رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العائدون من السودان.. من رحلة المعاناة فى الخرطوم إلى الأمان فى مصر

العائدون من السودان
العائدون من السودان

"تأشيرة الدخول إلى جمهورية مصر العربية مجانا".. عبارة نشرتها السفارة المصرية في الخرطوم ضمن رسالة طمأنة من الدولة المصرية للمواطنين العائدين من السودان خلال الأسابيع الماضية، لكن حاول بعض المتربحين من الأزمات في دولة السودان الشقيقة استغلال أزمة الحرب الجارية داخل السودان ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لصناعة ثروة على حساب الفارين من جحيم الحرب بفرض رسوم لإنهاء أوراق السفر والتأشيرة المصرية، وكذلك حجز تذاكر الأتوبيسات إلى القاهرة.

ورغم مجهودات الدولة المصرية في إجلاء المصريين وغير المصريين من داخل السودان وتسخير كافة أجهزتها لخدمة العائدين من السودان، إلا أن هناك مؤسسة إعلامية عربية استغلت ما يفعله المتربحون في الخرطوم لمهاجمة مصر دون سبب، وكأن الهدف الوحيد إجهاض تلك الجهود التي تبذل في سبيل استقبال الأشقاء من دولة السودان.

- بداية الأزمة فى السودان

في 15 أبريل 2023 اندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم وبعض المدن الأخرى، مما دفع الدولة المصرية للتدخل إنسانيًا وسياسيًا للحفاظ على رعاياها وتنظيم عمليات إجلاء إنسانية لكافة الأطياف هناك.

وفي التحقيق التالي، نوثق ما يحدث على أرض الواقع من مجهودات الدولة المصرية في توفير سبل الراحة للعائدين من السودان، وكذلك محاولات أثرياء الحروب والأزمات لاستغلال الأحداث الجارية في الخرطوم خلال تلك الفترة.

ويرصد التحقيق بالصورة تفاصيل عودة السودانيين من الخرطوم، وكيف تبدأ الرحلة وتنتهي في القاهرة بعد 72 ساعة من السفر.

تأشيرة مصرية على جواز سفر مواطن سوداني

- القنصلية المصرية فى الخرطوم: التأشيرة مجانًا دون أى رسوم

"تدعو قنصلية جمهورية مصر العربية في الخرطوم طالبي الحصول على تأشيرة الدخول إلى التقدم مباشرة إلى مقر القنصلية للحصول على التأشيرة، والتي يتم إصدارها بصورة مجانية دون أي رسوم، وذلك تنفيذا لاتفاق الحريات الأربع الموقّع بين البلدين، وإذ تنوه قنصلية جمهورية مصر العربية في هذا الصدد إلى عدم مسئوليتها القانونية عن أي معاملات غير مباشرة تقع خارج القنصلية"، ذلك هو البيان الذي أعلنته قنصلية مصر في الخرطوم منذ عام 2021 وحتى الآن.

إذ وقّع البلدان في أبريل 2004 اتفاقيات الحريات الأربع، والتي أتاحت حق التنقل والإقامة لمواطنيهما بأي أوراق ثبوتية يتم الاتفاق عليها بين وزارتي خارجية البلدين.

وفي 11 مايو 2017 اتفق البلدان على إصدار تأشيرة دخول مجانية في الاتجاهين لمدة أقصاها 6 أشهر لأصحاب جوازات السفر العادية.

- العائدون من السودان ينفون استغلال مصر للأزمة

ضجة كبيرة أثارها رواد مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» خلال الأيام الماضية حول إمكانية دخول السودانيين إلى مصر بلا تأشيرة، أكد بعدها بعض المواطنين السودانيين أنهم تم السماح لهم بدخول الأراضي المصرية دون تأشيرة مسبقة، وذلك من خلال تأشيرة فورية في معبر أرقين أو قسطل.

وقال حاتم الرضي، أحد العائدين من السودان: "إن مصر تسمح بالدخول إلى أراضيها دون تأشيرة مسبقة من خلال معبر أرقين، حيث يختم الضابط من الجانب السوداني جواز السفر بتمديد صلاحيته لمدة 6 أشهر، ثم يختم الضابط المصري من الجانب الآخر بتأشيرة الدخول المجانية، بالإضافة إلى عدم المطالبة بكارت الحمى الصفراء، وكبار السن (50 سنة وما فوق) والنساء والأطفال يدخلون دون تأشيرة".

وأضاف "الرضي"، من خلال تجربته في معبر أرقين البري، أنه وصل إلى أسوان بعد 3 أيام من شدة الزحام في الجانب السوداني، وعند دخول إلى الأراضي المصرية وجد خدمات أفضل بكثير من الجانب الآخر "دورات مياه وسيارات مجهزة لنقلهم"، مشيرًا إلى أن السودانيين العابرين لا يحسنون استخدام الخدمات المقدمة لهم من الجانب المصري ولا يحافظون عليها.

فيما أشاد عدد من السودانيين بتسهيل الحكومة المصرية إجراءات عبور المصريين من السودان، ومختلف الجنسيات إلى معبر أرقين البري.

 

- أثرياء الحرب يستغلون أزمة السودان لمضاعفة ثرواتهم

استغل بعض الأشخاص من أثرياء الحرب ومستغلي الأزمات الأحداث المأساوية والعنيفة الجارية في السودان، في صناعة ثروة من خلال الإعلان عن المساهمة في استخراج التأشيرة المصرية وحجز تذكرة السفر إلى القاهرة مقابل 120 ألف جنيه سوداني، ما يساوي نحو 6 آلاف جنيه مصري للتأشيرة السريعة، و70 ألف جنيه سوداني للتأشيرة البطيئة، ما يساوي نحو 3500 جنيه مصري.

تواصل "الدستور" مع بعض هؤلاء الأشخاص الذين يتسترون خلف حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أو خلف جروبات تحت اسم "وكالات للسفر والسياحة في السودان"، ومن خلال حساب إلكتروني تم السؤال عن تأشيرة الدخول إلى مصر وبدأت الإجابات من الكثير عن عروض الأسعار، بدأت الأسعار والعروض بـ80 ألف جنيه سوداني، ما يساوي نحو 4 آلاف جنيه مصري، غير شاملة الانتقالات إلى القاهرة، لتصل إلى نحو 200 ألف جنيه سوداني، ما يساوي 10 آلاف جنيه مصري، تشمل الانتقالات حتى القاهرة.

إحدى الجروبات التي تستغل الأزمة في السودان

 

إحدى الجروبات التي تستغل الأزمة في السودان

 

- بيان سفارة السودان فى القاهرة

سفارة السودان في القاهرة أكدت أنه لم يطرأ أي تغيير جديد على إجراءات وشروط الدخول إلى مصر، ومن ضمنها الحصول على تأشيرة الدخول للفئات العمرية ما بين سن 16 إلى سن 60 من الرجال.

إلا أن أي تصريح رسمي حول إمكانية الدخول بلا تأشيرات لم يصدر حتى الساعة عن الخارجية المصرية، التي كانت أعلنت سابقًا إجلاء أكثر من 8 آلاف مواطن من السودان برًا.

كما حثت السفارة المصرية المواطنين المصريين خارج الخرطوم على التوجه إلى قنصليتيها في بورتسودان ووادي حلفا في الشمال، استعدادًا لإجلائهم. 

وشددت على ضرورة تنفيذ عملية محكمة وآمنة ومنظمة لإجلاء مواطنيها، البالغ عددهم 10 آلاف في السودان.

تأشيرة مصرية مجانية

- حافلات سفر من السودان إلى مصر داخل القاهرة

رغم وجود مستغلي الأزمات في كافة أنحاء العالم، تجد النقيض من السودانيين الذين يعيشون في مصر منذ عشرات السنوات، فقد بدأوا في تقديم خدماتهم لأهاليهم الوافدين للمساعدة في إجلائهم من جحيم الحرب.

 ففي وسط القاهرة، وتحديدًا في شارع شريف، اتخذ بعض السودانيين قطعة أرض فضاء كجراج خاص بالحافلات الوافدة أو المسافرة إلى السودان، وأيضا لحجز التذاكر الخاصة بالسفر، والتي تتراوح قيمتها من ألف إلى ألفي جنيه مصري، حسب نظافة وسرعة الأتوبيس الذي يقلهم من القاهرة إلى أم درمان، والعكس.

وأكد الوافدون في ذلك الجراج أن التأشيرة المصرية مجانية تماما، سواء كانت من السفارة المصرية أو من المعبر تسهيلًا على الوافدين، وأنهم لا يدفعون سوى تذكرة الأتوبيس فقط والطعام والشراب، موضحين أن الرحلة تستغرق نحو ثلاثة أيام بالاستراحات، حيث تبلغ المسافة نحو 2000 كيلومتر يقطعها الأتوبيس بشكل متواصل في حوالي يومين و3 ساعات، ولكن يقف في استراحات على مختلف المدن فتصبح المدة الإجمالية نحو 3 أيام.

وأشاد الوافدون بشبكة الطرق المصرية الجديدة، مؤكدين أن مصر تمتلك شبكة طرق جيدة جدا وتم تطويرها بصورة كبيرة.

جانب من جراج الحافلات المتجهة إلى السودان

 

 

- أسوان أولى محطات العائدين من السودان

جهود مكثفة أعدتها محافظة أسوان لاستقبال الوافدين من السودان، وذلك في ظل الأزمة الناشبة في السودان، وقد كشف اللواء أشرف عطية، محافظ أسوان، عن خطة العمل التي أجريت خلال تلك الأسابيع الماضية لاستقبال العائدين من السودان، والتي بدأت برفع درجة الاستعداد القصوى ومتابعة موقف الوافدين السودانيين.

وأكد محافظ أسوان، في بيان صحفي له، أنه تم توفير الدعم اللوجستي بمنفذ أرقين البري، موضحا أنه تم توفير سيارتي مياه شرب نقية بصفة يومية، وتوفير 2 كرفان صحي، ودورات مياه بعدد 12 عينا، مع توفير 6 كرفانات بقاعدة حمام بلدي؛ لتلافي سوء الاستخدام والحفاظ على الصحة العامة، وتوفير خطوط مياه لهذه الكرفانات، بجانب توفير 30 عاملا للقيام بأعمال النظافة العامة والتخلص الآمن من القمامة، بالإضافة إلى توفير 6 سيارات إسعاف طوارئ، ومنفذ لبيع المنتجات الغذائية من الشركة المصرية لتجارة الجملة التابعة لوزارة التموين بحمولة 12 طنا لتوفير المواد الغذائية المختلفة بأسعار مخفضة للوافدين ضمن جهود القضاء على الاستغلال المادي لهم.

وفي ميناء قسطل البري تم توفير 50 صندوقا للقمامة، و3 أتوبيسات لنقل المصريين العالقين بالسودان يوميا لمحطة سكك حديد أسوان بأسعار مخفضة، مع توفير منفذ لبيع المنتجات الغذائية بحمولة 8 أطنان.

وأشار اللواء أشرف عطية إلى أنه يتكامل مع ذلك تكليف مسئولي الصحة بتوفير عيادة متنقلة داخل الموقف الدولي، بجانب قيام فريق الملاريا وناقلات الأمراض بتنفيذ حملات تعقيم وتطهير بالموقف، مع القيام بالرش بجهاز الضباب في الفترة المسائية، وتوفير أكثر من 20 صندوقا لجمع القمامة والمخلفات.

صورة من معبر أرقين البري

- ما قبل الأزمة فى السودان

في 16 فبراير الماضي، أي قبل اندلاع الأزمة بنحو شهرين،  كانت قد اختتمت اجتماعات الدورة الخامسة للجنة القنصلية الدائمة بين مصر والسودان بالخرطوم، وذلك حسب ما نشرته وكالة الأنباء السودانية.

واتفق الجانبان على تسهيل منح تأشيرات الدخول للجانبين، وتسهيل الإقامات وتصاريح العمل، والتأكيد على حرية التملك للسودانيين بمصر، ودحض الرائج من الشائعات حول فقدان الملكية بعد الوفاة.

وأكد مدير الإدارة العامة للشئون القنصلية بوزارة الخارجية السودانية، السفير تاج الدين الهادي الطاهر، في تصريح صحفي، أن اللجنة وصلت إلى تفاهمات، بعد التداول حول موضوعات الحريات الأربعة، والموضوعات الأخرى ذات الصلة، بجانب مواصلة التعاون في مجالات التعليم العالي.

وأشار إلى اتفاق الجانبين على تذليل الصعاب لدى طلاب البلدين، والتعاون في مجالات القوى العاملة، والعمل على توقيع اتفاقيات تنظم في هذا المجال، والتعاون في المجال القانوني والقضائي، وتشكيل لجنة فنية لتوقيع اتفاقية التعاون القانوني والقضائي والتوقيع على التعاون في الطيران المدني.