رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بابا الفاتيكان يترأس قداس الميرون فى بازيليك القديس بطرس

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان

ترأس البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، اليوم الخميس، في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان قداس الميرون في يوم خميس الأسرار بارك فيه زيت العماد وزيت المرضى وكرّس زيت الميرون. 

وقال البابا فرنسيس، خلال كلمته اليوم: بدون روح الله لا توجد حياة مسيحية وبدون مسحته لا توجد قداسة إنه الرائد ومن الجميل اليوم، في يوم ولادة الكهنوت، أن نعترف بأنه في أصل خدمتنا، وفي أصل حياة وحيوية كل راعي. في الواقع، تعلّمنا الكنيسة الأمّ المقدّسة أن نعلن أن الروح القدس "يحيي" بدون الروح لن تكون الكنيسة حتى عروس المسيح الحية، وإنما مجرّد منظمة دينية؛ لن تكون جسد المسيح، بل هيكل بنته أيدي الإنسان. فكيف نبني الكنيسة إِذن غير انطلاق من واقع أننا "هياكل للروح القدس" الذي "يقيم فينا"؟ لا يمكننا أن نتركه خارج البيت أو أن نوقفه في منطقة عبادة مُعيّنة.

وأضاف البابا فرنسيس أيها الإخوة، أن مسيرة مماثلة تعانق حياتنا الكهنوتية والرسولية. لقد كانت هناك مسحة أولى لنا نحن أيضًا، بدأت بدعوة حب خطفت قلوبنا. ومن أجلها تركنا المراسي وعلى ذلك الحماس الحقيقي نزلت قوة الروح الذي كرسنا. ومن ثمَّ، بحسب أوقات الله، تأتي لكلِّ واحد منا المرحلة الفصحيّة التي تطبع لحظة الحقيقة وهي لحظة أزمة تأخذ أشكالاً مختلفة. قد نجد أنفسنا جميعًا، عاجلاً أم آجلاً، نعاني من خيبات أمل، وتعب وضعف، مع مثالية يبدو أنها تتلاشى بين متطلبات الواقع، فيما تحلُّ مكانها رتابة مُعيّنة، وبعض التجارب، التي كان من الصعب علينا أن نتخيلها في السابق، والتي تجعل الأمانة تبدو مُزعجة أكثر مما كانت عليه في الماضي.

وتابع: تمثل هذه المرحلة قمة حاسمة للذين نالوا المسحة. ومن الممكن أن نخرج منها بشكل سيئ، وننزلق نحو مستوى معين من الضحالة فنجُرَّ أنفسنا تَعِبين في "حياة" تتسلل فيها ثلاث تجارب خطيرة: تجربة المساومة، التي تجعلنا نكتفي بما يمكننا فعله؛ تجربة البدائل، والتي نحاول من خلالها "إعادة شحن" أنفسنا بشيء آخر غير مسحتنا؛ وتجربة الإحباط، والتي تجعلنا نسير قدمًا غير راضين بجمود وخمول. وهنا تكمن المخاطرة الكبرى: ففيما تبقى المظاهر سليمة، ننطوي على ذواتنا ونحاول أن نسير قدمًا بأقل جهد ممكن؛ فيتوقّف شذا المسحة عن تعطير الحياة وينكمش القلب بدلاً من أن يتوسّع لأنَّ خيبة الأمل تغمره.

وواصل: لكن يمكن لهذه الأزمة أن تصبح أيضًا نقطة تحول للكهنوت، مرحلة حاسمة من حياة روحية، يجب علينا فيها أن نقوم بالخيار النهائي بين يسوع والعالم، بين بطولية المحبة والضحالة، بين الصليب ورفاهيّة معيّنة، بين القداسة وأمانة صادقة للالتزام الديني.

وأضاف: إنها اللحظة المباركة التي وعلى مثال التلاميذ في عيد الفصح، نحن مدعوون فيها لكي نكون متواضعين بما فيه الكفاية لكي نعترف بأن المسيح المُهان والمصلوب قد استحوذ علينا ولكي نقبل بأن نبدأ مسيرةً جديدة، مسيرةُ الروح والإيمان ومسيرة حُبٍّ قويٍّ وبدون أوهام. إنه الزمن الذي نكتشف فيه أنَّ كل شيء لا يتلخص في التخلي عن القارب والشباك لاتباع يسوع لفترة معينة، ولكنه يتطلب أن نذهب حتى الجلجلة، ونقبل الدرس الذي تعطينا إياه وثماره، وأن نذهب بمساعدة الروح القدس وصولاً إلى نهاية حياة يجب أن تنتهي في كمال المحبة الإلهية. بمساعدة الروح القدس: لقد حان الوقت، بالنسبة لنا كما للرسل، لـ"مسحة ثانية"، نقبل فيها الروح القدس لا بناء على حماس أحلامنا، وإنما على هشاشة واقعنا. إنها مسحة تُظهر الحقيقة، وتسمح للروح القدس أن يمسح ضعفنا، وتعبنا، وفقرنا الداخلي. عندها يفوح شذا المسحة مجدّدًا بالمسيح وليس بنا.

واستطرد بابا الفاتيكان: إنَّ السبيل إلى ذلك هو أن نعترف بحقيقة ضعفنا وهذا ما يحثنا عليه "روح الحق"، الذي يدفعنا لكي ننظر إلى أعماق أنفسنا، ونسأل أنفسنا: هل تحقيق ذاتي يعتمد على مهارتي، أو على الدور الذي أحصل عليه، وعلى الإطراء الذي أتلقاه، وعلى المسيرة المهنيّة التي أحققها، على رؤسائي أو معاونيَّ، أو على وسائل الراحة التي يمكنني أن أضمنها لنفسي، أو على المسحة التي تعطر حياتي؟ أيها الإخوة، إنَّ النضج الكهنوتي يمرُّ عبر الروح القدس، ويتحقق عندما يصبح الروح القدس رائد حياتنا. عندها كل شيء يغير منظوره، حتى خيبات الأمل والمرارة، لأن الأمر لم يعد يتعلق بالسعي لكي أكون بشكل أفضل من خلال إصلاح شيء ما، وإنما بتسليم ذواتنا بالكامل بدون تحفُّظ، إلى الذي طبعنا بمسحته ويريد أن يحلَّ فينا حتى النهاية. عندها نكتشف أن الحياة الروحية تصبح حرَّة وفَرِحة ليس عندما نحافظ على الأشكال ونُخيط الرِقَع، وإنما عندما نترك المبادرة للروح القدس ونستسلم لمخططاته، ونُعِدَّ أنفسنا لكي نخدم حيث وكيفما يُطلب منا: إن كهنوتنا لا ينمو بالترميم والرّتي وإنما بالفيض!

وأوضح: أنَّ خلق الانسجام هو ما يريده، لا سيما من خلال الذين سكب عليهم مسحته. أيها الإخوة، إن بناء الانسجام فيما بيننا ليس طريقة جيدة لتقدم البنية الكنسية بشكل أفضل، لأنه ليس مسألة إستراتيجية أو مجاملة وإنما هو مُتطلِّب داخلي لحياة الروح. نحن نخطئ ضد الروح القدس الذي هو الشركة عندما نصبح، حتى من باب العبث، أدوات انقسام؛ فنلعب لعبة العدو، الذي لا يخرج إلى العلن ويحب الشائعات والتلميحات، ويثير الأحزاب والتكتلات، ويغذي الحنين إلى الماضي، وعدم الثقة، والتشاؤم، والخوف. لنتنبّه من فضلكم، لكي لا نلوث مسحة الروح القدس وثوب الأم الكنيسة بالانقسام والاستقطاب وبالنقص في المحبة والشركة. لنتذكر على الدوام أن الروح القدس، "نحن الله"، يفضل الشكل الجماعي: الجهوزيّة أمام متطلباتنا الشخصيّة، والطاعة أمام أذواقنا الشخصيّة، والتواضع أمام ادعاءاتنا الشخصيّة.