رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكاسب رفع الفائدة: الحفاظ على الاستثمارات والحد من «الدولرة»

جريدة الدستور

قال خبراء اقتصاديون ومحللون مصرفيون، إن قرار لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزى المصرى، أمس الأول، برفع أسعار الفائدة ٢٪ يعود إلى عدة عوامل، من أهمها محاولة كبح جماح التضخم، والحفاظ على الاستثمارات القائمة فى مصر حاليًا، بعد رفع أسعار الفائدة فى عدد من البنوك المركزية بالعالم، بالإضافة إلى الحد من "الدولرة".

وأضاف الخبراء، الذين تحدثت إليهم "الدستور"، أن رفع "المركزى" سعرى عائدى الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع ٢٠٠ نقطة أساس، ليصل إلى ١٨.٢٥٪، و١٩.٢٥٪ و١٨.٧٥٪، على الترتيب، مع رفع سعر الائتمان والخصم أيضًا ليصل إلى ١٨.٧٥٪، يعكس مواكبته التطورات العالمية والمتغيرات فى الأسواق الدولية، واتخاذه القرار وفقًا لما يراه مناسبًا لأداء الاقتصاد الوطنى.

مواجهة الضغوط التضخمية المستقبلية ودعم الجنيه

وصف معتصم الشهيدى، الخبير الاقتصادى، قرار "المركزى" برفع أسعار الفائدة بأنه «استباقى»، مشيرًا إلى أن الرفع بنسبة ٢٪ يعكس توقع المزيد من التضخم مستقبلًا، لذا تم رفع الفائدة لمواجهة الضغوط التضخمية الحالية والمستقبلية. وقال "الشهيدى": "من المعتاد أن تتجه البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة لأكثر من عامل، أولها محاربة التضخم، وثانيها دعم العملة المحلية، والمركزى المصرى يسعى لدعم العملة المحلية وهى الجنيه بعد الارتفاعات الكبيرة فى سعر الدولار أمامه".

وأضاف: "الهدف الاقتصادى من رفع الفائدة بـ٢٠٠ نقطة أساس يتمثل فى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من الضغوط التضخمية نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، ما يزيد الضغوط على الجنيه، وبالتبعية يؤثر على مستويات الأسعار بشكل واضح، وهذا الرفع يهدف إلى سحب المزيد من السيولة للجهاز المصرفى، ما يؤدى إلى الحد من تسارع وتيرة التضخم".

وواصل: "حل أزمة نقص العملة الأجنبية، الناجمة عن عجز ميزان المدفوعات والميزان التجارى، يتمثل فى العمل على ضبط الميزان التجارى، ثم إعادة النظر فى ميزان المدفوعات، ما يعنى أن الفترة الحالية تحتاج إلى رفع معدلات الصادرات وترشيد الواردات بشكل أساسى، مع إعادة النظر إلى ميزان المدفوعات".

وأكمل: "علينا السعى إلى مد آجال الديون، سواء قصيرة أو طويلة الأجل، وهى خطوة فى غاية الأهمية لتخفيف الطلب الدولارى، بالإضافة إلى ضرورة البحث عن نقاط القوة فى الاقتصاد المصرى، فمثلًا علينا تشجيع قطاع السياحة عبر خلق المزيد من التيسيرات لجذب السائحين من الخارج، واتخاذ قرارات استثنائية خلال هذه الفترة، مثل تسهيل إجراءات منح التأشيرات أو إعداد حملات ترويجية لجذب مزيد من السائحين".

ودعا "الشهيدى" إلى استغلال أزمة السياحة التى تواجه بعض أسواق المنطقة حاليًا، لإعادة توجيه هؤلاء السائحين إلى مصر، مع تغيير المقاصد السياحية المصرية، وعدم قصرها على مدينة شرم الشيخ ومنطقة البحر الأحمر فقط، وإضافة مدن الساحل الشمالى إليها، لافتًا إلى أن الاهتمام أكثر بالسياحة سيكون فرصة حقيقية لتكوين رصيد دولارى قوى.

وأضاف أن الخطوة الثانية التى يجب العمل عليها لتخفيف الطلب الدولارى وتقليل الضغط على الجنيه، تتمثل فى العمل على خلق مناخ استثمارى مباشر وجاذب، مع البحث عن زيادة الاستثمارات وتنشيطها فى أكثر من مجال، وجذب الاستثمارات المباشرة من خلال منح مزيد من التسهيلات الكبيرة وغير المسبوقة، دون اعتبار أن الطروحات الحكومية فقط هى محور جذب الاستثمارات.

واختتم بقوله: "جذب الاستثمار طويل الأجل سيمنح مصر فرصة ذهبية لتكوين رصيد دولارى، ومن ثم سداد الالتزامات الدولارية، لذا علينا خلق طرق جديدة لمنح المزيد من الرخص الاستثمارية، وترخيص أنشطة لم نطرحها من قبل، وهو ما ينعكس فى إتاحة مزيد من العملة الصعبة للبلاد".

امتصاص السيولة.. ومطالب بتسريع الطروحات الحكومية 

قال أحمد السيد، الخبير الاقتصادى، إن رفع "المركزى" أسعار الفائدة جاء متماشيًا مع توقعات كثير من المحللين والخبراء، مشيرًا إلى أن وصول معدلات التضخم إلى نسب قياسية تجاوزت ٤٠٪، لا يترك كثيرًا من الخيارات أمام لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى، خاصة أن اجتماعها السابق شهد تثبيت أسعار الفائدة انتظارًا لمتابعة تطورات استجابة التضخم للزيادات التى تمت على الفائدة فى الفترة الماضية. وأضاف "السيد": "العديد من البنوك المركزية فى العالم كان لديه رفاهية تهدئة حدة رفع أسعار الفائدة خلال الفترة الأخيرة، نظرًا للاستقرار النسبى لمعدلات التضخم مؤخرًا نتيجة استقرار أسعار السلع عالميًا، لكن الوضع فى مصر مختلف، حيث استمرت أسعار السلع فى الارتفاع، كما يتضح من بيان (المركزى) أنه يتوقع المزيد من الارتفاع خلال مارس الماضى، الذى يتزامن مع زيادة الطلب الموسمى فى شهر رمضان، ما يعنى أن مستويات التضخم قد تقفز إلى حدود ٤٢٪". وواصل: "فى حال حدوث أى تخفيض جديد فى سعر العملة فسيؤدى ذلك إلى المزيد من الارتفاع فى معدلات التضخم، وبالتالى لم يكن هناك بديل أمام البنك المركزى إلا أن يركز على الاستمرار فى محاولات امتصاص السيولة من السوق المحلية من خلال رفع معدلات الفائدة".

 وتوقع استمرار رفع معدلات الفائدة بنحو ٢٪ إضافية خلال النصف الأول من العام الجارى، مشيرًا إلى ضرورة استيعاب أن المسئولية لا تقع على عاتق البنك المركزى وحده، خاصة أن أدوات السياسات النقدية غير قادرة وحدها على السيطرة على التضخم فى ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التى يمر بها الاقتصاد المصرى، الأمر الذى يقلل من استجابة معدلات التضخم لسعر الفائدة.

وتابع: "غالبية التضخم لا تأتى بسبب زيادة معدلات السيولة أو نقص المعروض بقدر ما تأتى بسبب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وتوقعات المضاربين بمزيد من التخفيض فى سعر العملة، لذا تستمر الأسعار فى الارتفاع، ما يعنى أن البعد الأهم فى الأزمة حاليًا هو الدولار، ورفع معدلات الفائدة أو تقديم شهادات بنكية بفائدة أعلى سيمثل حافزًا لحائزى الدولار للتنازل عنه، وهذا التنازل لن يتم إلا عندما يشعر حاملو الدولار أن الدولة لديها حصيلة دولارية قوية تفى بمتطلباتها".

وطالب الخبير الاقتصادى بالبحث عن سياسات اقتصادية داعمة للسياسة النقدية، وفى مقدمتها الإسراع فى برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة، لتوفير إيرادات دولارية تساعد على تقوية قدرة البنك المركزى على السيطرة على الدولار، وتغطية الفجوة الدولارية، وكذلك إعادة التفاوض مع المنظمات الدولية لتأجيل بعض أقساط الدين الخارجى، وهو اتجاه عالمى يطالب به كثير من المؤسسات الدولية حاليًا، نظرًا لتفاقم حالة الديون الخارجية فى كثير من الدول النامية. 

وشدد على أنه "لا مانع من دراسة تقديم شهادات دولارية ذات عائد مرتفع، أى بنسبة ٧ إلى ٨٪ وهو أقل ما ستدفعه الدولة عند الاقتراض من الأسواق العالمية، مع السماح للعاملين بالخارج والأجانب بالاستثمار فى مصر، خاصة الأشقاء بالخليج، الذين يرغبون بالفعل فى الحصول على عوائد مرتفعة على الدولار".

ونبه إلى أهمية استمرار الرقابة على الأسواق والتدخل لإصلاح الاختلالات فى السوق، عبر توفير السلع الأساسية بكميات كبيرة لعدم تمكين التجار من استغلال الأوضاع وفرض زيادات غير حقيقية فى الأسعار، وكذلك الاستمرار فى برامج دعم محدودى الدخل، من خلال التوسع فى توفير السلع الأساسية للمواطنين بشكل مباشر.

الوصول لتوقعات التضخم المستهدفة فى آخر 2024

أكد هانى جنينة، الخبير المصرفى والاقتصادى، أن قرار البنك المركزى برفع الفائدة ٢٠٠ نقطة مئوية "سليم جدًا"، خاصة أنه يضمن استعادة السيطرة على توقعات التضخم بما يتوافق مع مستهدف البنك المركزى فى آخر ٢٠٢٤.

وقال "جنينة": "الأهم هو إشارة البنك المركزى بصورة واضحة إلى أن ارتفاع معدلات التضخم الحالية ناتج عن مزيج من صدمات العرض والطلب، والأخيرة ناتجة عن تسارع النمو فى المعروض النقدى، وهذه الإشارة مهمة وجادة لإيضاح سبب رفع الفائدة كأداة للسيطرة على الطلب المحلى".

الحفاظ على قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى

رأى الدكتور محمد عبدالهادى، الخبير الاقتصادى، أن البنك المركزى اتجه إلى رفع أسعار الفائدة بـ٢٪ نتيجة عدة عوامل جاءت مجتمعة، بعضها داخلى والآخر خارجى، تمثلت فى وصول التضخم إلى مستوى ٤٠٪، الأمر الذى جعل رفع الفائدة قرارًا واجب النفاذ.

وأضاف "عبدالهادى": "العام الماضى شهد رفع الفائدة بنسبة ٨٪، على خلفية عدد من الأحداث المحورية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وتسارع وتيرة زيادة الأسعار على المستوى العالمى وبالتبعية على الأسعار فى مصر، التى رفعت التضخم لمستويات كببيرة، إضافة إلى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار فى العقود الآجلة ووصوله إلى مستوى الـ٤٠ جنيهًا للدولار، الأمر الذى يستدعى رفع الفائدة بغرض الحفاظ على قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى". وواصل الخبير الاقتصادى: "مصر لم تكن بمعزل عن التطورات العالمية، خاصة بعد اتجاه البنك الفيدرالى الأمريكى لرفع أسعار الفائدة إلى ٥٪ وسط ترقب لمزيد من الارتفاعات إلى حدود ٥.٢٥٪ خلال ٢٠٢٣، وهو القرار الذى اضطرت البنوك المركزية العربية والإقليمية والعالمية إلى مواكبته للحفاظ على الفرص الاستثمارية وتلافى هروبها لأسواق أخرى تتوافر بها فرص استثمارية بعوائد أعلى خاصة الأموال الساخنة". ووصف "عبدالهادى" قرار رفع الفائدة بالخطوة الاستباقية للحفاظ على الاستثمارات الحالية، بعد عمليات رفع الفائدة للمرة الثانية فى الأسواق العالمية، خاصة أن البنك المركزى المصرى ثبت الفائدة خلال فبراير الماضى. وطالب الخبير بضرورة الاستفادة من الظروف الحالية، خاصة أنه من المتوقع استمرار انتهاج مرونة فى سعر الصرف من قبل البنك المركزى، وهو الأمر الذى يتطلب إصدار شهادات بنكية بالدولار ذات عائد مرتفع. وأوضح أن هذه الخطوة تساعد على جذب سيولة دولارية للقطاع المصرفى المصرى، وتوجيه ضربة قوية للسوق السوداء ومن ثم القضاء على "الدولرة"، خاصة من قبل المصريين العاملين فى الخارج، ما يسهم فى توحيد سعر الصرف واستقراره عند مستويات سعرية مقبولة، الأمر الذى يتبعه جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والعربية، كون السوق المصرية عامرة بالفرص الاستثمارية خلال الفترة الراهنة.

احتواء تداعيات «كورونا» والحرب الروسية

أرجع سمير رءوف، الباحث الاقتصادى، قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض إلى ارتفاع معدلات التضخم الكلية خلال الشهرين الماضيين وعلى مستوى العام الماضى بالكامل، بنسب مختلفة وبتأثر كبير.

وقال "رءوف": "هذه الخطوة هدفها كبح جماح التضخم المفرط الذى سيجبر البنوك على إصدار شهادات إدخار جديدة تتخطى مستويات التضخم الذى قارب على ٤٠٪، الذى يعد الأعلى فى تاريخ الاقتصاد المصرى".

وأضاف: "التضخم المفرط الذى يعانى منه الاقتصاد ليس ظاهرة محلية، لكنه ظاهرة مستوردة نتيجة تعثر سلاسل الإمداد والتوريد العالمية منذ ذروة جائحة فيروس (كورونا) وما نتج عنها من حالة إغلاق عام، تلتها فترة تعاف صاحبتها زيادة الطلب على المواد الغذائية الاستهلاكية بشكل كبير والمواد الأولية المستخدمة فى التصنيع لتعويض فترة الخمول، مع ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا".

وواصل: "تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى الكلية ظاهرة عالمية، وبيانات البنك المركزى تشير إلى أن التباطؤ قارب على ٤٪ مع نقص العملات الأجنبية نتيجة ارتفاع تكلفة الدين الخارجى لمصر وسداد أجزاء من التزامات القروض الخارجية، مع استمرار محاولات إنعاش السياحة وخدمات النقل اللوجستية لتدبير سيولة دولارية لسد الفجوات المالية من نقص النقد الأجنبى".

أرباح كبيرة للبورصة خلال الفترة المقبلة

اعتبر محمود عطا، الخبير الاقتصادى، قرار رفع الفائدة ٢٪ على الإيداع والإقراض، محاولة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة التى وصلت إلى ٤٠.٣٪، مشيرًا إلى أن الاستمرار فى سياسة "التشديد النقدى" جاء نتيجة المشهد الاقتصادى المرتبك عالميًا، والاستمرار فى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين.

وقال "عطا": "الاستمرار فى رفع الفائدة هو الأداة الوحيدة فى مثل هذا التوقيت للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، بالرغم من التأثير السلبى لسياسة التشديد النقدى على غالبية الأنشطة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الاقتراض، ما قد يؤثر سلبًا على السياسة وتوسيع الاستثمارات لدى غالبية الشركات على المدى القصير".

وتوقع أن تترجم السوق قرار البنك المركزى فى صورة إصدار شهادات ادخارية بعائد مرتفع، خاصة مع انتهاء أجل الشهادات ذات عائد الـ١٨٪، بجانب تحريك لسعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار.

كما توقع أن تؤثر قرارات "المركزى" على أداء البورصة المصرية سلبًا، لكن على المدى القصير، نظرًا للعلاقة العكسية بين بيئة الفائدة المرتفعة وحركة أسواق المال عامة، مضيفًا: "على المدى المتوسط فقد تكون عملية تحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار هى إحدى الدعائم الرئيسية لحركة البورصة المصرية، وإحدى أهم الطرق لتنفيذ العديد من الصفقات داخل البورصة المصرية وفقًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة، بما يجعلها تحقق مكاسب خلال الفترة المقبلة".