رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس هيئة الانتخابات التونسية: بلادنا شهدت تحولات جذرية لبناء دولة مؤسسات قوية

انتخابات تونس
انتخابات تونس

قال فاروق بو عسكر، رئيس الهيئة العليا للانتخابات التونسية، إن بلاده شهدت خلال السنوات الماضية عدة تحولات جذرية على طريق بناء دولة مؤسسات قوية تقود البلاد إلى مستقبل أكثر إشراقًا وتقدمًا في شتى المناحي، أكثرها وضوحًا مرحلة نمو المجتمع المدني وانتشاره، والجهود المبذولة والرامية إلى بناء وتعزيز المؤسّسات الديمقراطية على المستويين المحلّي والوطني، والتي من بينها الاستعدادات لتنظيم الانتخابات المحلية.


وأضاف بوعسكر، في تصريحات صحفية، أن الانتخابات المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم تحدث لأول مرة في تاريخ تونس، منذ استقلال البلاد، والتي صدر بشأنها مرسوم رئاسي مؤخرًا في 8 مارس الماضي، وهو الذي يتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية التي ينتخبها المواطنون، ثم يتم انتخاب مجلس الجهات ومجالس الأقاليم، والذي يضم المجالس المنتخبة وصولًا إلى الغرفة البرلمانية الثانية "المجلس الوطني للجهات والأقاليم". 


وردًا على سؤال حول ميعاد الانتخابات الرئاسية المقبلة، أكد بوعسكر، أن كل المواعيد الانتخابية التي أعلن عنها سلفًا الرئيس قيس سعيد تم احترامها بداية من استفتاء 25 يوليو والانتخابات التشريعية، مؤكدًا أنه من الطبيعي أن تكون الانتخابات الرئاسية في موعدها بعد انقضاء الخمس سنوات المدة الأولى، والتي ستكون في أكتوبر 2024، ولكن قبل الانتخابات الرئاسية ينصب التركيز على البرلمان الثاني "الانتخابات المحلية والجهوية والأقاليم".


وأوضح رئيس الهيئة العليا للانتخابات التونسية، أن الهيئة تستعد حاليًا على قدم وساق للانتخابات، ولكن لم يتم تحديد الموعد النهائي لها، ولكن هذا سيتم قريبًا جدًا بالتنسيق والتشاور بين هيئة الانتخابات ورئاسة الجمهورية، ولكن المؤكد بشكل مبدئي أنها ستكون خلال هذا العام بمقتضى أمر يصدر من رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أشهر من عملية الاقتراع.

 

وحول استعدادات الهيئة للانتخابات المحلية المقبلة، أكد بوعسكر، أن الكادر البشري جاهز ومدرب خاصة بعد خوضه غمار الانتخابات السابقة منذ فترة قليل،ة حيث لديه القدرة على تنظيم الانتخابات حينما يحدد موعدها، ومن الناحية اللوجستية فالموارد المالية متوافرة فالهيئة انطلقت في التحضير مبكرًا وهناك لقاءات تعقد دائمًا مع مؤسسات الدولة التي تعد من الركائز الأساسية في معادلة إجراء الانتخابات، وعلى رأسها وزارة الداخلية وكذلك وزارة الدفاع وكل المؤسسات الشريكة في هذه العملية، لافتًا إلى أن التركيز منصب حاليًا على موضوع تقسيم الدوائر، لأن تلك الانتخابات المحلية تجرى لأول مرة في تاريخ تونس، فهذا العدد الكبير من الدوائر يعد تحديًا كبيرًا للهيئة ويتطلب استعدادات عدة كون أن البلاد تخوض لأول مرة تجربة الانتخابات المحلية بهذا الكم.


وردًا على سؤال حول دلالات عزم تونس إجراء الانتخابات في المواعيد المحددة، أوضح رئيس الهيئة العليا للانتخابات التونسية، أنه من الناحية السياسية ولإبراز صورة تونس خارجيًا فالسلطة التونسية تحترم جدًا المواعيد، وهو شيء إيجابي، فعندما تعلن عن مواعيد انتخابية يتم احترامها وبكل دقة وهو ما حدث بالفعل في السابق، مؤكدًا أن تونس دولة تحترم إرادة الشعب وتنحاز دائمًا إلى إرادته وهو شيء معروف في تاريخها، ففي السنوات العشر الأخيرة قمنا بالعديد من الانتخابات التشريعية والتأسيسية والاستفتائية والرئاسية، وهذا نموذج إيجابي فالدولة التونسية والهيئة تحترمان وتلتزمان بالمواعيد المقررة لأي استحقاق.


وحول ما إذا كانت هناك حاجة لتعديل القوانين المتعلقة بالانتخابات أم أن التشريعات المطبقة حاليًا كافية، قال بوعسكر، إنه مؤخرًا في 8 مارس تم تعديل القانون الانتخابي وهو معدل ومجهز لإجراء الانتخابات، وبالطبع التعديلات على القانون تتخذ بمراسيم من قبل البرلمان لأنه أصبح لدينا برلمان هو الذى سيقوم بالتعديلات، ولكن في الفترة التي سبقت تنصيب البرلمان كانت هناك فترة من الفراغ البرلماني بعد حل البرلمان السابق، وكانت تصدر القوانين بمراسيم عن طريق رئيس الدولة وآخرها التي صدرت من شهر ونصف، والقانون جاهز وواضح والهيئة تعمل وفقًا لهذا القانون. 


وردًا على سؤال حول الموقف ممن يريدون خوض الانتخابات تحت شعار ديني، أكد رئيس الهيئة العليا للانتخابات التونسية، أن القانون التونسي واضح وصريح وغير مسموح باستغلال الدين في العمل السياسي وهذه قاعدة موجودة في القانون التونسي سواء في المرسوم المنظم للانتخابات أو القانون الانتخابي، وعلى سبيل المثال فإن القانون الانتخابي يمنع بشكل واضح استخدام أي من دور العبادة في الترويج أو الدعاية الانتخابية. 
 

ونوه إلى أنه في الحملات الانتخابية، وفي القانون الانتخابي التونسي الجديد يمنع منعًا باتًا حتى على الأئمة الترشح للانتخابات، وهذا من مكاسب تونس في قوانينها الانتخابية فهناك فصل بين الدين والسياسة، مؤكدًا أن الهيئة تراقب أيضًا الخطاب جيدًا في كل الحملات الانتخابية وتمنع كل خطاب يستغل في طياته الدين، وليس هذا فحسب بل تمنع كل ما يدعو إلى التمييز بين المواطنين، لأن تونس دولة مدنية ومن مبادئها المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق، وتونس دولة مسلمة مالكية من حيث المذهب ولكن هناك أطيافًا تعيش فيها والقانون التونسي يعتمد مبدأ مدنية الدولة والمساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن التمييز الديني أو العرقي.
 

وردًا على سؤال حول الموقف التشريعي في تونس من العناصر المتورطة في الإرهاب والتطرف إذا ما رغبت في الترشح، أكد بوعسكر، أن القانون الانتخابي يحسم هذا الموضوع بشكل قاطع، لأن من شروط الترشح أن يكون المترشح خاليًا من السوابق العدلية، وليس هناك عليه أي أحكام تدينه ليس فقط في جرائم الإرهاب ولكن كل الجرائم الأخرى التي تمنع المترشح من ترشحه، فالطبيعي أن كل ما يتعلق بشأن صدور حكم قضائي سواء في جرائم إرهابية أو جرائم الحق العام في حق أي مترشح فهو ممنوع منعًا باتًا من الترشيح، ويشترط القانون الانتخابي تقديم بطاقة لإثبات أن المترشح ليس عليه أي أحكام، مؤكدًا أن هذا أيضًا يعد من إيجابيات القانون الانتخابي الجديد لأنه فيما مضي كان القانون لا يشترط هذا الشرط ولكن بعد 25 يوليو أصبح هذا الشرط أساسيًا للترشح.


وردًا على سؤال حول ضمانات نزاهة الانتخابات في ضوء التشريعات التونسية، أكد رئيس الهيئة العليا للانتخابات التونسية، أن كل الضمانات متوافرة وهناك مغالطات تم تداولها عبر وسائل الإعلام بأن هناك نقصًا في الضمانات أو تراجعًا عن إجراء تلك المرحلة من الانتخابات، وهذا الكلام عار تمامًا من الصحة، لأن الضمانات موجودة في القانون الانتخابي الذي يعود إلى عام 2014 وهما ضمانتان الأولى هي رقابة القضاء، فنحن كجهة انتخابات كل ما نقوم به في الانتخابات يراقب من القضاء بداية من الترشح والحملة الانتخابية والنتائج، فالمحكمة الإدارية تراقب ومحكمة المحاسبات تراقب أيضًا وحتى القضاء الجزائي يراقب وهذه أهم ضمانة أساسية. 


وأضاف أن الضمانة الثانية فهي حق المراقبين في مراقبة العملية الانتخابية سواء كانوا تونسيين أو حتى دوليين عندما يقدمون طلبًا للهيئة يسمح لهم بمراقبة العملية الانتخابية بداية من الاقتراع وحتى الفرز والإعلان عن النتائج، مشيرًا إلى أن هناك ضمانة الإعلام فنحن نعمل في إطار شفاف، فالإعلام التونسي والإعلام الدولي يلاحظ ويراقب العملية الانتخابية، فالضمانات موجودة بالفعل وتم الحفاظ عليها في الانتخابات التونسية بعكس ما يردد والهيئة حريصة على توفير هده الضمانات وتعزيزها، بما يدعم شفافية ونزاهة العملية الانتخابية خاصة مصداقية النتائج. 


وحول السماح لمنظمات المجتمع المدني الداخلية والخارجية بمراقبة العملية الانتخابية، أوضح أن: هناك عدة منظمات تونسية ستشرف ولكن هناك منظمات دولية أيضًا ستقوم بالملاحظة، لأن تونس دولة ذات سيادة ولا تسمح لأية جهة خارجية أو منظمة بالمراقبة، لأنه نوع من التدخل في الشأن الداخلي ولكن يسمح فقط بالملاحظة ويكتب تقرير بالملاحظة، وهو موجود في التشريع التونسي وأغلب المنظمات التي تقدم هي منظمات إقليمية منها بعثة لجامعة الدول العربية وبعثة الاتحاد الإفريقي، وكانت هناك بعض الدول طلبت ملاحظة العملية مؤخرًا مثل روسيا في الانتخابات التشريعية وقبلنا هذا الطلب ولكن هناك التزامًا بأنه عندما يتم تقديم طلب ملاحظة فهناك ميثاق يوضع لاحترام الواجبات، ومنها عدم التدخل في عمل الهيئة واحترام الهيئة وسيادة الدولة حفاظًا على استقلالية القرار. 


وردًا على سؤال حول جهود مواجهة المال السياسي حتى لا يؤثر على العملية الانتخابية من خلال إنفاق البعض على نحو يفوق قدرات المنافسين في الانتخابات، قال: إن هناك تطورًا كبيرًا في هذا الموضوع بالقانون الانتخابي التونسي الجديد والذي من مميزاته محاصرة ظاهرة المال السياسي وإحكام الرقابة على التمويل وخاصة التمويل الأجنبي، ولكي نكون أكثر صراحة ووضوح فإنه قبل تنقيح قانون الانتخابات كان هناك العديد من الظواهر ومنها المال السياسي القادم من الخارج لصالح بعض الأحزاب السياسية والتي يعلمها الكل في تونس، ولكن بعد التنقيح تم حتى منع "التمويل العمومي" وهو تمويل الدولة فأصبحت لا تقدم أموالًا وتم منع تلقي التمويلات الأجنبية والتي تتم مراقبتها من قبل مؤسسات الدولة، ومن يثبت بحقه أنه تلقي تمويلًا أجنبيًا، تتم معاقبته بالسجن لخمس سنوات، وأيضًا يُحرم من المشاركة نهائيًا في أية عملية انتخابية مقبلة، ونحن نتجه إلى المساواة بين جميع المرشحين وهو ما طبقناه في الانتخابات التشريعية.


وحول توقعات رئيس الهيئة العليا للانتخابات لمدى إقبال المواطنين على العملية الانتخابية، أكد بوعسكر، أن نسبة الإقبال في استفتاء 25 يوليو تشير إلى توجه نحو قرابة 3 ملايين تونسي إلى صناديق الاقتراع، مع العلم أن كل مواطن تونسي يبلغ من العمر 18 سنة يدرج مباشرة في القوائم الانتخابية، مشيرًا إلى أنه فيما مضي كان يتم ذلك من خلال طلب تسجيل، أما القانون الجديد فأصبح يسجل تلقائيًا وهو ما ساعد في ارتفاع نسب الإقبال.


وأوضح، في ختام تصريحاته، أن الناخب التونسي تعود على المشاركة في الانتخابات كونها ظاهرة صحية وإيجابية لأي مجتمع متحضر، معربًا عن أمله في ارتفاع نسب المشاركة من قبل المواطنين في الانتخابات المحلية المقبلة، لافتًا إلى أن الناخب عليه أن يعلم جيدًا كل ما يتعلق بالمترشح عن دائرته معرفة مباشرة وواضحة، فهو في النهاية إما من منطقته أو أحد من معارفه وهذا حافز إضافي للذهاب إلى صناديق الاقتراع، أملًا في أن تخرج تلك الانتخابات بشكل مشرف يليق بالدولة التونسية وشعبها العريق.