رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيامة .. وتوحيد قلوب المؤمنين

لقد غاب عن أذهان المسيحيين الأولين تحديد زمن خاص لعيد القيامة، بل استمروا يعيدون عيد فصح اليهود إنما بروح جديدة إحياءً لذكرى الحوادث التي كانت ترمز إليها الأعياد، وعلى ذلك استمروا على ممارسة عيد الفصح اليهودي مع التطور الجديد الذي أدخل عليه بأن المسيح هو حمل الفصح الحقيقي وأصبح بعد ذلك العيد الفصحي للمسيحيين.
ومن التقاليد التي اتبعت قديمًا أن الاحتفال بذكرى صلب وقيامة السيد المسيح كانت تقام كل أربعة وثلاثين سنة، ولكن لما كان الكثيرون يحيون ويموتون ولا يتمتعون بجمال وبركة هذا الاحتفال العظيم عدل عن ذلك وصار الاحتفال بالعيد سنويًا ولم يُعرف في أي وقت تم هذا ويظهر أنه بعد الجيل الأول المسيحي واستدل على هذا الخبر من تاريخ استشهاد مرقس الرسول، كاروز الديار المصرية، فإنه نال إكليل الشهادة بعد إقامة تذكار القيامة المقدسة في كنيسته في سنة 68، أي التذكار الأول لهذا العيد بعد حادث القيامة الحقيقي.
عن القيامة وما قبلها وما بعدها كتب القمص أيوب مسيحة بمجلة "صهيون" المسيحية بعدد أبريل عام 1946.. كتب: ابتلعه الموت كما ابتلع الحوت يونان وفي اليوم الثالث قام بغير فساد أو انحلال. من الآكل خرج المأكول ومن المرارة خرجت الحلاوة كما ذكر الكتاب وقال: أخطأوا إذ حرسوا قبره لأن الغبار لا يقدر أن يحبس ريح الشمال.
طلبوا من الحاكم حراسًا فكانوا لقيامته الحقيقية شهودًا لا يتسرب إليهم الضلال.
تقول الآية "وَلكِنِ الْآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ"(كورنثوس الأولى 15:20). ولذلك يكون الكتاب صحيحًا من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. ويكون قد ثبت نصرة الحقّ على الباطل، والحياة على الموت، والخير على الشرّ، والسعادة على الشقاوة إلى الأبد.
نعم ، لو لم يكن المسيح قد قام، لفشل كلّ تدبير الله بالفداء، ولثبت أنّ كلّ ما سبق من النبوّات والآمال بشأن نتائج الفداء المجيدة في الدنيا وفي الآخرة إنّما هو أوهام.
ولا شك، أنّ قيامة السيد المسيح تأكيد وتحقيق لقيامة المؤمنين به، الذي مات عنهم باعتبار كونه مخلِّصًا ونائبًا لهم. فكما أنّه حيّ، سيحيون هم أيضًا (الإنجيل بحسب يوحنّا 14:19). 
بقي المسيح تحت سلطان الموت ما بقي مصدرًا للحياة الروحيّة في البشر. لأنّه كما قال، هو الكرمة والمؤمنون به هم الأغصان. فإن كانت الكرمة ميّتة كانت الأغصان بالضرورة ميّتة.
تحت عنوان "الاحتفال بعيد الفصح المقدس ـ قديماً وحديثاً" كتب المؤرخ كامل صالح نخلة "عضو لجنة التاريخ القبطي بمجلة "صهيون" عام 1946 "إن عيد الفصح المجيد يعيده المؤمنون لتذكار قيامة السيد المسيح وكان له المنزلة الأولى في أعياد المسيحيين منذ الأزمنة الرسولية، وقد جاء في دائرة معارف القرن العشرين البريطانية أنه لا توجد بيانات عن ممارسة عيد الفصح في كتب العهد الجديد ولا في رسائل الآباء الرسل الأطهار..
ويضيف المؤرخ أنه لم يكن يعيد الفصح مرة في السنة فقط، بل كان يعيد ذلك التذكار الخلاصي كل أحد، فكان يوم الأحد يوم فرح وبهجة عند جميع المسيحيين ويعيدون فيه بالصلاة وقوفاً لا ركوعًا ولا قعودًا وبلا صوم، كما شهد بذلك برنابا الرسول والقديسون أغناتيوس ويوستينوس وبلينوس وغيرهم من الآباء الأولين، وكان لعيد الفصح السنوي شعائر خصوصية في قلوب المؤمنين ويُحتفل فيه بتذكار الآلام والقيامة معًا.
وفي هذا الصدد أبدى البابا تواضروس الثانى اهتمامًا بالغًا منذ توليه الكرسى البابوى فى نوفمبر 2012، بوحدة الكنائس المسيحية ودشن مجلس كنائس مصر، والذى كان حلمًا يراود الكنائس المصرية وعندما قرر أن يجيب عن أسئلة الأقباط عبر برنامج "البابا وأسئلة الشعب"، الذى يذاع على القنوات المسيحية خصص أول حلقة عن "وحدة الكنائس"، داعيًا خلاله جميع الكنائس فى العالم إلى الاحتفال بعيد القيامة فى موعد محدد، مشيرًا إلى سعيه لمحاولة توحيد عيد الميلاد، موضحًا أنه لا يتخذ قرارًا منفردًا، ولكن عن طريق المجمع المقدس الذى يتولى مهمة التشريع داخل الكنيسة.
وبعث البابا تواضروس الثانى عام 2014، خطابًا إلى بابا الفاتيكان ضمنه دعوة لمناقشة توحيد تاريخ عيد القيامة فى جميع كنائس العالم، حمله سفير الفاتيكان بالقاهرة خلال زيارته له بالكاتدرائية المرقسية.
وقالت الدراسة التي أعدتها كنيستنا العتيدة : "كان التقليد الكنسي يتجه إلى أن يتحاشى المسيحيون التعييد مع عيد الفصح عند اليهود، وأوكل فى مجمع نيقية المسكونى 325م إلى كنيسة الإسكندرية تحديد موعد عيد الفصح، وكانت الكنيسة تقاوم فى العصر الرسولى وما بعده تيارات التهود فى المسيحية، مثل مسألة الختان للذكور، وما نادى به البعض من اليهود المتنصرين إلى ضرورته لنيل الخلاص ورأت الكنيسة أنه كان رمزًا للمعمودية "خِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ" (رو 2: 29). ولهذا اجتمع مجمع الرسل فى أورشليم واستقر الأمر على التحرر من "الممارسات الناموسية اليهودية".
ويبقى أمر تأخر قرار توحيد الأعياد حكاية غريبة غير مفهومة بينما أتباع كل الكنائس لسان حالهم يقول "وحدوا الأعياد لتتوحد القلوب والصلوات"… وكل عام وجميعنا بخير وسلام.