رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العاشر من رمضان.. رجال الشرطة ساعدوا فى حماية الأمن الداخلى أثناء «العبور العظيم»

جريدة الدستور

ذكرى العاشر من رمضان وحرب أكتوبر من أقوى وأشرس وأعظم الحروب، التي خاضها رجال القوات المسلحة المصرية لاسترداد الأرض، وقد وقف رجال الشرطة جنبا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر لتأمين الجبهة الداخلية.

ولعبت الشرطة المصرية دورًا مهمًا خلال حرب العاشر من رمضان "6 أكتوبر" في تأمين الجبهة الداخلية لخوض خطة العبور، والتي أعدها وزير الداخلية ممدوح سالم تنفيذا لتكليف الرئيس الراحل محمد أنور السادات

إعداد سرايا الأمن المركزي قتاليًا

 بدأت بالفعل التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزى في مايو 1973م وشمل التدريب عمليات الكمين والإغارة وتمييز طائرات العدو ومقامومة الهابطين بالمظلات والدوريات الجبلية والصحراوية وشارك فى عملية التدريب بقطاع ناصر للأمن المركزى ضباط التدريب بمركز تدريب الضباط "النقباء أحمد رفعت- وأحمد عزب- ومحسن العبودى- وأحمد جاد".

اجتماع ما قبل الحرب

وقبل الحرب بأربعة أيام عقد وزير الداخلية ممدوح سالم اجتماعًا بالمسئولين عن قطاعات الدولة ومديريات الأمن والأمن المركزى والأجهزة الأمنية المختلفة لوضع خطط ثابتة لتأمين البلاد إذا اندلعت الحرب.

وزير الداخلية لا يغادر مكتبه

وكان ممدوح سالم فى مكتبه "بلاظوغلى" بمبنى وزارة الداخلية على اتصال دائم بالرئيس السادات، ولم يغادر الوزير مبنى الوزارة إلا للاجتماعات المهمة مع قيادات الدولة، وعلى الفور اتخذت كل الأجهزة الأمنية دورها بعد أن تم رفع درجة الاستعداد وتأمين الموانى والمطارات والمنافذ البحرية والبرية والجوية وتأمين المنشآت المهمة والمرافق الحيوية فى الدولة والعمل بالخطط الموضوعة التى أقرها وزير الداخلية.

خطط أمنية خاصة لمدن القناة

وكانت الخطط الأمنية الموضوعة تعطى اهتمامًا بالعناصر الشرطية والمواقع الأمنية فى مدن القناة "السويس والإسماعيلية وبور سعيد" المجاورة لمنطقة أرض سيناء الغالية والتى كان معظمها مهجرًا فى ذلك الوقت،  وكان وزير الداخلية ممدوح سالم على اتصال بمديرى الأمن بالمحافظات التى تتعرض للمعارك مؤكدًا لهم أنه لابد لعناصر الشرطة من الالتحام فيها لإتمام النصر ومشاركة المقاومة الشعبية التى تؤازر قواتنا المسلحة.

الشرطة تدعم القوات المسلحة لمواجهة العدو في السويس

كان اقتحام مدينة السويس أول آمال العدو خلال حرب أكتوبر 1973 م، ولكن ملحمة قوات مصر من الجيش والشرطة والشعب والكفاح المشترك رده على أعقابه ودحره بعد تكبيده الكثير من الخسائر فى الأرواح والعتاد.

فقد عاشت مدينة السويس أيامًا تاريخية بين 22 أكتوبر 1973 م ــ حتى 29 يناير 1974 م  تقاتل العدو وتدمره وتتمسك بانضباط السلوك القومى المحقق للصمود، فلقد خرق العدو اتفاقية إطلاق النار وتكررت محاولاته حتى وصل لمشارف السويس يوم 23 أكتوبر 1973 م وأحاط بها وعندئذ بدأت المدينة الباسلة تنظم دفاعاتها بحسب الخطة الدفاعية مع دعمها بأطقم اصطياد الدبابات من الفرقة 19 وقوات الصاعقة ووحدات الشرطة المجهزة وأفراد الدفاع الشعبى، ومن القاهرة يصل إليهم  صوت الرئيس الراحل السادات عبر الأثير للسويس  "لا تسليم القتال حتى آخر رجل الله معكم".

اجتماع في قسم الأربعين

وفى يوم 23 أكتوبر 1973م عقد ضباط الشرطة اجتماعًا بمبنى قسم شرطة الأربعين لمناقشة وسائل التصدى إذا ما حاول العدو اقتحام المدينة بالدبابات واقترح وقتها النقيب عاصم حمودة من ضباط قسم الأربعين أن يذوب رجال الشرطة بين أفراد الشعب مشاركين إياهم المقاومة الشعبية ثم حث الجميع على التبرع بدمائهم والعمل على جمع القادرين على حمل السلاح وأقسم الجميع على الفداء.

العدو يقصف السويس

وفى الساعة السادسة والربع من صباح اليوم التالى بدأت طائرات العدو فى قصف السويس بكثافة للإرهاب وبذر بذور اليأس فى نفوس المواطنين تمهيدًا لاقتحامهم المدينة واتجه العديد من المواطنين إلى مسجد الشهداء يلوذون ببيت الله ، فما كان من النقيب حسن أسامة إلا أن دخل المسجد واعتلى المنبر ليشيد بأهل السويس ويخاطبهم بحماس ويحثهم ويدعوهم إلى المزيد من العطاء ، فتسابق الجميع بالخروج حاملين أسلحتهم متوجهين إلى منافذ المدينة للمشاركة فى القتال. 

أما من لم يكن يحمل سلاحًا فقد شارك فى إطفاء الحرائق، كما راح المسنون يرشدون المواطنين إلى الملاجئ ويساعدون فى إخلاء الأحياء من المواقع التى كان يقذفها العدو، وغير ذلك من الجهود التى كانت مثلاً رائعًا للتناسق والتلاحم بين الشرطة والشعب. 

وفى نفس الوقت توجه النقيب عاصم حمودة إلى مستشفى السويس، وكان قد تجمع هناك بعض المواطنين يطالبون بتسليمهم الأسلحة الموجودة بغرفة المسئول العسكرى بالمستشفى، كما تجمع عدد من المصابين يحاولون الخروج للاشتراك فى المقاومة ويتدخل الضابط لتوزيع الأسلحة على القادرين ليكون منهم مجموعة مقاتلة خاصة. 

وقد انتشر فى ذلك الوقت نبأ تقدم دبابات العدو عبر طريق القاهرة- السويس إلى ناحية حى الأربعين، فاتجهت جماعات المقاومة إلى هناك، حيث التقت مع مجموعة المستشفى واعتلى المئات من جنود القوات المسلحة والشرطة وأفراد الشعب مبانى الحى شرقى وغربى شريط السكة الحديد استعدادًا لمواجهة الدبابات المعادية وكانت حوالى 30 دبابة تتقدم نحو المدينة حتى وصلت إلى ميدان الأربعين فى حوالى الساعة 12 ظهرًا، وفجأة أطلق أبطال المقاومة نيرانهم فأصابوا أول دبابة مما أعاق الطريق على المتقدمين واضطرت باقى الدبابات إلى الانحراف عن مسارها فاتحة بعضها إلى ناحية قسم شرطة الأربعين، وراح الباقى يشتبك مع أفراد المقاومة، وازاء اشتداد المقاومة ارتبك العدو وهرول أفراده إلى قسم شرطة الأربعين محاولين الاحتماء واحتفظوا بالموجودين داخل القسم كرهائن يساومون بحياتهم فى محاولة يائسة للخروج من هذا المأزق، حيث أن فرصة المقاومة فى اصطياد أكثر من 50 جنديًا من جنود العدو يقابلها أرواح الرهائن المصريين وهى غالية وتباينت الآراء. 

استشهاد الرائد نبيل شرف

فالبعض يرى محاصرة قسم الشرطة بدون هجوم حتى يستسلم العدو، بينما يرى البعض الآخر ضرورة الاقتحام مهما كانت التضحيات. 

واتفق الرائد نبيل شرف نائب مأمور قسم السويس والنقيب عاصم حمودة وتولى الثانى قيادة محاولة الاقتحام واضطلع الأول بمهمة التغطية وبدأت المعركة فاستشهد فيها الرائد نبيل شرف متأثرًا بإصابته.

استشهاد النقيب عاصم حمودة و4 من رجاله

وراح النقيب عاصم حمودة يطالب أفراد مجموعته بالثأر للشهيد متقدمًا نحو هدفه ويرافقه من رجال الشرطة الرقيب أول محمد سلامة حجازى، العريف محمد عبد اللطيف والعريف محمد مسعد والخفير محمد محمدين، ولكن الضابط أصيب برصاصة فى فخذه، واستشهد الرجال الأربعة المرافقون له وأسرع أحد الجنود بالضابط المصاب إلى المستشفى، إلا أنه استشهد فى الطريق نتيجة قذيفة مدفع أصابت السيارة.

وقام الرئيس الراحل أنور السادات بمنح نوط الواجب من الطبقة الأولى لاسمى كل من الشهيدين شرطة  الرائد/  نبيل شرف والنقيب / عاصم حمودة  فى تلك المعركة تكبد العدو خسائر فادحة وتم أسر 68 ضابطًا منهم قائد القوة الغاشمة للعدو وعشرات الجنود، وتستمر المقاومة حتى يوم 29 أكتوبر حين وصلت قوات الأمم المتحدة.

وقد استشهد من رجال الشرطة فى معارك السويس كل من الأبطال الآتية أسماؤهم:

الرقيب أول/ محمد سلامة إبراهيم حجازى ، والعريف/ محمد عبد اللطيف إسماعيل، والعريف محمد مصطفى حنفى، والعريف / محمد على الشيتى، والعريف / محمد سعد أحمد على ومعهم  8 من الجنود والخفراء فى بطولات اعترف بها العدو ذاته.