رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة جوتيريش لإصلاح مجلس الأمن.. هل حان وقت قيام نظام عالمي جديد؟

مجلس الأمن الدولي
مجلس الأمن الدولي

تتصاعد الدعوات المنادية بإنهاء الهيمنة الأمريكية والغربية، وإلغاء نظام حق النقض "فيتو"، للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، مع صعود قوى جديدة في العالم، والتوقعات بقيام نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الغربية، وآخرها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي، ومؤسسات نظام بريتون وودز، لأنها تعكس موازين القوى بين الدول التي كانت سائدة في عام 1945.

وقال جوتيريش، للصحفيين على هامش قمة مجموعة الدول السبع، إن الهيكل المالي العالمي، عفا عليه الزمن وغير عادل، على خلفية الاضطراب الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد والنزاع في أوكرانيا، لم يعد هذا الهيكل قادرا على أداء وظيفته الأساسية كشبكة أمان عالمية. وحان الوقت لإصلاح كل من مجلس الأمن ومؤسسات بريتون وودز، في الواقع، هذه مسألة إعادة توزيع السلطة بما يتماشى مع حقائق عالم اليوم.

تعدد الأقطاب

وقال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن إصلاح مجلس الأمن يحتاج إلى مراجعات كبيرة، فقد كانت هناك مشروعات عديدة لإصلاحه من قبل، وإلغاء نظام التصويت واستبداله بالنظام المتعدد، وواجهت هذه المحاولات صعوبات عديدة؛ احتجاجا من الدول الكبرى على هذا الأمر.

ومن بين الأطروحات التي تنشد إصلاح نظام مجلس الأمن، دخول ألمانيا واليابان والبرازيل، ودول من إفريقيا، وانطلقت هذه الدعوات في مراحل معينة، منذ أيام الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي، لكن كل محاولات الإصلاح تواجه إشكاليات متعلقة بأن نظام المجلس إذا تغير فسوف تتغير وحدات المجلس بأكملها.

طارق فهمي: رسالة مصر الرادعة وصلت للسراج وأردوغان والحذر مطل | مصراوى
طارق فهمي

وأضاف فهمي في حديثه لـ"الدستور"، أن عصبة الأمم سلمت إلى الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا الكلام يفتقد الإرادة السياسية الدولية، وأعتقد أن الأمين العام يخلي مسؤوليته، فهناك قرارات تصدر من الجمعية العامة لها صفة الإلزام "متحدون من أجل السلام" واستخدمت مرة واحدة في حرب الخنازير، ومنذ ذلك الحين لم يتم استخدامها.

وأشار إلى أن إصلاح مجلس الأمن يتطلب تمثيل أكثر إنصافا وعدالة، والدول دائمة العضوية ترفض هذا الأمر، رغم طلب الاتحاد الأوربي مقعد دائم، إلى جانب بريطانيا وفرنسا.

وأوضح، أن النظام العالمي متعدد الأقطاب لن يسمح بهه إلا إذا سقطت الأمم المتحدة ونشأ نظام عالمي جديد، بعد فشل المنظمة الدولية في معالجة أزمة كورونا ومنع الصراعات في العالم وإحلال السلام، رغم ما يحسب لها مثل عدم نشوب حرب عالمية ثالثة، وانتشار قوات حفظ السلام في العالم.

وتابع: سيبقى هذا النظام قائما لفترة طويلة، والأمم المتحدة ستبقى دون تغيير، لكن تبقى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة نبيلة، وتأتي في إطار تعدد الأزمات الدولية، بما يؤكد أننا أمام عالم أكثر انحيازا للمعايير الغربية، وأي نظام عالمي جديد سيبدأ بحرب عالمية ثالثة، أو تعدد الصراعات البنيوية في النظام الدولي، وهذا النظام سيبقى قائما رغم سلبياته.

بقايا بريتون وودز

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا الدكتور محمد خليفة صديق، أن إصلاح مجلس الأمن الدولي يكمن في التخلص من بقايا نظام بريتون وودز بإلغاء حق النقض (الفيتو) والاستعاضة عنه بنظام جديد متوازن ومرن وعادل تتوافق عليه كل الأطراف.

وأضاف صديق في حديثه لـ"الدستور"، أن المجلس الحالي صممه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، ويعكس موازين القوى بين الدول التي كانت سائدة آنذاك كما قال جوتيرش، ولذا فمؤسسات الأمم المتحدة كلها بما فيها مجلس الأمن والمؤسسات الأخرى أيضا تعمل لصالح من صنع هذا النظام وظل يقاوم كل محاولة للإصلاح من أي مكان جاءت. 

محمد صديق – موسوعة الفقة السياسي الإسلامي
محمد خليفة صديق

وأوضح أستاذ العلوم السياسية السوداني، أن الضغوط التي يواجهها نظام بريتون وودز من الصين وروسيا قد تؤدي لوئده عاجلا أم آجلا، وهي الآن ساهمت في ضعضعته وزيادة مساحات الاحتجاج عليه.

ومضى قائلا: من أبرز مؤشرات تداعي نظام بريتون وودز تعامل كثير من البلدان فيما بينها بعملاتها الوطنية بعيدا عن الدولار، وهذه أولى بدايات نهاية الدولار كعملة تبادل عالمي، والتي كانت أبرز مظاهر النظام القديم.

وأشار إلى أن رؤى إصلاح مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة كثيرة ومعقدة، وتعبر عن اتجاهات ورؤى مختلفة، ومن مشارب شتى، فهناك من يرى إضافة بلدان جديدة لمجلس الأمن، هذه البلدان هي الآن أقوى من فرنسا وإنجلترا عسكريا واقتصاديا كالهند مثلا. وهناك من يرى أن تكون لكل قارة مجلس أمن خاص بها. 

وأوضح صديق، أن كل هذه المجالس من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية تجتمع ليصبح مجلس أمن يمثل كل البلدان في العالم، رغم أن هناك قارات فيها أجسام أمنية قارية مثل مجلس الأمن والسلم الإفريقي لكنها عاجزة عن حل إشكالات كثيرة داخل القارة نفسها.

واختتم حديثه بالقول: المعطيات الدولية قد تكون مواتية بشكل ما لعصر جديد متعدد الأقطاب في ظل تراجع القوة الأمريكية والعجز عن لجم روسيا في حرب أوكرانيا، برغم أن الدول الكبرى التي تمتلك الفيتو لا تسمح بأي تعديل في ميثاق الأمم المتحدة، وستقاتل لآخر رمق.

إلغاء الفيتو

من ناحيته، قال الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي الدكتور زايد المناع، إنه يمكن إصلاح مجلس الأمن من خلال زيادة عدد الدول الأعضاء وليس الاقتصار على 15، وأن يكون للدول التي تملك حق الفيتو عددا أكبر، وإن كان الأفضل عدم وجود فيتو بالأساس، ويمكن استخدام نظام الأغلبية في اتخاذ القرارات.

وأضاف المناع في حديثه لـ"الدستور": ينبغي أن تكون عضوية مجلس الأمن لكل الدول أو ممثلين عن القارات بأعداد مكافئة للسكان، دول آسيا يجب أن تكون موجودة، وكذلك الدول العربية تحتاج ممثلا، والدول الإفريقية أيضا، وأمور من هذا القبيل تخفف سيطرة الجانب الغربي على مجلس الأمن الدولي.

عايد المناع عن مرور 57 عاما على الدستور الكويتي: نقلة كبيرة من المشيخة إلى  الدولة
عايد المناع

وأشار إلى أنه من الإنصاف أن تكون عضوية الدول متكافئة، لكن الدول الخمس دائمة العضوية لن تسمح بذلك، وسوف تستخدم الفيتو في الرفض، وسوف يستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن تأتي معطيات قد تغير الوضع، مثلما تغيرت في السابق عصبة الأمم وأصبح هناك الأمم المتحدة بوضعها الحالي.

ونوّه المناع، بأن المعطيات على الساحة الدولية تشير إلى أن الهيمنة الغربية لم تعد قائمة بالرغم من سقوط المعسكر الاشتراكي وتفككه في ظل صعود الهند والصين، ودول أخرى، بالإضافة إلى أن تعامل الدول الشرقية أصبح أكثر جرأة مما كان في السابق، خصوصا في آسيا والعالم العربي.

وشدد الأكاديمي الكويتي على أن القطبية المتعددة تضعف الهيمنة الأمريكية والغربية على مجريات الأمور، والأخيرة سوف تتمسك بالهيمنة على التحكم في مجلس الأمن الدولي، ولذلك نجد أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في كثير من الأحيان لا تتوافق مع الغرب، لكن الجميع يعلم أن مجلس الأمن وقراراته له الصفة التنفيذية.