رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى ميلاده.. حكاية إسماعيل ياسين مع تذكرة القطار والكمسرى

إسماعيل ياسين
إسماعيل ياسين

يحل اليوم الأربعاء الموافق 24 مايو، ذكرى رحيل الفنان إسماعيل ياسين، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1972، لكن هل تعرف قصته مع تذكرة القطار والكمسري، والتي رواها بنفسه، ونشرت في مجلة الكواكب الفنية بعددها الــ251 والمنشور بتاريخ 22 مايو من العام 1956. 

حدثت هذه الواقعة لإسماعيل ياسين، وهو في مقتبل حياته الفنية، أيامه الأولي نحو طريق قمة عرش الكوميديا في مصر.

يقول “أبوضحكة جنان”: “هذه ليلة من ليالي الكفاح الأولى في سبيل الوصول إلي المجد، ما زلت أذكرها وكأنها وقعت بالأمس فقط، فهي تذكرني بأيام الفقر والبؤس التي كنت أعيش فيها عندما بدأت جهادي في ميدان الفن”.

 

ــ سنوات البؤس والشقاء في حياة إسماعيل ياسين

ويستهل “أبوضحكة جنان” قصته، قائلا: “القصة تبدأ هكذا في ليلة من ليالي الشتاء منذ عدة سنين مضت، كنت في القاهرة أبحث عن الطريق إلي الفن بعد أن قررت السير فيه، وكنت قد غادرت بلدتي السويس منذ زمن قريب، وكنت أقيم عند أحد أقاربي ريثما يتيسر الحال وأستطيع أن أسكن بمفردي، وفي هذه الحالة كنت عائدا منهوك القوي متعب الأعصاب فقد ظللت طوال اليوم أبحث عن عمل، ولكنني فشلت، فكنت كمن أقفلت الأبواب في وجهه علي مصاريعها، وأبت الأقدار إلا أن تحاربه حتي في الحصول علي لقمة العيش، وكنت أحمل فوق رأسي هم الدنيا. ولست أدري ما الذي حدث بيني وبين قريبي هذا الذي أسكن عنده، فلم أشعر إلا بجدال ونقاش بيني وبينه، ولم أطق صبرا علي هذه المناقشات، فقررت في لحظة غضب أن أترك منزل قريبي وأسافر إلي السويس فتوجهت إلي المحطة، وكان القطار قد وقف علي الرصيف، وفي أحد صالونات الدرجة الثانية تمددت علي الكرسي كأي مسافر يحمل تذكرة سفر معه، ومع الأفكار والخيالات داعبني سلطان النوم فاستسلمت لدعابته ورحت في سبات عميق”.

 

ــ إسماعيل ياسين مسافر بلا تذكرة 

ويمضي إسماعيل ياسين في قص واقعة “تزويغه” في القطار: أستيقظت على هزات خفيفة وصوت يرن في أذني كأنه قصف الرعد يقول: ”اصح يا أفندي، تذاكر من فضلك"، كان كمسري القطار ونزلت كلمة تذاكر كأنها الصاعقة، فنهضت من نومي وقد ملأني الفلس شجاعة لا عهد لي بها وقلت في نفسي "هيه موتة ولا أكتر"، وتقدمت من الكمسري وقلت له: "أنا مقطعتش تذكرة".

وأضاف: "هنا أخرج الكمسري من جيبه دفترا وأخذ يكتب فيه ونظر إلي وقال: طيب هات 80 قرشا، فابتسمت وقلت: بكل أسف أنا ماقطعتش تذكرة لأني معنديش فلوس"، وقصصت عليه قصتي مع قريبي وأنني مضطر للسفر إلي السويس عند أهلي، وفي ختام حديثي معه قلت: وآديني قدامك أهو، عاوز تسلمني للبوليس سلمني، وأنا مستعد أن أعطيك ثمن التذكرة عندما أصل إلي السويس. فنظر الكمسري وكأنه اقتنع بقصتي وخصوصا أنني كنت أرويها له بتأثر بالغ حتي يلين قلبه ثم قال: "طيب يا سيدي لما نشوف".

 

ــ هكذا تخلص إسماعيل ياسين من مأزقه 

ويضيف إسماعيل ياسين: وحمدت الله علي أنه قد وضع الحنان في قلب الكمسري وإلا لكانت العاقبة وخيمة، واطمأن قلبي فعدت لجلستي، مددت رجلي ووضعتها علي الكرسي المقابل في زهو وكبرياء، وفي أول محطة وقف عليها القطار، أخرجت القرش اليتيم من جيبي واشتريت جريدة الصباح، وأخذت أقرأ وكأن شيئا لم يحدث، واقترب القطار من السويس، وكانت الساعة قد قاربت الخامسة صباحا وإذا بالكمسري يقف خلفي والابتسامة لم تفارق شفتيه، ووقف القطار وتزلت وورائي الكمسري وأنا أفكر ماذا أفعل هل أجري، ربما جري الرجل خلفي وتبقي مشكلة". 

 

ــ معاون المحطة ينقذ إسماعيل ياسين

ويتابع: "بينما أنا غارق لأذني في هذه الأفكار إذ بمعاون المحطة يقبل علي معانقا وهو يقول: أهلا إسماعيل حمد الله علي السلامة، كنت فين يا راجل غايب المدة دي كلها"، وكأنني في هذه اللحظة عثرت علي كنز ثمين، وفي همس خفيف قلت له في أذنه: "ألحقني أنا وقعت وأنت استلقيتني" فقال: خير أي خدمة، وفي هذه اللحظة تدخل الكمسري قبل أن أشرح لصديقي المعاون القصة وقال: "صباح الخير يا حضرة المعاون، أنت تعرف إسماعيل؟ فنظر إلي صديقي المعاون ثم اتجه بنظره إلي الكمسري وقال: أيوه أعرفه كويس قوي، فيه حاجة؟ وكأن جردلا من الماء قد ألقي علي فقد تصبب العرق بغزارة علي جبيني وكدت أسقط من طولي. واستطرد الكمسري وقال: أبدا ده بس إسماعيل ده شخصية لطيفة قوي، دا هلكني من الضحك طول السكة"، والتفت إلي مادا ذراعيه وهو يقول: فرصة سعيدة قوي يا سي إسماعيل، لازم نشوفك تاني في ظروف أسعد من دي، السلام عليكم، سلام عليكم يا حضرة المعاون".

ويختتم إسماعيل ياسين: “وكدت أصعق، ما هذا الذي يقوله الكمسري، ولم أصدق أنني قد تخلصت من هذا المأزق المحرج، وحمدت الله علي أنني لم أشرح القصة لصديقي المعاون، وحملت لفتي تحت أبطي وودعت المعاون ولم أمكث في السويس إلا 24 ساعة عدت بعدها إلي القاهرة، وبدأت قصتي مع الكفاح المرير حتي وصلت لما أنا فيه والحمد لله، ولست أتمني شيئا في حياتي إلا أن أقابل هذا الكمسري مرة أخري فأنني لم أره بعد هذه الحادثة، ولعله يقرأ هذه السطور فيأتي لمقابلتي حتي أستطيع أن أرد له الجميل”.