رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحثة فى علم الآثار: "الأفروسنتريك" رد فعل لتراث الأفارقة الضائع

أرشيفية
أرشيفية

التشكيك في هوية بناة الأهرامات من قبل، وإنتاج فيلم مؤخرًا يجسد الملكة كليوباترا على أنها ذات هوية إفريقية، وغيرها من الأكاذيب محاولة خبيثة للمركزية الإفريقية "الأفروسنتريك" التي تهدف إلى التعدى على مصر بسرقة وتزييف حضارتها القديمة وادعاء أن الأفارقة السود هم أصحاب هذه الحضارة.  

كيف إذن خرجت هذه الظاهرة؟ وما سبب انتشارها؟

مونيكا حنا الباحثة في علم الآثار المصرية، قالت في حديثها لـ"الدستور" إنه بسبب الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية نهب ما لا يقل عن ٧٠٪ من التراث الإفريقي من خلال المذابح الدموية والحروب، وهو ما جعل مصير هذا التراث التواجد في المتاحف الغربية.

وأضافت مونيكا أنه في الخمسينيات من هذا القرن ظهر شخص دارس لعلم الأجناس والتاريخ والإنثروبولوجيا من أصل سنغالي يدعى شيخ "انتا ديوب"، وكان من الأفارقة القلائل الممثلين في كتابة اتفاقية اليونسكو عام ١٩٧١، فاخترع مفهوم المركزية الإفريقية للحضارة المصرية القديمة، كرد على المركزية الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر في البلاد الإفريقية، متابعة أن أفكار "ديوب" زادت في الانتشار بين الأمريكيين من أصل إفريقي، وكان تمسكهم بحديثه هو رد فعل على سرقة تراثهم واستعمارهم ونهب ثرواتهم، لذا حسب وصفها فإن مفهوم التخصيص الثقافي أدق مصطلح يصف محاولة إيجاد ثقافة إفريقيا الضائعة.

ولفتت حنا إلى أن فترة الخمسينيات من القرن العشرين كان أغلب الدراسات عن تاريخ إفريقيا فيما عدا مصر تظهرهم أنهم ليست لديهم حضارة، لأنهم لم تكن لديهم كتابات، مشيرة إلى أن هذا مفهوم قاصر جدًا عن الثقافات ولا يعتد به.

وتابعت الباحثة في علم الآثار المصرية أن الإشكالية تتركز في أنه حتى عام 1952 كان الإنتاج المعرفي عن مصر القديمة مقتصرًا على الدوائر الغربية ومنذ أواخر السبعينيات بدأت دول معادية لمصر تقدم منحًا لبعض أمناء المتاحف في الغرب أو البعثات الأثرية التاريخية لإعادة كتابة التاريخ المصري القديم من منظور المركزية الإفريقية وكانت تلك المنح تنتشر بشكل رسمي.

وأضافت مونيكا أن محاولة التشكيك في الحضارة المصرية لم تكن جديدة، بل سبق رفض هتلر في آخر مراحل المفاوضات لاسترداد رأس نفرتيتي أن تعود، وطلب من أحد الباحثين أن يكتب أن نفرتيتي كان أصلها من الجنس الآري وليست مصرية.

وأشارت باحثة الآثار إلى أن الفراغ المعرفي عن مصر القديمة وعدم إتاحة المواقع الأثرية والمتاحف للمصريين بشكل جيد أنتج جيلًا يريد أن يعلم عن حضارته، لكنه يواجه بحملات من أتباع المركزية الإفريقية ويجدها هي السبيل الوحيد أمامه لتكوين هوية ثقافية في ظروف العولمة، كما يواجه من ناحية أخرى فريقًا آخر يساريًا وهو من يرى أن الحضارة المصرية غير هامة ويحاول التزييف فيها وهو ما لا يقل خطورة عن فريق المركزية الإفريقية.

وأكدت أنه لذلك فنحن نحتاج إلى إنتاج مواد تقدم معرفة حقيقية عن الحضارة المصرية القديمة وأبحاث علمية مصرية دقيقة، وعدم منع أي بحث علمي عن المصريين القدماء، مشيرة إلى أن جميع المومياوات والبقايا الآدمية في متاحف العالم تدرس يوميًا، خاصة أن النشر العلمي باللغة العربية ما زال ضعيفًا جدًا وإن كان أغلبه عن المصادر الأجنبية أيضًا، كما يجب إنتاج أعمال درامية قوية حول التاريخ المصري على مستوى علمي دولي وتتسم بأسلوب السردية المصرية وليس بأسلوب ينتمي لأي هوية أخرى.