رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منى زكى.. أداء عالمى فى تحت الوصاية

هي حكاية موجودة في كل عائلة، تجد في كل عائلة حالة يموت الأب، والأطفال صغار، فيدخل المجلس الحسبي، ومن يراه مناسبا سواء جد الطفل أو عم فاسد يجعلهم أوصياء على أولاد الأب المتوفى، وعلى حق الأطفال في التمتع بحصاد شقاء أبيهم.
يغمض المجلس عينيه عن الأم المكلومة، ويتعامل معها باعتبارها ناقصة العقل، أو أنها عنوان للتبذير والفوضى، هذا في حالة وجود ابن ذكر للمتوفى، ويزيد الطين بلة إذا كان الأطفال اليتامى بنات، هنا يدخل قانون المواريث ليشتت رزق البنات على الجميع، أعرف بالطبع سلطة المادة الدستورية التي تفعل بنا هذا الفعل الغريب، ولكنني أعرف أيضا أن الاجتهاد واجب وفريضة. 
كل هذه المرارات فتحها مسلسل بسيط الفكرة عميق المعنى، إنه مسلسل «تحت الوصاية» بطولة النجمة العالمية منى زكي التي أدهشتنا بالشكل والمضمون لشخصية حنان، محور المسلسل التي مات زوجها واضطرت للدفاع عن حق أبنائها، حتى لو احتاج الدفاع إلى كسر القانون.
لم تنجح منى زكى بالصدفة، فهي إلى جانب موهبتها الأصيلة فقد توافرت عناصر النجاح الكاملة للمسلسل، ابتداءً من أصحاب القصة والسيناريو شيرين دياب وخالد دياب اللذين قدما بتمكن شديد ورقا ناضجا مفعما بالتفاصيل الموحية التي تجعل المشاهد شريكا في المسلسل بانفعاله وتوتره تماما، كما حالة الكاتبين عند الكتابة، وقبل أن نبتعد عن الأخوين دياب كاتبي السيناريو، جاء لنا المخرج بدياب آخر الفنان الكبير الذي قام بدور عم الأطفال أصحاب القضية ليقدم دياب الممثل السهل الممتنع في دور الشرير دون مغالاة، شرير طبيعي، قد أكون أنا أو أنت في لحظة ضعفنا الإنساني.
ويواصل المخرج الموهوب محمد شاكر خضير بناء مسلسل سوف يبقى في الذاكرة كثيرا عندما تمرد على البلاتوة الجاف، وخرج بفريق عمله إلى الأماكن المفتوحة الحقيقية، وهي في نظري البلاتوه الأعظم من دمياط إلى الإسكندرية إلى محطة قطارات بورسعيد، مشاوير طويلة ومن زوايا بصرية رائقة استطاع أن يقدم لوحته الفنية دون وصاية في مسلسل يحمل الاسم العكسي تحت الوصاية.
وبالرغم من الإحكام الشديد في كل عناصر العمل التي تجعله عملا عامر بالبطولة الجماعية، فإن منى زكي نجحت بامتياز في خطف الكاميرا، وجاء ذلك بدراستها المتمهلة لشخصية حنان المقهورة، صاحبة الحق الواضح الذي ضاع بوضوح أيضا، لم تكابر حنان في شخصيتها لتقدم نفسها كمناضلة نسوية ثورية ولكنها تواضعت وقدمت البطولة الخام للمرأة المصرية التي تعرضت للوصاية المجحفة لدرجة أنها لا تملك حق نقل ابنها من مدرسة لمدرسة، منى زكي أو حنان تفوقت على نفسها وكانت لغة الجسد هي الأكثر فصاحة، وهي تؤدي دورها الفارق، ولو دقق المشاهد في الطريقة التي كانت تمشي بها حنان المكلومة لاستمع من طريقة المشية إلى أوجاع وآهات وشاهد التردد في أعلى صورة له.
ولأن العمق هو البسيط دون تعقيد، يمكننا أن نراجع المشاهد التي جاءت فيها منى زكي برفقة أطفالها حيث امتازت تلك المشاهد بالتلقائية وعدم التكلف.. الأم التي تلعب الكرة مع ابنها في صالة البيت والابن الذي يقوم بتجهيز الرضعة لأخته الصغيرة، كلها تفاصيل صادقة مؤثرة جعلتنا ننتظر بث الحلقة بفارغ الصبر.
تبقى الإشادة واجبة بالفنان محمد الشامي أو عم ربيع الذي جعلنا نحب الضعف الذي رأيناه في شخصيته، وكذلك الفتي الصاعد عمر شريف، الذي قام بدور ياسين ابن حنان أو منى زكي.
لا شك أن التوجه الذي اتخذته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية منتجة هذا العمل رفيع المستوى قد أصاب هدفه، لتخرج المتحدة ببراعة من صورة المسلسل الوطني الذي اشتهرت به وما زالت إلى المسلسل الاجتماعي الذي يناقش قضية حيوية مثل قضية الوصاية، فالتحية واجبة لمن خطط لخريطة دراما المتحدة في رمضان.