رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عامر".. أقدم صانعي المراكب بالإسكندرية: شخصيتي ارتبطت بهذه المهنة

جانب من الحدث
جانب من الحدث

بين البحر وأمواجه قضى أقدم صانعي المراكب البحرية في الإسكندرية حياته في واحدة من أشهر المهن السكندرية على شواطىء عروس البحر المتوسط، فمهنة صناعة السفن،واحدة من المهن الصعبة العملاقة، والتي يعمل بها الكثير من صنايعية المحافظات المصرية على الرغم من تعرضها للاندثار وعدم التوريث، إلا أنها من المهن الأصيلة الناجحة التي ترفع اسم الصناعة المصرية.

ومن منطقة بحري، وتحديدا المنطقة الصناعية للمراكب، يسير العمل على قدم وساق فلكل شخص مهمته التي يعكف على تنفيذها بمنتهى الإتقان.

received_816469506568463

التقت “الدستور” مع فرج عامر، 63 عاما، أقدم صانعي المراكب البحرية ليحكي عن مهنته وأسرارها.

قضى عامر 45 عاما من حياته بين البحر ومراكبه ليكون في فترة طفولته ليس مجرد رفيقا لوالده صياد البحر خلال مسيرة حياته، ولكن بيده الماهرة أصبح هو من يصنع المراكب واليخوت الكبيرة بكامل تفاصيلها لتتحرك من ثبات مرساها إلى مواجهة أمواج البحر.

received_231370049500534

ليأخذ الصنعة رويدا رويدا قبل أن يقرر أن يترك مهنة الماضي والتي عمل فيها نجار كراسي والترابيزه الخشبية إلى واحد من شيوخ وكبار مهنة صناعة المراكب.

"حبيتها وقررت تكون صنعة إيدي" هكذا وصف عامر تعلقه بمهنة صناعة المراكب، مكملا أن ما يحفظ مكانتها بداخله أنها مهنه الأنبياء ومن يتقن صنعتها يكون له الفخر بتتبع خطاهم أسوة بهم.

received_588987316668752

فكل خطوة فارقة في صناعتهم، انتقالا من ثبات الأرض لتحرك البحر، فهي مهنة متقنة لا تهاون فيها بأدق التفاصيل، تحمل أرواح الناس في ضمائرنا وتنفيذا لصنعة أيدينا، فأي تهاون يكون له نتائج وخيمة ينتج عنه تسريب المياه إلى داخل المركب البحري مما يشكل خطورة على حياة راكبيها تصل إلى درجة الخطر، لذلك فهي مهنة لا مكان فيها إلا للبارعين المتقنين.

received_1000186877573217

واسترجع أقدم صانعي المراكب البحرية ذاكرته، حيث "فالوكة أم كلثوم" كانت أول ما صنع بيديه الماهرة لتكون فتحة الخير عليه والتي انطلق بعدها لمركب الحرية ليرتبط بعالم البحر أكثر، دون مفارقته حتى اليوم.

وصنع عامر بإيديه الماهرة كثير من المراكب البحرية طوال حياته بدءا من فالوكة التنزه الصغيره حتى المراكب واليخوت السياحية والتجارية الكبيرة، لتتطور خبرته مع تطور ما صنعه ويصبح لعينيه نظرة توازن ويديه مقياس الميزان، في تقدير الأبعاد والمسافات بجانب الحسابات والقياسات الدقيقة.

received_1446146595789829

وعلى الرغم من صعوبه مهنته، إلا أن شخصيته ارتبطت بدقات الخشب، فيشعر بالمتعة عندما يقضي فترة تتجاوز الـ ١٢ شهرا بجهد شغوف وطموح يظل يكون تفاصيل بنيان مجسم المراكب البحرية ليرى نتيجته بعيون لامعة وأيادي راضية وفخر بصناعه بلده.

received_211520978342944


لتمتزج تلك المشاعر بشعور الفقد، فيشعر عامر تجاه كل مركب أو يخت بحري ينتهي من صناعته بعد مرور شهور طويلة، أنه بمثابه أحد أبناءه الذي سيفارقه بعيدا متجها إلى مسار حياتي جديد له، لا يراه مرة ثانية.

فصناعة المراكب والتي تعد أشهر المهن السكندرية القديمة، واحدة من أساسيات الصناعات المصرية التي تشكل فخر لنا عندما نرى صناعتنا وجهد أيدينا يصدر للخارج والدول الأجنبية لنحافظ على مهنة تراثية نجحت أن تمكث طويلا انتقالا من الأجداد للآباء للجيل الحالي.

received_206133552273512

وبعد مرور 40عاما من خبرته في مهنة صناعة المراكب توج حياته المهنية بالعمل في أكبر مركب سياحي حديدي التكوين بطول 35 مترا وارتفاع 10 أدوار، استمر في العمل ببناءها عام كامل وما زال ينتظرها عام آخر حتى تتأهل لتخوض عالم البحر.

وبين الحديد والخشب فما يحكم أي المواد الخام المستخدمة هيكل المركب وحجمه والغرض من صناعته، فمع تطور الصناعة أصبحت المراكب حديدية المجسم هي المأمن طويل الأمد، والتي تصبح أكثر قوة وصلابة ولا تحتاج صيانة مستمرة أو التعرض للتهالك كما يحدث في المراكب الخشبية.

“اللي بيحب الصنعة دي متغنيهوش”، بهذه الجملة لخص أقدم صانعي المراكب مسيرته بأنه على الرغم من صعوبة المهنة والمدة الطويلة التي تستغرقها صناعة المركب الواحد، ليعد ارتفاع أسعار المواد الخام أكبر مؤثر على زيادة تكلفة الصناعة وبالتبعية على العائد المادي للعمالة الحرفية مقابل جهد وتفكير زائد وإتقان لا يحتمل التهاون أو التقصير.

ويعد هذا من أسباب أنها من المهن القديمة التي لا تورث للجيل الحالي إلا قليلا كما ورثناها من آباءنا وأجدادنا ومن يستمر في العمل بها لأنه يتقن ما يحب صناعته، ويلاحق شغفه بحب مراحل الصناعة للمراكب البحرية.

ليكمل أبناءه الاثنين مسيرته ويرثا خبرته ليخوضا عالم مهنة صناعة المراكب والتي تعد علامة مميزة على شواطىء المدينة الساحلية السكندرية معلقا: "نشعر بالتميز لإتقاننا مهنة لا يستطيع العمل بها الكثيرين، وصنع أيدينا يكون محل فخر وافتخار بصناعتنا المصرية أمام العرب والأجانب".