعنا أصواتًا كانت قد غابت منذ نحو عقد كامل لنسمع من جديد من يتحدث عن مجانية التعليم، وتأثيرات سلبية للمدارس الأجنبية على الهوية الوطنية. وعادت إلينا أصوات تتحدث عن ريادة مصر الثقافية والفنية والإعلامية في المنطقة العربية وكيف أثرت فيها ظروف داخلية ومنافسون إقليميون، وكيف للدولة أن تستعيد دورها الريادي وتصد ما يسميه البعض بالغزو الثقافي المؤثر على هويتنا.  
     كل تلك مؤشرات تعطي الجميع الأمل في أن الحوار الوطني لن يكون مجرد مكلمة ولكنه يمثل تحولًا جادًا في توجهات الشارع السياسي ننتظر أن تتبعها توجيهات سياسية وتعديلات تشريعية تتيح آفاقا جديدة في الممارسة السياسية وتنتهي بتحولات مجتمعية تفيد الجميع، وتنتهي بتثبيت أركان الدولة الوطنية ورفاهية المواطن أيًا كانت هويته السياسية أو الفكرية؛ طالما انطلقت من قاعدة وطنية.