رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفوضية عدم التمييز.. ورسائل محبة

خبر طيب قديم لن أنسى فحواه وأثره ودلالاته: 
افتتحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مستشفى "مصر المحبة" بمدينة "بني مزار" فى المنيا بتكلفة 500 مليون جنيه على أرض مساحتها 411 ألف متر، ويضم المستشفى 211 سريرًا، و7 غرف للعمليات الفائقة، 48 سرير عناية مركزة، 23 حضانة، 24 وحدة غسيل كلوى، 19 عيادة متخصصة.. إلى جانب أجهزة الأشعة الكبرى والصغرى ومعمل تحاليل، 11 سرير طوارئ بمستوى عالٍ من الكفاءة الميكانيكية.. ونظام إدارى تقنى معاصر فى عمليات الحجز ومنح التذاكر للمرضى.
وفي سياق المبادرة الطيبة، أرى أن الحدث يعد بمثابة رسالة من قداسة البابا تواضروس الثاني.. رسالة محبة لأهل الصعيد، حيث نجاح الكنيسة فى إقامة أكبر مستشفى خدمى اقتصادى بمدينة "بنى مزار" يحمل اسم "مصر المحبة" لخدمة أبناء الصعيد يشير ويؤكد على أهمية مشاركة المؤسسات الدينية فى التواصل مع احتياجات مواطنينا الإنسانية والاجتماعية. 
وأتذكر ما قاله البابا تواضروس الثانى، خلال رسالة تم بثها خلال حفل الافتتاح، أن هذا المستشفى هو ثمرة المحبة والاهتمام والتعاون بين مصريين داخل وخارج مصر، مؤكدًا أن مصريين مقيمين داخل ٥ قارات شاركوا بالتبرع.
نعم، لم تتوقف مؤسساتنا الدينية عن العطاء والبناء عبر التاريخ- وبشكل خاص فى أحياء ومناطق يسكنها أهالينا البسطاء ورقيقو الحال- فتم إلحاق الكنيسة والمسجد بمستوصفات تقدم الخدمات العلاجية البسيطة والعاجلة والهامة، أما من يعانون الحالات المرضية الصعبة والحادة والمزمنة وما بعد الحوادث فإن إمكانيات مستشفياتنا العامة الحكومية البشرية والعلمية والمعملية غير قادرة على الوفاء بدورها الكامل لأهالى تلك المناطق، والبديل المستحيل هو مستشفيات الفندقة "7 نجوم" والتى يستحيل تنعمهم بسبل الاستشفاء بها نظرًا للمقابل الجنونى فى تكلفة العلاج!!! 
وعليه، فإن مشاركة مؤسساتنا الدينية فى إنشاء مثل تلك الصروح الطبية، وفى المناطق الأكثر احتياجًا، أمر عظيم وواجب وطنى رائع ونبيل، حيث توجه تبرعات أهل الخير فى الداخل ومن الخارج لدعم منظومات التعليم والصحة والخدمات اليومية الملحة بدلًا من الاكتفاء ببناء دور العبادة "7 نجوم"!!
هل من المستساغ وجود مدارس فقيرة الإمكانات لطلاب تنفجر بهم قاعات الدرس المطلية بالجير، ووجود مستشفيات حكومية ينتظر على أبوابها مرضى فى انتظار الدخول والعلاج أو الموت والاختفاء، بينما تجاور تلك المنشآت دور عبادة يكفى ثمن مسطحات الرخام وثريات الإضاءة ما يغطى نفقات علاج وتعليم أهالينا بالآلاف في تلك المناطق.. والله يبقى عيب علينا لو لم نشجع تلك الجهود والمساهمة فى تعظيمها!! 
وعليه، باتت تسعدني أخبار مشاركات المؤسسات الدينية في تحمل مسئولياتها الاجتماعية والوطنية، والتفاعل الإنسانى مع احتياجات المواطن وهمومه وآماله وطموحاته، بل وتقديم النماذج فى العطاء النبيل عبر دعوة مجتمعاتها المحيطة للتعاون والإيثار والعمل الجماعى بدعم قيم التطوع والتبرع والمبادرة التي تم تحفيزها بشكل رائع بعد قيام ثورة 30 يونيو، وفق قناعة رئاسية وطنية نبيلة بأهمية المشاركة المجتمعية وفق رؤية تنويرية لصالح المواطن والوطن العظيم.
وبالمناسبة، هل لى أن أرسل كمواطن مصرى رسالة محبة أخرى لأهل الحوار الوطنى؟
أمر طيب وهام أن يثار من جديد عبر الجلسات الأولى للحوار الوطني قضية تفعيل وجود مفوضية عدم التمييز الديني التي نص دستور 2014 على تأسيسها وإعداد تشريع مناسب لتفعيل دورها في الدورة البرلمانية الأولى، وهو ما لم يحدث حتى بعد مرور حقبة من الزمان للأسف.. والغريب أن ترتفع أصوات محبطة يدعى أصحابها بخطورة وجود مفوضية قد تتيح للمثليين- على سبيل المثال- أن يتقدموا بإعلان الحق بالاعتراف بوجودهم .. وأن هناك من قال بعبارات أراها غير موضوعية تشير إلى استحالة تحقيق هدف عدم التمييز، لأن المسألة تتعلق بتراكم ثقافات إنسانية وضرورة تصويب الخطابات التربوية والتعليمية والفكرية الدينية أولًا!!
لعل الأمر فى النهاية يا أهل الحوار الوطنى يبشر بتوافق وحلول منطقية داعمة لفكرة وجود مؤسسة يلجأ إليها كل من تقع عليه ممارسة فعل أو جريمة التمييز فى وطن ينعم بوجود قائد وزعيم قاد ثورة لاقتلاع حكم أكبر جماعة تمييزية لصالح جماعة طائفية ترى أن الوطن حق حصرى للمواطن الإخوانى!!