رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة عربية على حد السيف

تشهد مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية واحدة من أصعب الدورات للقمة العربية حيث تنعقد الدورة 32 بعد أن تسلمت السعودية رئاسة القمة من الجزائر، نقول إنها صعبة بسبب ارتفاع سقف الأمنيات في نتائجها، حيث أشار معظم التصريحات الدبلوماسية الصادرة من العواصم العربية إلى ضرورة الوصول إلى صفر مشكلات.

لدرجة أن الخارجية المصرية ذهبت في طموحها، حسب تصريحات المخضرم سامح شكري، وزير الخارجية، إلى أهمية الخروج من القمة بصيغة تنفيذية تعمل على تحويل القرارات التي يتم الاتفاق عليها إلى واقع.
ولم يكن للخارجية المصرية من أسباب لطرحها فكرة الصيغة التنفيذية إلا ما لمسته خلال الفترة الماضية من إصرار معظم الأطراف المشاركة على أن الحل الأمثل للقضايا العربية المتشابكة لن يتم ولن ينجح إلا بعزيمة عربية عربية.

وبينما الطموح هكذا يرصد المتابع الأجواء الملبدة بالحرب في السودان وكذلك الكثير من المشكلات النوعية داخل كل دولة عربية على حدة، والتي تضع أحمالا زائدة على هذه القمة.
لذلك كان التحضير المبكر يتم على قدم وساق، حيث شهدنا، خلال الأشهر الماضية، الجولات المكوكية لوزراء الخارجية العرب لترميم البيت العربي، وكان من أبرز نتائج تلك الجولات عودة سوريا إلى الحضن العربي؛ ليشارك الرئيس بشار الأسد في هذه القمة بعد غياب طويل.

كما شهدنا طرفي الصراع في السودان وقد اجتمعا في السعودية للحوار من خلال وسطاء لوقف إطلاق النار في السودان.  

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان يعلم جيدا صعوبة اللحظة الراهنة وصعوبة هذه الدورة من القمة؛ لذلك أكد في  تصريحاته المتكررة لأكثر من وسيلة إعلامية أن العالم يمر بتحديات كبيرة تفرض التوحد لمواجهتها.

إذن نحن في ظرف استثنائي في أقصى الشرق لم تحط الحرب الروسية الأوكرانية أوزارها بعد، بما يعني استمرار التوتر والتجاذب، وفي الغرب يقف الأمريكان بعين راصدة لما يدور على خريطة العالم؛ فتشعل النار في بقعة تايوان والصين مثلا، وتسكب الماء على حريق آخر.
هذه الدراما العجيبة التي يشهدها المجتمع الدولي تجعل من تصريحات سامح شكري وفيصل بن فرحان مرجعًا سوف يؤثر في نتائج هذه القمة.

صحيح أن كل العيون تراقب هذا اللقاء، وأن هناك تيارات سياسية معروفة تتمنى الفشل لهذه القمة، ولكن التفاؤل العام ينتصر على أمنيات تلك التيارات، وليس سرا إذا قلنا إن تلك التيارات المعادية جاءت من داخل المحيط العربي، وهي تيارات الإخوانجية ومن لف لفهم، فهذه التيارات التي أهدرت من عمر الأمة العربية عقودا طوال لا تتنفس إلا في ظل الخلافات واللعب على التناقضات.

لذلك كان التحضير مبكرا لقطع الطريق على تلك التيارات، وربما جاء التقارب السعودي الإيراني لهذا الهدف، وكذلك حلحلة الموقف التركي، الذي كان معاديا لبعض العواصم العربية في مرحلة ما، وكذلك التمهيد لإنهاء الحرب في اليمن، هذا المقدمات وذلك المجهود المضني يجعل التفاؤل مشروعا.

أما دروس السنوات الأخيرة التي وصفها البعض بأنها كانت الخريف المخيف، فالمؤكد أنها باتت راسخة في الأذهان.

نتابع وننتظر ونعرف أن الملفات الاقتصادية والتنمية هي مفتاح الغرف المغلقة، وهي التمهيد الصحيح لمستقبل المنطقة العربية ورفاهية شعوبها، وأن جسور التواصل لابد من صيانتها، بل وحمايتها دعما للاستقرار والتقدم.

خطوات ربما تكون محدودة ولكن الاتجاه للأمام هو مسار إجباري وهو أمانة معلقة في رقاب قادتنا الذين نثق كل الثقة في سلامة رؤيتهم للطريق.

نكرر قبل الختام .. المشاريع التنموية والملفات الاقتصادية إذا ما تم التعامل معها بذكاء وواقعية ومهارة سوف تختصر كثيرا من الجهد السياسي والدبلوماسي لحل مشكلات العرب المتراكمة.