رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى الشفاء.. كيف أصبحت مصر نموذجًا للعالم في مكافحة فيروس سي؟

فيروس سي
فيروس سي

مصر التي كانت تعد أكبر دولة مصابة بفيروس سي في العالم، تحولت مؤخرا إلى نموذج يحتذى به في مكافحة هذا الوباء القاتل، بعد أن نجحت في علاج ثلث المصابين به في إقليم شرق المتوسط، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وأشادت المنظمة العالمية بمبادرة مصر في الكشف عن التهاب الكبد الوبائي "فيروس سي"، التي استهدفت مسح 60 مليون مصري، وعلاج 4 ملايين منهم، بالإضافة إلى توفير خدمات الكشف المبكر والعلاج لسرطان الكبد الأولي.

فيروس سي هو عدوى فيروسية تصيب الكبد وتهدد حياة الملايين من الناس حول العالم، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فالفيروس يصيب حوالي 360 مليون شخص على مستوى العالم، ويؤدي إلى وفاة 3 آلاف شخص كل يوم، وفي إقليم شرق المتوسط، يعاني 12 مليون شخص من العدوى المزمنة بالفيروس، وكانت تشكلا مصر أكبر بؤرة له في المنطقة.

لكن هذا الوضع بدأ يتغير بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بفضل مبادرة طموحة أطلقتها الحكومة المصرية للكشف والعلاج والوقاية من فيروس سي، والتي تحمل اسم "100 مليون صحة"، باستخدام أحدث الأدوية المضادة للفيروسات، كما شملت المبادرة برامج فرعية للكشف عن سرطان الكبد والتطعيم ضد فيروس بي وغيره من الأمراض المرتبطة بالكبد.

تحديات المرض

ومن جانبه، يوضح الدكتور محمد مختار، استشاري الأمراض الصدرية، أن القضاء على فيروس سي في مصر لم يكن سهلًا على الإطلاق، فقد واجهت الدولة المصري العديد من التحديات الصعبة منذ انتشار المرض في كافة أرجاء الجمهورية، وظلت سنوات طويلة حتى استطاعت التخلص بشكل كبير من انتشار الفيروس بين المواطنين.

ومن بين التحديات التي واجهت مصر في أزمة فيروس سي، يقول "مختار" في حديثه لـ "الدستور"، إن المرض كان واسع  الانتشار بين السكان، حيث احتلت مصر المرتبة الأولى عالميًا في عدد المصابين بفيروس سي، والذي بلغ نحو 14.7% من السكان عام 2015، فضلًا عن حدوث نقص في العقاقير الفعالة والمتاحة لعلاج المرض، حيث كانت تكلفة العلاج القديم مرتفعة للغاية وغير مجدية، ولم تكن العقاقير الجديدة متوفرة بسهولة أو بأسعار معقولة.

ويضيف: "واجهت الدولة ضعفًا في البنية التحتية الصحية والإدارية لمواجهة المرض، حيث كان هناك نقص في المختبرات والأجهزة والكوادر الطبية المؤهلة للكشف والعلاج، وأيضًا عدم وجود نظام موحد لإدارة قواعد بيانات المرضى، بالإضافة إلى غياب وعي السكان بشأن خطورة المرض وطرق الوقاية منه، وكذلك عدم اتباع الممارسات الصحية السليمة".

أما عن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس سي، يوضح: "أبرزهم الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بالحقن، ويستخدمون أدوات ملوثة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يتلقون نقل دم أو علاجات طبية وجراحية في الدول التي لا تتبع معايير السلامة، بجانب الأشخاص الذين يتعرضون لإبر أو معدات طبية ملوثة، مثل الأطباء والممرضين والفنيين.

ويتابع: "هناك أيضًا أطفال مولدين لأمهات مصابات بفيروس سي، وأشخاص مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أو فيروس بي التهاب الكبد، فضلًا عن الأشخاص المصابين بأمراض كبدية أخرى، مثل التهاب الكبد الدهني أو التليف الكبدي، والمصابين أيضًا  بأمراض مناعية ذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو التهاب الغدة الدرقية".


تجربة عالمية

ويستكمل استشاري الأمراض الصدرية: "مصر تغلبت على تحديات فيروس سي باتباع استراتيجية شاملة ومتكاملة، تضمنت الحصول على العقاقير الجديدة والفعالة لعلاج المرض بأسعار منخفضة للغاية، وتصنيعها محليًا، وتوفيرها مجانًا للمرضى، بجانب إطلاق مبادرة 100 مليون صحة للكشف عن فيروس سي والأمراض غير السارية، والتي شملت فئات مختلفة من المجتمع، بالإضافة غلى تطوير البنية التحتية الصحية والإدارية لمواجهة المرض، من خلال إنشاء مختبرات ومراكز علاج متخصصة، وميكنة قواعد بيانات المرضى، وتدريب الكوادر الطبية.

ويستطرد: "نجحت الدولة أيضًا في توعية السكان بخطورة المرض وطرق الوقاية منه، من خلال حملات إعلامية وتثقيفية، وتشجيعهم على الذهاب للفحص، واتباع الممارسات الصحية السليمة، حتى استطاعت دول أخرى أن تستفيد من خبرة مصر في مكافحة فيروس سي، ومنها الدول الأفريقية، والعربية مثل السودان والصومال والعراق، وأيضًا الدول الآسيوية، من خلال التعاون مع باكستان وأفغانستان وإيران والهند، لتبادل الخبرات والتجارب والبروتوكولات في علاج فيروس سي".

يشير "مختار" إلى الخطوات التي تتخذها مصر للحفاظ على خلوها من فيروس سي، من خلال مواصلة الكشف والعلاج والمتابعة للمصابين بالفيروس، وتوفير الأدوية اللازمة مجانًا لهم، بجانب تطعيم جميع الأطفال حديثي الولادة ضد فيروس بي، والذي يعد أحد عوامل انتقال فيروس سي، وتطبيق سياسة الحقن الآمن وسلامة الدم والحقن، وتدريب الكوادر الطبية على مكافحة العدوى.

وفي ختام الحديث، يرجع الطبيب الفضل في القضاء على أزمة فيروس سي في مصر، إلى المؤسسات المعنية بالأمر التي ساعدت كثيرًا في توعية المجتمع بخطورة المرض وطرق الوقاية منه، وتشجيعهم على الذهاب للفحص، واتباع الممارسات الصحية السليمة، والتعاون أيضًا مع شركات الأدوية والمنظمات الدولية لتوفير أحدث العلاجات المحتملة لفيروس بي، والذي يشكل تهديدًا للكبد.

عوائد اقتصادية

وبالحديث مع الخبير الاقتصادي، علاء هاشم، أكد أن مصر استفادت اقتصاديًا من القضاء على فيروس سي بعدة طرق، منها توفير التكلفة المباشرة لمعالجة الإصابة بالالتهاب الكبدي فيروس سي سنويًا، والتي تقدر بحوالي 400 مليون دولار.

ويتابع "هاشم" حديثه مع "الدستور"، موضحًا أنه تم خفض تكلفة العلاج من 64 ألف دولار لـ100 دولار فقط في مصر، فضلًا عن توفير العلاج بالمجان للمواطنين، وتحسين صحة وإنتاجية المواطنين المصابين بالفيروس، وتجنب الإصابات المزمنة والمضاعفات الخطيرة مثل التليف والسرطان.

وينوّه الخبير الاقتصادي، إلى أن نجاح الدولة المصري في هذا الملف تحديدًا، تسبب في رفع مستوى الثقة في النظام الصحي المصري، وزيادة جاذبية مصر كوجهة للسياحة العلاجية، بجانب تعزيز التعاون مع المنظمات والشركات الدولية في مجال مكافحة الأمراض المعدية، والاستفادة من التجارب والابتكارات العلمية.