رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأول مرة.. مؤلّف «رسالة الإمام الشافعى» يرد على الانتقادات

جريدة الدستور

ردّ السيناريست محمد هشام عبية، مؤلف مسلسل «رسالة الإمام الشافعي»، على الانتقادات التي طالت المسلسل بشأن أخطاء تاريخية واستخدام العامية المصرية.


وأكّد عبيه في حوار مع "النهار العربي"، أن ثمة مستويين في أي عمل تاريخي، هما الوقائع التاريخية الثابتة، والدراما الواقعة بين الحوادث التاريخية، ومن المستحيل القيام بصناعة عمل تاريخي قائم على سرد الحوادث التاريخية فقط، وإلا أصبح عملاً وثائقياً.


وأضاف: "لدينا مساحة للدراما والخيال، إذ لا كتاب تاريخياً يسجل وقائع السنوات التي قضاها الشافعي يوماً بيوم في مصر، وبالتالي وجدت مساحة كبيرة للخيال في تصور أشياء مرت بها مصر في تلك الفترة، لكن المهم القيام بذلك استناداً إلى ما توفر من كتب ومراجع، فالتاريخ في المسلسلات التاريخية لا بد أن يتحلى بالمرونة بقدر يساعد على تقديم دراما جذابة من دون تغيير في الحقائق التاريخية المتفق عليها بدرجة أو بأخرى".


وُجهت انتقادات واسعة وحادة لاستخدام اللهجة المصرية ضمن الحوادث، هذا ما يبرره المؤلف بقوله: "في ذلك الوقت، كان العامة في مصر يتحدثون القبطية، ثم دخل الإسلام مصر ومعه العربية الفصحى لذلك الزمان، وتفاعلا معاً بمرور الزمن، ومن هنا نشأت العامية المصرية".


وأضاف: "من المؤكد أنه لم يكن كل المصريين يتحدثون الفصحي آنذاك، بل كثيرون منهم تحدثوا القبطية، فلجأنا إلى الاختيار الدرامي وهو مشروع ومتاح، خصوصاً أن "العامية" هي لغة وسيطة بين القبطية والفصحى، فجعلنا جمهور العامة من المصريين يتحدثون بها، لكن الفقهاء وأصحاب المناصب يتحدثون الفصحى بحكم أنهم مشتبكون في الدوائر التي تتحدث الفصحى، فكان الاختيار متعمّداً وله مبرره، قد يتقبله بعضهم أو يرفضه بعضهم الآخر وهذا حقهم".


ونوّه: "استعنّا بمراجعين لغويين، وحاولنا تقصّي مراحل تطور العامية حتى وقتنا الحالي، وكانت المشاهد العامية في المسلسل هي أكثرها إرهاقاً؛ لأننا وضعنا "ستايل بوك" للعامية المستخدمة ضمن المسلسل، كي لا تكون نفسها المستخدمة في زمننا المعاصر، وهناك بعض الكلمات التي استبعدنا استخدامها مثل كلمة "مش" - تستخدم للنفي في العامية المصرية - وكلمة (إزاي) بمعنى (كيف)، لأنها كلمات حديثة وربما لم تكن موجودة في ذلك الزمن البعيد".


واستطرد: "حاولنا الاجتهاد لكونها تجربة لم يسبق أن خطاها أحد في الأعمال الدرامية، وإن كان فيلما "الناصر صلاح الدين" و"المهاجر"، قد استخدمت فيهما العامية، وأعتقد أنه كان قراراً لتيسيير اللغة والحوار على الجمهور، وليس فقط لتوخي الدقة التاريخية، فأي عمل فني تظل به مساحة لاختيارات صناعه؛ كي يوصلوا رسالتهم بالأدوات التي يرونها، قد يتقبل البعض ذلك وقد لا يتقبله، لكن من حق صناع العمل اختيار الطريقة".

وعن واقعة اقتباس أبيات شعرية "وتضيق دنيانا ونحسب أننا.. سنموت يأساً أو نموت نحيبَا.. وإذا بلطف الله يهطل فجأة.. يُربِي من اليَبَس الفتات قلوبَا"، تحدّث مؤلف المسلسل، وقال: "هذه الأبيات متداولة ومنسوبة للإمام الشافعي بقوة؛ فهناك كثير من الأشعار المتواترة عنه، وهذه الأبيات تحديداً وردت ضمن مقالات مهمة لكتّاب كبار في صحف سعودية باعتبارها للشافعي، والشاعر السوري الذي يدعي أنها أبياته خاض هو نفسه نقاشات طويلة مع رواد موقع "فايسبوك"، إذ علقوا على منشوره قبل عرض مسلسلنا بسنوات يتهمونه بأنه اقتبس هذه الأبيات عن الشافعي، وهو قد أكد أنه كتب هذه الأبيات في عام 2014، وتحدى أن يأتي أي أحد بإشارة لهذه الأبيات قبل هذا التاريخ، وأنا شخصياً وجدت تداولاً لهذه الأبيات ونسبتها للإمام الشافعي قبل هذا التاريخ". 

وأشار عبيه إلى أن ثمة التباساً في الأمر، خصوصاً أن الشاعر السوري يقول إن هذه الأبيات ليست مسجلة في أيٍ من دواوينه، إذ كتبها فقط على حسابه الشخصي على "فايسبوك"، وهو لا يُعتبر مرجعية موثقة تؤكد أنها أبياته من عدمه.
لكنّ عبيه يشدد أيضاً على أن واقعة الأبيات الشعرية محل فحص من جانب صناع العمل للتيقن إذا ما كانت للإمام الشافعي، أم للشاعر السوري، وأوضح: "نحن في مرحلة البحث والتقصي، وهو أمر يتطلب وقتاً لحسمها، لكن إذا ثبت أن هناك خطأً من جانبنا فسنعلن عن ذلك".


رغم أن "ديوان الشافعي" جمع أشعار الإمام، وقد توجب على صناع العمل مراجعته، لكن عبيه يفسر ذلك يقوله: "جمع هذا الديوان ما تيسر من أشعاره وليس كلها، ويتضمن أكثر من إصدار وبعضها ليس موثقاً، وقد حرصنا على الاستعانة بالنسخة المعتمدة من الأزهر الشريف، وللأمانة هذه الأبيات التي استخدمناها ليست موجودة في هذا الديوان، لكن الثابت أن هناك أشعاراً أخرى منسوبة له وليست مسجلة في هذا الديوان؛ لذا يبقى الأمر سجالاً".


وبسؤاله أين ممكن أن تكون قد سجلت هذه الأبيات أوضح: "في كتب أخرى متناثرة ليست من تأليف الشافعي لكنها عنه. وحتى في "ديوان الإمام الشافعي" الذي جمعه تلاميذه ومن ثم تناقلته الأجيال من زمنٍ إلى آخر، قد يكون هناك أبيات شعرية ساقطة أو أخرى مضافة إليه... فالأمر ليس محسوماً".


وعن أسبابه ودوافعه لكتابة هذا العمل قال المؤلف: "لا أدّعي البطولة، لكنها رغبة الشركة المنتجة، إذ ارتأت أنه آن الأوان بعد سنوات طويلة من غياب مصر عن إنتاج مسلسل تاريخي بالمعنى الواسع، لذا جاء القرار بإنتاج مسلسل عن الإمام الشافعي، لأن شخصيته ما زالت مؤثرة إلى اليوم في مصر، وكان وجوده في فترة زمنية مهمة من التاريخ المصري، لذا يعتبر مسلسلاً تاريخياً - دينياً".


وأشار إلى أن الإقدام على كتابة هذا العمل مغامرة لأنها تتطلب مزيداً من الوقت مهما تم التحضير لها، وأضاف: "هذا العمل كانت ظروفه مرهقة لأنني انضممت للمشروع في مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وكانت قد كُتبت حلقة واحدة فقط منه، بجانب المعالجة الدرامية، ثم استكملت الكتابة مع فريق الكتابة الموجود، كما أن العمل يعتبر مغامرة على كل الأصعدة، سواء الشخصيات التي نتناول جزءاً من سيرتها، والفترة الزمنية التي تدور خلالها حوادث المسلسل، والحساسية المتوقعة دائماً مع أي عمل يتناول شخصية ذات أثر ديني".


قال بعض المغالين إن هذ العمل تشويه للإمام الشافعي وهو ما يرد عليه المؤلف بقوله: "أعتقد أن من يرى أن المسلسل يشوه صورة الإمام الشافعي هو من يعاني تشوهاً داخلياً، بالعكس رسالة المسلسل هي اقتباس شيء من سيرة الشافعي ومسيرته كي نلقي الضوء على هذه الفترة، وتوضيح كفاحه من أجل العلم وتدوينه وتحسين حياة الناس والإشارة إلى سماحة الإسلام باعتباره ديناً متطوراً وراقياً ويقدم دعوة للتعايش مع الآخرين، فهذا لا يعد تشويهاً بل تقديم صورة عن سماحة الدين الإسلامي".


وأضاف: "أعتقد أن أي عمل فني ناجح ومؤثر هو الذي يدعو إلى البحث والتفكير، إذا تحقق ذلك من الإمام الشافعي فهو المبتغى، وأعتقد أنه تحقق في الحلقات الأولى من المسلسل، وكل شخص من حقه استقبال الرسائل كيفما شاء، فهناك احتفاء من الجمهور بالمسلسل ومؤشرات محركات البحث تعكس ذلك، بحثاً عن الإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد وتراثه وكل التفاصيل التي ذكرت ضمن الحلقات، وهذا هي خير دليل".


هناك انتقادات موضوعية ومنطقية للعمل، وبينها الأبيات الشعرية واستخدام اللغة العامية، بينما هناك مواضع أخرى تعد اصطياداً للأخطاء، وبينها انتشار بعض الصور التي تشكك في العمل، إذ ظهر النبوي بملابس رثة وفي خلفيته بناية بالطوب الأحمر، والتي لا تتلاءم مع أنماط البيوت والعمارة لذلك للعصر، بجانب انتشار صورة أخرى له مرتدياً نظارة طبية، واتضح أنها صور مقتطعة من كواليس تصوير العمل.


ويرى عبيه أنه ليس اصطياد أخطاء لكنها صناعة للأشياء الجدلية حول العمل، وهي لقطات لم تظهر في العمل، ومهندس الديكور هو عادل المغربي، أحد أهم مهندسي الديكور في العالم العربي وقام بعمل مجهود ضخم وبناء مدينة الفسطاط في مدينة الإنتاج الإعلامي وفقاً للطراز العمراني الخاص بها آنذاك. والمهتمون بالتاريخ العمراني سيلمسون المجهود المبذول في هذا الصدد.


يذكر أن حوادث "رسالة الإمام" حول السنوات الأخيرة من حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي التي عاشها في القاهرة، ويتعرض المسلسل لإسهاماته والمواقف الجدلية التي عاشها واستقراره في القاهرة مركز نشره مذهبه، بوصفه أحد رواد علم التفسير ومؤسس علم أصول الفقه، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنّة.

وحول أسباب اختيار السنوات الست الأخيرة من حياته وليس كل سيرته فسّر عبيه قائلاً: "وجدنا أن السنوات التي قضاها الشافعي في مصر كانت مؤثرة جداً؛ لدرجة أنه تقريباً أعاد إنتاج فقهه مرة أخرى كاملاً، كما أن منجزه العلمي يكاد يكون أضعافاً في مصر مقارنة بالسنوات التي قضاها في العراق والحجاز".
وتابع: "كما ارتأى صناع المسلسل اختيار فترة زمنية ذهبية ومثيرة في حياة الإمام الشافعي وتاريخ مصر لتسليط الضوء عليها، وهو اتجاه موجود لدى صناع المسلسلات التي تتناول السير الذاتية، فليس بالضرورة أن نتتبع حياته من المنشأ حتى الوفاة، لكن اقتناص فترة مهمة وثرية درامياً في حياته".
يشار إلى أن العمل من  بطولة خالد النبوي، وإخراج السوري الليث حجو، وتأليف محمد هشام عبيه، وهو مؤلف عدد من الأعمال التلفزيونية الناجحة أخيرها مسلسل "بطلوع الروح" رمضان الماضي.