رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أربعة أسباب لاعتزال عبدالحليم حافظ

عمرو الشيخ
عمرو الشيخ

لم أنم جيّدًا أمس.

فعلى غير عادته 

عبدالحليم كان متوترًا كأنه كمانٌ تاريخيةٌ آلت وظيفيًا إلى يد عازف يشبه أى عازف..

لم أره منذ موتِه شاحبًا يائسًا هكذا 

فاجأنى بأنه يفكر فى الاعتزال،

فالبناتُ 

يكبرْن بانتظامٍ سخيف 

والغريبُ، أو المؤلمُ 

أنهنّ يتطلعن إلى الكبر! 

ليصرن سيداتٍ عاقلاتٍ ناضجاتٍ 

ما عاد يصحُّ أن يسمحن له بالتسلل ليلًا إلى غرفهن سرًا

ولا نهارًا

ولا يصح أن تستردَّ عرائس ودباديب تناوب عليها أطفال الأسرة سيرتها الأولى، أو تلوحَ مشارف ارتعاشات ابتسامة على وجه يستند إلى زجاج مشروع فى لحظات المصادفة:

أثناء الوقوف فى إشارات المرور مثلًا 

أو عند دخول أحد المحال

حتى صور العندليب المدسوسة فى كتب الثانوية العامة 

لا يتذكرن مكانها.

أشعر بأننى السبب

إذ اصطحبت إحدى أغنياته وأنا جالس بين زميلات العمل فاستقبلنها بكامل خبرة سيدة ناضجة فى التجاهل..

سألنى:

ألم تكن الأغنية هى ذاتها الأغنية؟

وأنا هو أنا؟.. حليم!

فلماذا لم تلعب ولو واحدة فى خصلات شعرها؟

لماذا لم تهم إحداهن بنقش حرف ما على مفرش المنضدة ثم تتراجع سريعًا؟

لماذا لم تغمض إحداهن عينيها لتحتضن عروستها وترقص فى خفة شادية؟

حاولت إقناعه

ليس السبب أنهن ما عدن يبالين به، ولا أن قلوبهن قست شيئًا أو ربما أشياء

كل ما فى الأمر أن ثلاثة رجال تناوبوا على إفساد المشهد:

رجل أنبت شاربه خصيصًا ليصير قفصًا لأحلام البنات، وممحاواتٍ تتبع صور المراجيح فى مخيلاتهنّ،

ورجل تقليدى كجالونِ ألوانٍ باهتةٍ كلما تحرّك اندلق بعضها، واختفت الحدود بين الألوان فى عيونهن.

ورجل كذّاب سرق قصر الحبيبات المرصود، واعتقل المحبين

ونام آمنًا فى حراسة اللصوص.

فالحراس حين يكونون لصوصًا لا يسمعون صرخات المظلومين..

تنهد عبدالحليم

لا يريد أن يصدقَ أن تلك الأعذار على جسامتها

تعنى أن روحه مهما يرسلْها فلن توقظ البنات اللائى كبرن.

ولن يتجاوبن مع أغنيته حتى لو كانت...

زى الهوى

 

سيعتزل عبدالحليم أيضًا 

لأن..

صديقًا خمسينيًا أخذ العهد عليه دون انتظار كرامات 

ظلّ يدندن أغنياته، يصدّقها

إلى حد أن فكر فى الانتحار خجلًا..

ففتاة دون الثامنة عشرة ودونها المستحيلات

كان يفترض أن تمر من أمام عينيه المدربتين على التجاهل مرور الكرام

مرور أى شىء

غير معقول أبدًا ما حدث

تصورْ

البنت دخلت صدره الخرب

وكالأفلام التقليدية تمامًا حين تدخل بنت ما إلى شقة رجل مهملة، يعلو التراب كل شىء، وإذا بالمشهد التالى مباشرة تبدو فى أبهى صورها

هذا ما فعلته فى قلبه 

قهقهت كسعاد حسنى وأطلت من بين ضلوعه كى تباغته بأن قلبه لم يزل يعمل

مستحيل أن يصدق

فالأوراق الرسمية تؤكد أن هذا القلب ثقبته طبيبةُ الطفلِ الأولى عن عمد،

ثم تناوبت ثلاث ممرضات على نَكْء بوادر أى اندمال

طثم إنها فى عمر أولاده...

وهو

ليس نبيًا ليُستثنى 

ولا يملك حتى تاريخ «شارلى شابلن» ولا ناسه اللطيفة..

ويقينًا البنتُ ليست «أونا أونيل»

وولايته..

مقرون عهدها بانتفاء الكرامات

وحليم لم يكترث يومًا إلى أن أغنياته 

كانت الوسيط الآمن لتسليم أولياء الشعراء.

والمقامات كعهدها 

إما خالية

أو فى قلوب الدراويش 

الدراويش يا حليم

لم يولدوا دراويش

كل ما هنالك أن بنتًا ما دون قصد مرت 

وترددوا فى حسم قرار الانتحار

صديقنا الخمسينى

لا يعتقد فى الدراويش..

 

سيعتزل عبدالحليم 

لأنه ما عاد أحد يحلف بسماها ولا بترابها

المولات الجديدة 

أرضها رخام لامع

كما زخرفوا سقوفها بسماوات كاذبة

 

حليم لا يريد قبل اعتزاله إلا:

تغيير نهايات أغنياته 

لذلك 

سأفرج عن الجزء الثانى السرى من فاتت جنبنا 

كما أوصانى بسحب اعتذاره لأم كلثوم