رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية يتحدث لـ«الدستور» عن كل الملفات الساخنة فى المنطقة (حوار)

السفير أحمد أبوزيد
السفير أحمد أبوزيد يتحدث للدستور

-أزمة السودان داخلية ولا يجب تدويلها.. ولا حل عسكريًا

-هناك جمود فى العملية التفاوضية بشأن سد النهضة

-مصر وتركيا على المسار الصحيح لاستكمال العلاقات بشكل كامل

                                                                                                                                                                                           

تضطلع مصر بالتعامل مع العديد من الملفات الساخنة فى المنطقة، لا سيما مع التصعيد الجديد بين إسرائيل وقطاع غزة المحاصر، وأزمة الجارة السودان، الممتدة منذ ٣ أسابيع، بالإضافة إلى ملفات الاهتمام المشترك فى محيطها العربى والإقليمى، وكذلك الدولى.

وفى ذلك الإطار، أجرت «الدستور» حوارًا مع السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمى مدير إدارة الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية، حول الدور المصرى فى جميع الملفات، والجهود التى تبذلها، وكذلك محددات تلك السياسة، وكيف تحافظ على حقوق الدولة. 

وتحدث السفير «أبوزيد» عن الوضع فى غزة، وتطورات الأحداث فى السودان، لا سيما بعد «مباحثات جدة»، مع التطرق لعلاقة الوضع السودانى الداخلى بقضية سد النهضة، خاصة مع إعلان إثيوبيا عن الملء الرابع للسد، وغيرها من الملفات.

■ كيف ترى مسار التصعيد الحالى فى غزة؟

- الحقيقة الوضع متأزم للغاية وخطير، ويزيد من حالة الاحتقان الموجودة منذ فترة طويلة؛ نتيجة غياب أى أفق لحل سياسى للقضية الفلسطينية، ولا شك أن تزامن ذلك مع وجود حكومة إسرائيلية متشددة، وما شهدناه من ممارسات، على مدار الأشهر الماضية، من اقتحامات للمدن الفلسطينية وعمليات قتل خارج إطار القانون، ومحاولات تغيير الوضعين القانونى والتاريخى للقدس المحتلة والمسجد الأقصى- قاد فى مجمله لمرحلة العنف الحالية. 

لا شك أن المجتمع الدولى يتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية، وأنا أشير هنا، على وجه الخصوص، للدول العظمى والاتحاد الأوروبى والدول المؤثرة، فكان يجب اتخاذ مواقف أكثر قوة بالضغط على إسرائيل لوقف ممارساتها.

وتقع المسئولية بالأساس بالطبع على الحكومة الإسرائيلية، لأنها الدولة القائمة بالاحتلال، وعليها مسئوليات تتعلق بالقانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى تجاه الشعب الفلسطينى، ولا شك أن إهمال تحملها المسئولية يؤدى لما نراه من عمليات قتل وعنف يمكن أن تخرج عن السيطرة، وتمتد إلى جميع المدن الفلسطينية.

لذلك مصر تحرص دائمًا على أن تتحمل مسئوليتها فى نزع فتيل الأزمات وتوظيف دبلوماسيتها وقنوات اتصالها مع الجانبين؛ لتحقيق التهدئة وحقن الدماء لإتاحة الفرصة لإحياء عملية السلام.

■ ما تفاصيل الجهود المصرية المستمرة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا سيما غزة؟

- مصر تتحرك على المستوى العملياتى للتوصل للهدنة ولضمانات متبادلة لوقف العنف والاعتداءات الإسرائيلية، ودبلوماسيًا تتحرك فى إطار تجمعات وصيغ تشاورية مهمة، مثل صيغة العقبة وشرم الشيخ، وما تم التوصل إليه من تفاهمات، كخطوة لتتناول قضايا أكثر عمقًا، وكان يجب أن تلتزم بها إسرائيل.

وشارك وزير الخارجية فى الاجتماع الوزارى لصيغة «ميونخ» للسلام، التى نشأت منذ ٢٠٢٠ لتملأ الفراغ بجهود تستهدف تحريك عملية السلام فى ظل انقطاع اجتماعات الرباعية الدولية، وحالة الاستقطاب الدولى إثر الأزمة الروسية الأوكرانية، والاهتمام الدولى بجائحة كورونا، ووجود وضع داخلى إسرائيلى غير مشجع لإحياء السلام.

وصيغة «ميونخ» تستهدف التعامل مع التحديات الراهنة، مثل التوسع الاستيطانى والعنف والاقتحامات، وتبحث عن حلول ومقترحات للتهدئة، حتى يحين وقت إطار إحيائها، والتشجيع على الحوار والتعامل مع القضايا الملحة، التى من المهم الاستماع فيها للرسائل الدولية حول الوضع بالأراضى الفلسطينية والوضع الاقتصادى للسلطة والتحديات الأمنية، والاستيطان والأعمال الاستفزازية داخل الأقصى، وغيرها.

 ■ مَن يتحمل مسئولية العودة لنقطة التصعيد من جديد؟

- الجانب الإسرائيلى يتحمل مسئولية التصعيد الحالى؛ نتيجة الممارسات غير القانونية على مدار الأشهر والسنوات الأخيرة.

ومع تفهمنا لوجود تغييرات فى السياسة الداخلية الإسرائيلية ومكونات الائتلاف، إلا أن ذلك ليس مبررًا بأى شكل للاستمرار فى مخالفة القانون الدولى، وسياسة الحصار للشعب الفلسطينى وحرمانه من حقوقه المشروعة، غير القابلة للتصرف.

الواقع أن هناك حالة انفصام فى أسلوب تعامل المجتمع الدولى مع القضية الفلسطينية، حيث هناك حزم من القرارات للأمم المتحدة ومجلس الأمن والشرعية الدولية التى يؤكد جميعها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ١٩٦٧، وهناك واقع مخالف لذلك تمامًا، ولا يمكن رهن حل القضية ومصير شعب كامل بتغيرات فى السياسة الداخلية فى إسرائيل.

وعلى المجتمع الدولى التعامل مع القضية الفلسطينية بنفس القدر من الجدية والاهتمام، مثلما يتعامل مع قضايا وحقوق شعوب أخرى تنتهك حقوقها حول العالم.

ويجب أن نعلم أن هناك أجيالًا فلسطينية جديدة نشأت ولم تكن شاهدة على ما يسمى بعملية السلام واتفاقيات أوسلو ومدريد، ولم تر إلا العنف والدماء، ومن ثم كيف نغرس الأمل فيها؛ لتكون قادرة على التعايش فى سلام مع جيرانها؛ لتتحقق رؤية حل الدولتين.

ومسئولية المجتمع الدولى هى إعادة ذلك الأمل، ليس فقط للفلسطينيين، ولكن لأجيال أخرى على الجانب الآخر بإسرائيل، تتطلع للحياة فى سلام واستقرار، ومصر تتحرك وفقًا لهذه الرؤية وتكرس جهدها لتحقيق ذلك، لكن لا بد أن تتعاون الدول الكبرى فى ذلك.

■ حول أهمية تعزيز الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية تحدثت تقارير مباحثات حول حقل غاز تستفيد منه رام الله مع مصر وإسرائيل.. ماذا عن ذلك؟

تعزيز قدرات السلطة الفلسطينية الاقتصادية مطروح على طاولة المناقشات دائمًا، لأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ولا بد أن تتمكن من توفير الخدمات المختلفة له، ويكون لديها موارد وألا تحجب عنها من الحكومة الإسرائيلية، وأن تتاح لها فرصة توفير الاستثمار في أراضيها، ولكن الواقع للأسف لا يهيئ ذلك سواء نتيجة الوضعية الخاصة بغزة أو حالة الجمود في المصالحة الفلسطينية، بجانب حالة العنف والاقتتال والمواجهة مع الجانب الإسرائيلي، ما يعيق تحقيق ذلك.

ولا يمكن التعامل الجزئي مع القضية الفلسطينية فهي متشعبة ولها بعد سياسي واقتصادي وإنساني، ومحاولة الاجتزاء كونها مالية أو اقتصادية لن يؤدي لحل شامل وعادل.

 ■ هل نرى اتفاقًا لوقف إطلاق نار فى غزة خلال ساعات.. وكيف تنظرون لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية؟

- أجهزة الدولة المعنية تتواصل مع الجانبين للوصول إلى هدنة، وهناك الكثير من التفاصيل المرتبطة بالأمر، وحينما تكتمل عناصرها سيتم الالتزام بها.

وأنا لست فى معرض تفسير السياسة الأمنية الإسرائيلية، لكننا نشاهد تصريحات المسئولين عن قطاع الأمن فيها، وكيف تؤجج المشاعر وتحرض على مزيد من العنف، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن الرسالة التى تصدر لا تشجع لتحقيق التهدئة، ولا تشجع الطرف الآخر على التقارب.

ونأمل أنه خلال ساعات نشهد تحولًا فى الأوضاع، ونعود للتهدئة بهدف عدم إضاعة أى جهد يتم بذله مع الأطراف، فى سبيل إعادة الأمل مجددًا لإحياء عملية السلام.

وليس مقبولًا فى أى شرعية دولية أو قوانين أن يتم هدم منازل على أسر بأكملها فى تبرير لاستهداف شخص، هذا أمر يخرج عن الأعراف الدولية ويخلق عداء مع مجتمعات بأكملها فيما يسمى بسياسة العقاب الجماعى، وهى سياسة خارجة عن القانون والشرعية الدوليين، ولا يقبلها العالم المتحضر.

 ■ ننتقل إلى السودان.. كيف ترى الأزمة الآن بعد ٣ أسابيع منذ اندلاعها؟

- أزمة السودان الشقيق خطيرة للغاية وجاءت مفاجئة للمراقبين. كنا نعلم أن هناك اختلافات وحالة احتقان سياسية مرتبطة بالعملية التفاوضية حول الاتفاق الإطارى والسياسى، ووضعية قوات الدعم السريع ودمجها فى الجيش وفقًا للاتفاق المُتفاوض عليه.

ولكن غير مقبول أن يتحول الأمر لاقتتال فى الشوارع وتعريض حياة ملايين المدنيين للخطر، وأن يتحول شعب بأكمله فى غضون ٣ أسابيع لنازحين ولاجئين ومأساة إنسانية كما نتابعها، سواء عبر وسائل الإعلام حاليًا أو قنوات الاتصال المختلفة.

وكان طبيعيًا أن تنتفض مصر، منذ اللحظة الأولى، للتعامل مع الأزمة بكل أجهزتها، ليس فقط الرسمية ولكن الشعبية أيضًا، والمواطن المصرى يتألم مما يشاهده هناك، فنحن لدينا أكثر من ٥ ملايين سودانى يعيشون معنا، واعتدنا الشعور بآلامهم؛ لنجد الملايين الآخرين بالسودان يعانون من وضعهم بين ويلات الحرب.

 ■ ماذا عن تفاصيل التحركات المصرية فى هذه الأزمة؟

- تحركت مصر أولًا لتوفير الحماية لأبنائها المصريين بالسودان، عبر عمليات إجلاء منظمة تُدار بدقة وحكمة شديدتين وإطار مدروس؛ لتجنيبهم التعرض للمخاطر الجمة والنيران التى تستهدف الناس دون تمييز، ورأينا كيف تعرض أحد أعضاء بعثتنا الدبلوماسية للنيران واستشهد وهو يؤدى عمله، وتمكنّا من إجلاء أكثر من ٨ آلاف مصرى حتى الآن، وبعثتنا مستمرة فى عملها بتأمين الإجلاء فى ظروف صعبة للغاية، ولكن المسئولية تفرض عليها الوجود.

فى الوقت ذاته، تواصلنا مع جميع الدول المعنية إقليميًا ودوليًا وتلقينا اتصالات من مسئولين فى هذه الدول؛ للاستماع إلى رأى مصر وتقييمها لما يحدث، وكيف نساعد السودان للخروج من الأزمة وتجاوزها فى أسرع وقت، وتأسس موقفنا منذ البداية على ضرورة وقف إطلاق النار وإتاحة المجال للعمليات الإنسانية والإغاثية، والتعامل مع الخلاف عبر الحوار وليس من خلال الاقتتال، وتثبيت هدنة أو وقف إطلاق نار مستدام لا يتم انتهاكه، ثم التعامل مع الوضع السياسى.

وكان هذا التحرك على مستوى المنظمات، شاركت مصر فى اجتماعات الاتحاد الإفريقى ومجلس الأمن، وأطلقت مبادرة مع السعودية فى الجامعة العربية، وتم اعتماد قرارات على مستوى المندوبين الدائمين ودورة خاصة لمجلس وزراء خارجية العرب، وتشكيل مجموعة اتصال بإيجاد حلول.

وتحركنا مؤخرًا مع دول جوار السودان، حيث زار وزير الخارجية تشاد وجنوب السودان، تأكيدًا للدور المؤثر الذى يمكن لدول جوار السودان القيام به، باعتبارها الأكثر تأثرًا بالأزمة وتضررًا من استمرارها، وأكثر حرصًا على استقرار السودان وسلامته.

■ ما نتائج زيارة وزير الخارجية لتشاد وجنوب السودان؟

- تأكد لدينا، خلال لقاءات رئيسى تشاد وجنوب السودان، أن دولتيهما متأثرتان بشدة جراء النزاع، ولديهما رغبة فى التنسيق مع مصر ودول الجوار لإيجاد حل، واقتناعهما بأنها أزمة داخلية لا يجب تدويلها، وإذا كان لطرف أن يسهم فى حلها فيجب أن يكون داخل الأسرة الخاصة بجوار السودان.

وهناك ترحيب بكل جهد يتم، ولكن المسئولية تقع أيضًا على دول الجوار، لأنها الأدرى بالأوضاع هناك، والأقرب جغرافيا وتاريخيًا، وهناك حاجة لمزيد من التنسيق والتشاور.

■ ماذا عن استضافة السعودية مفاوضات بين طرفى النزاع السودانى؟

- دعينى أوضح أن السعودية هى رئيس القمة العربية المقبلة التى تعقد الشهر الجارى، والسودان دولة عربية بجانب أنها إفريقية، والمملكة أيضًا قريبة جغرافيًا منها، والتحرك الذى تم فى الجامعة العربية كان بين السعودية ومصر «دول الجوار الرئيسية للسودان»، وبالتالى هذا أمر طبيعى، والتحرك تم ثنائيًا وبالتنسيق. ومصر رحبت باستضافة المملكة مباحثات وقف إطلاق النار، ورحبت أيضًا بإعلان جدة الذى تم التوقيع عليه بين الأطراف السودانية لتوفير الحماية للمدنيين.. وهناك أطراف دولية أخرى، ولا ننسى أن السعودية عضو فيما يسمى اللجنة الرباعية الخاصة بالسودان، وبالتالى الإطار الدولى مهم.

وما يحدث فى السودان ليس وليد اللحظة، لكنه نتاج لأزمة منذ فترة تتعامل معها أطر دولية وإقليمية كثيرة، ونحن ندعم الجهد الذى يتم فى السعودية، ونأمل أن يصل لوقف شامل لإطلاق النار.

ولا شك أن الجهد العربى متواصل، وستنعقد القمة العربية، وستكون هناك متابعة للأزمة، حيث تتكاتف الجهود حاليًا لتحقيق هدف واحد بوقف إطلاق نار شامل ومستدام، يسمح بمعالجة الأزمة الإنسانية والسياسية.

 ■ تحدثت تقارير عن «تراجع» الوساطة المصرية فى السودان.. كيف تقيّمون ذلك؟

- كل طرف له أن يجتهد، ونحن لسنا بصدد تقييم أدوار لأن الكل يجتهد ويسعى لتحقيق هدف محدد لوقف الأزمة الآن، والأهم التركيز على تكاتف الجهود والتنسيق بين الأطراف أكثر من الحديث عن تراجع دور هذه الدولة أو تلك.

ومصر تتحمل مسئوليات أخرى لا يتحملها أحد، فهى استقبلت أكثر من ٦٨٨٨٠ سودانيًا، وأكثر من ٤٩٠٠ شخص من جنسيات أخرى، وبالتالى إذا تحدثنا عن انخراط فى الأزمة، فبالتأكيد الشق الإنسانى وما تتحمله مصر من أعباء فى استقبال أشقائها واحتضانهم لا يقدر بثمن.

وتتباين الأدوار والظروف، ولكن يجب النظر للتعامل مع الأزمة السودانية بشكل شامل، يتناول الشق الأمنى والسياسى والاجتماعى والإنسانى والصحى، فكما أشرت انتفضت مصر للتعامل عبر جوانب مختلفة، حيث اضطلعت وزارتا الصحة والتضامن الاجتماعى بدوريهما، وغيرهما، وتم نشر عربات إسعاف ومساعدات إنسانية، وتنسيق مع منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة، وتقييم الوضع الإنسانى على الأرض، بجانب ما تضطلع به بعثات مصر الدبلوماسية بالتعامل مع عشرات الآلاف من طلبات المغادرة لمصر، وما يفرضه الأمر من تحدٍ أمنى أيضًا على البلاد، نتيجة حركة البشر عبر الحدود، والانفلات الأمنى فى دولة جارة، فلا يجب أن يقع البعض فى خطأ المزايدة على دور مصر فى التعامل مع هذه الأزمة.

 ■ ماذا دار فى اتصالات وزير الخارجية مع نظيره الأمريكى وقائدى الجيش السودانى والدعم السريع؟

- العنوان الرئيسى لكل الاتصالات هو العمل للوصول إلى وقف إطلاق نار شامل ومستدام، وتأمين وصول المساعدات الإغاثية. وهناك أفكار مختلفة حول ذلك، تتمحور حول توصيل الرسائل لطرفى النزاع، ومصر لديها اتصالات مباشرة منذ اليوم الأول وتبعث بتلك الرسائل.

وبعض هذه الاتصالات تناول إجلاء الرعايا الأجانب، نظرًا لطلب بعض الدول مساعدة مصر فى استقبال رعاياها وتسهيل خروجهم من السودان. وشملت الاتصالات مع المسئولين الأجانب أيضًا تنسيق المواقف، فمثلًا ننسق مع الدول الإفريقية لضمان خروج توصيات الاتحاد الإفريقى بشكل يؤكد الحفاظ على وحدة السودان وسلامته وسيادته، وكذلك أيضًا مواقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك لضمان أن تكون مواقف تلك المنظمات تتسق مع رؤية مصر للأسلوب الأمثل للتعامل مع الأزمة.

■ كيف تتحرك مصر فى ملف سد النهضة، خاصةً بعد تصريحات وزير الخارجية بأنه ليس مخططًا التوجه لمجلس الأمن حاليًا؟

- هناك جمود فى العملية التفاوضية، وسببه غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى إثيوبيا للوصول لاتفاق قانونى مُلزم يتعلق بقواعد الملء والتشغيل، فى الوقت ذاته هناك متابعة يومية لعملية بناء وملء السد وتشغيله.

وإذا وقع ضرر فى أى لحظة فمصر أكدت أنها لن تتهاون؛ لأن هذا حق الشعب المصرى وشريان حياته، ولا أعتقد أن أى عاقل يتصور أن مصر ستتهاون مع مقدرات شعبها، وهذا هو مضمون الموقف المصرى العام فى هذه القضايا.

■ ما الآليات التي يمكن لمصر اتخاذها في ذلك الملف غير مجلس الأمن؟

مصر تستخدم أدواتها الدبلوماسية لحماية حقوقها وهذا يتم بالفعل في كل لحظة ويتم التحرك بشكل يضمن حقوقنا في مياه النيل.

والأدوات الدبلوماسية متوافرة ومتنوعة وقوية ولها قدرة وتأثير بالوسائل كافة في جميع المناحي التي تحمي حقوق مصر، ليس فقط في قضية مياه النيل، وبالتالي يجب الثقة في قدرة الدولة المصرية على حماية أمنها ومصالحها.

 ■ تمثل الأزمة فى السودان تحديًا جديدًا، حيث أعلنت إثيوبيا عن ملء رابع قريبًا.. كيف تنظر لذلك؟

- لا شك أن الأزمة لها تأثير سلبى على الملف، لأن السودان شريك ثالث فى المفاوضات، ويجب أن يكون مستقرًا سياسيًا، ولديه سلام داخلى وقدرة على الدفاع عن مصالحه، وبالتالى مصر تحرص على أن يكون السودان مشاركًا فى العملية التفاوضية، ولذا إننا حريصون على استقرار الوضع هناك فى أسرع وقت.

والملء الرابع تحدٍ آخر جديد نواجهه ونتابعه، وعلى ضوء ما سوف نرصده من آثار سيتم إقرار السياسات والإجراءات.

 ■ ماذا عن عودة سوريا للجامعة العربية ودعوتها لحضور القمة العربية المقبلة؟

- الذى عانى من الأزمة السورية طوال العقد الماضى هو الشعب السورى، وبعد أكثر من ١٢ عامًا ثبت أن المجتمع الدولى عجز عن إيجاد حل يتعامل مع التحديات هناك، وكان طبيعيًا أن تتحرك الدول العربية الآن لإيجاد مقاربة جديدة للتعامل مع الأزمة فيما يسمى بالخطوة مقابل الخطوة. وهو اقتراب جديد تم اعتماده عربيًا للتعامل مع مختلف التحديات المرتبطة بالأزمة السورية بأسلوب متدرج وفعال، سواء التحدى المرتبط بمكافحة الإرهاب أو عودة اللاجئين أو جريمة تجارة المخدرات، وإجراءات التعافى المبكر وإعادة الإعمار وغيرها.

ولدينا الآن خطة عربية للتعامل مع الأزمة، لكنها لا تتم فى معزل، بل تأخذ فى الاعتبار الإطار الدولى والقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتجمعات التى تعاملت مع الأزمة منذ فترة، وهذه الخطة العربية تعبّر عن الإرادة العربية الجماعية، وستتبع ذلك خطوات عديدة.

 ■ هل نرى تطبيعًا للعلاقات بين مصر وسوريا قريبًا؟

- الأمر يرتبط بأطر التواصل والتنسيق والمسائل الثنائية والإقليمية والدولية، وهناك سفارة مصرية فى سوريا لم تغلق أبوابها منذ الأزمة، وبالتالى قنوات الاتصال الدبلوماسية موجودة ولم تقطع العلاقات الدبلوماسية معها، ومستوى العلاقة وعمقها وتشعبها وأولوياتها ستكون محل بحث ونقاش خلال الفترة المقبلة.

 ■ كيف تقيّمون حالة الهدوء النسبى الحالية فى ليبيا؟

- التركيز الآن على اجتماعات ٦+٦ لوضع الأطر الخاصة بالانتخابات، والاهتمام بأن تؤدى مهمتها فى أسرع وقت، لتحقيق ذلك الهدف، وهو مطلب دولى داخل ليبيا وخارجها.

ومصر لديها اتصالاتها بالأطراف الليبية والدولية، والتركيز الآن على نجاح هذه اللجنة فى تحقيق ذلك الاستحقاق المهم للخروج من المعضلة السياسية الحالية هناك، بحيث توجد سلطة منتخبة تتحدث بشرعية قانونية عن مصالح الشعب الليبى.

 ■ وماذا عن المصالح التركية داخل ليبيا فى ظل مسار إعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة؟

- تركيا تحدثت عن مصالح وعلاقات ممتدة لها بليبيا، ومصر ليس لها أن تقيّم مصلحة أى طرف فى أى دولة، فهذا أمر سيادى يعود للدولة ذاتها، لكن المصلحة لا يجب أن تتعارض مع أمن ومصالح دول أخرى، ونضع فى الاعتبار دائمًا الوضع السيادى فى ليبيا، ومدى وجود حكومة تعبّر بشرعية دستورية وقانونية عن الشعب الليبى.

 ■ إلى أين وصلت المحادثات بين مصر وتركيا؟

- خلال الزيارات التى تمت من وزيرى خارجية البلدين تم الاتفاق على مسار عودة العلاقات، واجتزنا شوطًا كبيرًا فى مناقشة القضايا الإقليمية والثنائية والدولية بشفافية، وعقدت جولات مختلفة للحوار تباحثنا خلالها حول الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهناك رغبة لدى الطرفين فى الارتقاء بها، وأستطيع القول إننا على المسار الصحيح لإزالة كل الشوائب الماضية واستكمال العلاقات بشكلها الكامل.

■ كيف تناقش مصر تحملها الملايين من اللاجئين مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والدول المانحة؟

تحرص مصر على إبراز ذلك الملف خلال اللقاءات معهم، ونحن لا نقايض بحقوق الأجانب الموجودين في مصر أو نستغلها لأهداف سياسية، لكننا بالفعل محتضنين للملايين من الضيوف ونتعامل معهم كأنهم جزء من الشعب المصري ونوضح أنهم يتنعمون بمزايا وخدمات يحصل عليها أي مواطن.

وعلى الأطراف المانحة والمنظمات المعنية دعم مصر ومساعدتها لاستكمال مهمتها، وهي مهمة إنسانية، والأوروبيون يدركون ذلك، ويوجهون الشكر إلينا في المحافل المختلفة ويرصدون موارد للدعم، ولكن مطلوب تكثيف الاستجابة خاصة مع الأزمة الأخيرة في السودان وما فرضته على مصر من أعباء اقتصادية.

■ كيف تتعاملون مع التقارير الدولية عن مصر؟

- نحن نرصد ما يُكتب عن مصر فى الإعلام الدولى ونتعامل معه بشكل مباشر لشرح حقيقة الأوضاع، ولا أشكك فى النوايا، ولكن أتعامل من منظور مهنى معها، وحال وجود مخالفات تتناقض مع المهنية وعدم استيفاء المعلومات من مصادرها نقوم بالرد والتوضيح.

وأشير هنا لتجربة مع وكالة «رويترز» منذ أقل من أسبوع، حيث تواصل معى مراسلها، وقال إنه سيقوم بكتابة تقرير حول المنافذ الحدودية، ووضع السودانيين على المنافذ، وأشار إلى كلام مرسل ليس صحيحًا، وطلب الرد، وأعددت له ردًا كاملًا، وأرسلت إليه صفحة كاملة لكنه نشر سطرًا واحدًا. ونحن مستعدون للرد والتوضيح، وحينما نتيقن أن هناك ترصدًا متعمدًا، نتجاهل، لأننا نقف على أرض صلبة، ونعلم نقاط القوة والضعف، وإذا كان هناك تجاوز أو عدم استجابة للشرح والمعلومات المدققة من مصادرها، فهو يوصم نفسه بأنه لديه أجندة خفية ومتحيز ولا مجال للتعاطى معه.

■ كيف ترى القاهرة التحركات الإقليمية فى بعض القضايا المتشابكة مع مصالحها؟

- لكل دولة الحق فى إقامة علاقات مع الدول الأخرى، وتحقيق مصالحها وتأمينها، ولا أحد يستطيع تقرير ما هى مصلحة مصر فى إقامة علاقات مع أى طرف، ولا لمصر أن تحدد مصالح طرف آخر.

ولكن بالتأكيد مصر تتابع شبكة العلاقات المختلفة حولها وتقيّمها، وحريصون على أن أى علاقات بين دول الإقليم تسهم فى تعزيز الاستقرار والسلام والحفاظ على مقدرات الشعوب، لأن استقرار المنطقة هو دعم لاستقرار كل دولة داخلها، ووجود بؤر توتر ليس فى مصلحة أحد بالمنطقة.

■ ما محددات السياسة الخارجية المصرية في ظل حالة الاستقطاب الدولي؟

سياستنا الخارجية أقرها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ تولى الحكم، وأكد أنها منفتحة وتسعى لتنويع الشركات والصداقات مع أكبر قدر من دول العالم وتعزيز العلاقة مع الشركاء الاستراتيجيين وتوسيع قاعد الشركاء الاقتصاديين.

ونهتم بدوائر الأمن القومي المصري، وسياستنا تنأى بمصر عن مواضع الخطر والقلق والتوتر وتحافظ على استقرار الدولة ومصلحة المواطن، ولا تضع مصر في تحالفات في مواجهة تحالفات أخرى بل تنأى بمصر في ذلك الفخ، فنحن نحترم القانون الدولي وحسن الجوار، ونحافظ على الهوية المصرية.