رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"انضممت للفدائيين دون تفكير".. تفاصيل مشاركة فاروق فلوكس فى المقاومة ضد العدوان الثلاثى

فاروق فلوكس
فاروق فلوكس

صدرت حديثًا مذكرات الفنان فاروق فلوكس عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، تحت عنوان "الزمن وأنا.. مذكرات فاروق فلوكس بين الهندسة والفن والحياة"، وكتبها حسن الزوام.

الفدائيون وجمال عبد الناصر

ويحكي فاروق فلوكس عن انضمامه للفدائيين فيقول: "كانت الأحداث في مصر متصاعدة، وجمال عبد الناصر والضباط الأحرار يحكمون البلاد، والأمور بدأت تستقر داخليًّا بعد حسم الصدام مع الإخوان وحل الأحزاب السياسية وتنفيذ الإصلاح الزراعي، بعد أن أصبح جمال عبد الناصر أول رئيس منتخب رسميًّا، وتم إجراء الاستفتاء على رئاسته للجمهورية في 25 يونيو 1956، ظهرت فكرة إنشاء السد العالي، وكانت فكرة قديمة أحياها جمال عبد الناصر، ثم بدأ في البحث عن قرض من البنك الدولي لتمويل المشروع العملاق لكن البنك رفض تمويل مشروع السد.

هنا، قرر جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، كان حادث التأميم هذا مؤثرًّا جدًّا فينا خاصة أن عملية التأميم كان محضرًا لها بدقة.

لم أفكر أنني وحيد العائلة

في السنة الأولى من كلية الهندسة سنة 1956، فوجئت بالطيران الفرنسي والإنجليزي يمران في سماء القاهرة، ما كل هذا الغضب الذي انفجر في رأسي فجأة؟ لم أفكر أنني وحيد العائلة مع أختي محاسن، نزلت من بيتي وقررت أن أتطوع للانضمام إلى الفدائيين، كان قرارًا انفعاليًّا صادقًا لم أفكر حتى في التشاور فيه مع صديقي المقرب محمود أبو الليل.

بالقرب من كلية الهندسة، قابلت الدكتور نجيب باخوم أستاذ قسم الرياضيات البحتة مرتديًا زيًّا عسكريًّا، وجهني إلى المدينة الجامعية، وهناك وجدت الكثيرين مثلي، حتى أنني لم أجد مكانًا لأنام فيه فنمت على رخام مدخل المدينة الجامعية، ثم جاء شخص وسلم كل واحد منا بطانية وبدلة وبندقية وذخيرة ووجبة.

إلى بورسعيد

في اليوم التالي تمام الساعة السادسة صباحًا، ركبنا سيارة نقل مكشوفة "لوري"، وقبل أن تتحرك بنا، وجدت الزميلتين سهير الشناوي وسهير تكلا من الكلية تحضران في هذا الميعاد لتشجيعنا ودعمنا نفسيًّا.

في الطريق، وبينما نمر بشارع الملكة نازلي أو شارع رمسيس حاليًّا، كان الناس يهللون لنا ويدعون الله أن يحمينا، كان هذا مشهدًا مؤثرًا لا يمكن أن أنساه في حياتي، أخذنا اللوري إلى بورسعيد، كان القائد هناك هو كمال الدين حسين أحد أعضاء الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة الذي أمر بإعادتنا إلى الإسماعيلية لتنفيذ مهمة محددة، وهي مراقبة الإبرار الجوي لقوات العدوان الثلاثي.

مزرعة خنازير

في الإسماعيلية، اختاروا لنا مزرعة خنازير لعمل دشم عسكرية بها، بدأنا في تقسيم الوقت بيننا في ورديات ما بين المراقبة والنوم، كنا نجد فلاحي الإسماعيلية يقتسمون معنا طعامهم شديد البساطة دون أن يطلب منهم أحد ذلك، كنوع من أنواع الدعم والمساندة وإحساسهم أننا نحمي أراضيهم.

كنت قبل هذه التجربة التي استمرت خمسة وخمسين يومًا أخاف من الخنافس وأكرهها بشدة، لكني في هذه التجربة، كنت أزيح الخنافس من فوق ملابسي ووجهي دون خوف، لقد زال الخوف من أي شيء ولم نكن نخاف إلا على مصر، في إحدى الليالي، كنت مكلفًا بالحراسة وزملائي نائمون، سمعت صوت قعقعة وخربشة في الظلام الدامس بين الفروع وأوراق الشجر، وجدت نفسي أضرب مكان الصوت بالرصاص حتى استيقظ زملائي مفزوعون، وبعد أن ردت نقاط الرقابة المجاورة إطلاق النار بطبيعة الحال.

وفي الصباح، اكتشفت أن ما أطلقت عليه الرصاص في الليل كان ثعبانًا أصبته في رأسه دون أن أدري، يقولون دائمًا إن تجارب موت الأعزاء والحرب والسجن تعلمك الحياة، لكني هذه الأيام رغم صعوبتها، علمتني الكثير وعودتني على أمور لم أكن أعتاد عليها، فتلك كانت المرة الأولى لي التي أغترب فيها خارج بيت أبي وأمي.

الانسحاب

كانت تجربة عظيمة غيرت الكثير في شخصيتي، أصحبت أكثر خبرة في التصرف وأنا خارج بيتي، وكيف أتعامل مع المواقف وكيف أكون مسؤولًا عن غيري.

انتهت الحرب وانسحبت قوات العدوان الثلاثي، غيرت تلك الحرب خريطة الموازين في العالم، تراجعت بريطانيا خطوة إلى الخلف لتصبح أمريكا هي القوة العظمى الأولى.

عدنا بعد الحرب بعدة أيام، أحضرتنا سيارة النقل إلى شبرا وتركونا، من هناك ركبت الترام حتى منزلنا، خمسة وخمسون يومًا بدون استحمام، وجهي مليء بالبثور، هيئتي رثة وفي يدي بندقية سأسلمها حيث تسلمتها.

يا قلب أمك

صعب على الأمهات في الترام هيئتي، كن يرددن: “يا قلب أمك”، وصلت إلى منزلنا بشارع موفق الدين، استقبلني أبي وأمي وأختي بالأحضان، فلم أكن قد أبلغتهم قراري بالتطوع أصلًا، عرفت أمي وأختي من الكلية بعد أن قابلتا الدكتور نجيب باخوم وكان شخصية قوية للغاية، عدت إلى البيت وقمت بالاستحمام أخيرًا، طلبت صديقي محمود أبو الليل لأراه فوجدته غاضبًا مني لأنني لم أخطره ولم أناقش قراري معه.

عدت إلى الكلية مرة أخرى، لقد فاتني جزء كبير من المناهج، تعامل الأساتذة معنا كأن شيئًا لم يكن، بالطبع لم يكن الوقت الباقي كافيًا لأدرس ما فاتني وما سأدرسه بعد العودة.

كانت النتيجة أنني رسبت في ثلاثة أنصاف علوم، فالمنهج العلمي المقرر علينا لكل مادة كان يقسم على نصفين، نصف في النصف الدراسي الأول ونصف في النصف الدراسي الثاني، أو ما عرفنا فيما بعد أنه يسمى "التيرم".