رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غرائب وعجايب تتنامى على جنبات النهر

معلوم أن شركة مدينة نصر للتعمير، هي من الشركات الرائدة في مجال النشاط العقاري، وتم تأسيسها كشركة عامة في عام 1959، وفي عام 1995 طرحت لكي يتم تداولها في البورصة المصرية، وفي البداية قد تم إطلاقها لكي تقوم بتطوير أربعين مليون متر مربع، وذلك من الأراضي الموجودة في مدينة نصر، وكذلك الأماكن المجاورة والموجودة في محافظة القاهرة..
ومعلوم كذلك أن مشروع مدينة نصر يعكس عبر الحقب الأخيرة الكثير من التحولات التي شهدها المجتمع المصري منذ ثورة يوليو 1952 حتى وقتنا هذا، حيث مثلت في بدايتها الترجمة الحية للبرنامج الاجتماعي لثورة يوليو، الذي ربط منذ فجر انطلاقة مسيرة التنمية بالعدالة الاجتماعية ووضع نصب عينيه هدف إعادة التوازن الطبقي المفقود للمجتمع المصري .. وذلك عن طريق فتح ابواب الحراك الاجتماعي الصاعد أمام الطبقات الدنيا بهدف تكوين طبقة متوسطة عريضة تصبح هي القلب النابض والقوى المحركة لمصر نحو مستقبلها.. ثم ما لبثت أن عاشت مدينة نصر مرحلة الانقلاب من الاشتراكية إلى الرأسمالية في عهد الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات وما بعدها.. لتتحول معها مدينة الطبقة المتوسطة إلى مدينة الأغنياء الجدد وتصبح حتى يومنا هذا تعبيرًا صارخًا عما أحدثه هذا التحول من تشوه في المجتمع المصري كان نتيجته ما نعانيه الآن.. من صراعات طبقية واستغلال الإنسان لأخيه في الإنسانية عبر الممارسات الاحتكارية وغيرها من الأساليب العدائية لمصالح البسطاء منا، فكانت مبادرات الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجال التعامل مع العشوائيات واقتحام مشاريع تحقيق العدالة الاجتماعية وأبرزها "حياة كريمة"..
وفي دنيا التجارة والصناعة والعمل في مجال الإنشاء والمقاولات يتم التفاخر بعدد أعوام الخبرة وبقدم تاريخ إنشاء المؤسسات باعتبار أن استمرارية الوجود دلالة على استمرارية النجاح، وعليه لا يتم تغيير اسم المؤسسة إلا في ظروف قاهرة تمثل حالة تحول تنموي في النشاط تفاخر بإضافته المؤسسة..
وعليه، فأمر تغيير اسم شركة مدينة نصر إلى مسمى "مدينة مصر" يطرح العديد من علامات الاستفهام والدهشة والتعجب: 
• هل كان المسمى السابق يعوق عملها في كل "مصر" المحروسة ، بل في كل الدنيا فكان القرار المطور والمحفز لتوسع مأمول يصنعه الاسم الجديد؟!
• هل كان ــ على سبيل المثال ــ اسم شركة "عثمان أحمد عثمان" دون وضع اسم مصر عائقًا في انتشار أنشطتها محليًا وإقليميًا وعربيًا وإفريقيًا في مشوار الشركة الأعظم في دنيا المقاولات والتي نفاخر بنجاحاتها وتفردها العملي والتقني في كل الدنيا؟!
•  هل كان تغيير مسمى الشركة يستحق الإعلان عنه عبر عقد مؤتمر صحفي عالمي، وبشكل وكأننا نعاود الإعلان عن تأميم قناة السويس وعودتها لحضن الوطن؟!
• هل كان الإعلان عن تغيير المسمى على هذا النحو يذكرنا بتغيير أسماء بعض مؤسسات الزمن الناصري بعد رحيله، مثل تغيير مسمى "استاد ناصر" إلى "استاد القاهرة" لمشاركة من يرددون السؤال الخايب "وماذا تبقى من ثورة يوليو؟"، رغم أننا نعيش مع الرئيس "السيسي" زمن الوفاء لكل أصحاب الأدوار الوطنية بما فيهم رموز ثورة يوليو".. قاعدة عسكرية كبرى يطلق عليها "قاعدة محمد نجيب"، بالإضافة لإعادة الاعتبار لعدد من شخوص تلك الثورة؟!
• هل اختيار محمد منير وعلي الحجار في الإعلان عن الشركة وترديدهما اسم الشركة وهما أصحاب النصيب الأوفر في الأغاني عالية القيمة الوطنية المصرية يعني إرسال رسالة ضمنية أنها شركة تفعل المستحيل لدرجة تحقيق تلك المشاركة من جانبهما وهما من لم نسمع أو نرى مشاركتهما في دنيا الإعلانات مدفوعة الأجر وبهذه الجلسة المستكينة؟!.. وهل مشاركتهما تعني أنهما سيغنيان في المستقبل القريب للشركة نظرًا لأنها الشركة التي باتت تحمل اسم مصر .. لماذا نقزم رسالات قوانا الناعمة؟!
• ماذا يعني إقحام المشهد الأوبرالي على نسق مشهد الاحتفال الحضاري العظيم عند الاحتفال بنقل المومياوات وبنفس القائد الأوركسترالي الرائع للاحتفال باسم الشركة الجديد.. لماذا ــ وببساطة ــ ننال من المشاهد الحضارية البديعة التي لم نحياها ونشاهدها إلا بعد استرداد هويتنا المصرية بعد ثورة 30 يونيو المجيدة؟! 
• هل يتصور أصحاب شركة مصر للتعمير أنهم أول من تشرفت شركتهم باسم "مصر".. لقد شارك طلعت حرب وأسس وحده باسم مصر 20 شركة لتكون ركيزة أساسية فى دعم الاقتصاد المصري ودخوله سوق المنافسة مع الشركات الأجنبية حينها.. أنشأ طلعت حرب أول مطبعة مصرية عام 1922، وفي عام 1923 ساهم في إنشاء شركة مصر لصناعة الورق، وشركة مصر لحلج القطن.. وفى عام 1925 شركة مصر لصناعة السينما (ستديو مصر)، وقام أيضًا بالمساهمة في إنشاء الشركة المصرية العقارية عام 1926، وبنك مصر  وغيرها من مؤسسات "مصر".. وما زالت تلك الشركات تعمل وتضيف للاقتصاد المصري حاليًا؟!
• وبالمناسبة، بماذا نفسر قبول فنانينا التواجد في مواقع لا تضيف إلى رصيدهم الإبداعي بقدر ما تنال من تاريخهم إلى حد بيع اسمهم ببساطة بمقابل مادي يحتمل وقوع الإهانة عبر فقرات برنامج شهير يعتمد في إثارته الزائفة الرذيلة على السخرية من رموزنا من المبدعين (رامز وبرنامجه الممتد على مدى السنين الأخيرة)؟.. يا خسارة!!
• يحدث ذلك في زمن تلك النهضة الإعلامية والدرامية التي تقودها بنجاح الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وهي واحدة من أكبر الكيانات الإعلامية في المنطقة العربية التي نفخر برسائلها!!