رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«انتظرتك طويلًا».. سيدات تُرزق بأطفال بعد سنوات من التعطش للإنجاب (ملف)

الإنجاب
الإنجاب

سنوات عجاف مرت على أمهات كثيرات حُرمن من الإنجاب لمدة طويلة منذ بداية زواجهن، ولأن المجتمع الشرقي لا يرحم سيدة تأخرت بقضاء الله في أن تُرزق بطفل، دخلن في مشكلات نفسية وجسدية كبيرة، ما بين كلمات لها وقع الصاعقة على نفوسهن، وما بين أدوية وجراحات في سبيل الحصول على لقب الأم، وعانين طويلًا ليخلق الله بداخلهن هذه النطفة التي تصبح كائنا صغيرًا تحمله بين أناملها فور وصوله إلى الدنيا بعد 9 أشهر.

في السطور التالية لن نحكي لك قصص مثالية عن معاناة الأم مع أبنائها، إنما حكايات عن أمهات طال انتظارهن لسماع كلمة "ماما".

هدى: 10 سنوات ألهث وراء الإنجاب 

قصتنا الأولى كانت مع هدى عامر، 40 عامًا، تعمل في مجال التنمية البشرية، تروي لنا أنها تزوجت عن قصة حب كبيرة حاربت فيها كل ما اعترض طريقهما، وتُوجت تلك المحاولات بحفل زفاف بسيط حقق السعادة لهما منذ 5 سنوات، واتفقا على تأجيل الإنجاب لحين استقرار أوضاعهما المادية، فمرت السنة الأولى بلا مشكلات ثم اتجها إلى طبيب نساء وتوليد لمتابعة أحوالهما وإمكانية الإنجاب، فظهرت مشكلة بناء عليها طلب الطبيب إشاعات للتأكد من أن كل شيء على ما يرام.

تتابع هدى حديثها مع "الدستور" متذكرة تلك الأيام الأليمة، بأن ظهر لديها ورم في الرحم، ما استدعى دخولها عمليات، أسفرت عن استئصال المبيض الأيمن، ورغم العلاجات التي واظبت عليها إلا أن جسمها لم يتوقف عن تكوين أورام وتكيسات شديدة، ولكن رغبتها في أن تصبح أم لم تنقطع رغم أن المؤشرات الطبية كانت توحي بأن نسبة تحقيق هذه الرغبة ضئيلة، أجرب بعدها 3 عمليات أخرى ما بين حقن مجهري وأطفال أنابيب لكنها محاولات باءت بالفشل.

"حب عمري كان يستاهل إني أحارب الدنيا عشانه، مسابنيش حتى لما حس إني ممكن مخلفش طول حياتنا، ولما حد بيلقح عليا بالكلام بيصده"، كلماتها كانت ممزوجة برغبة في البكاء، لكنها تماسكت وتابعت أن إحساسها بأنها "مش ست كاملة" كاد يقتلها، ففكرت وزوجها أن الله لم يكتب لهما الإنجاب لخير لا يعلملاه فلم لا يتوجهون لأقرب دار أيتام لكفالة طفل يعوضهما عما حُرما منه، ونفذا تلك الخطوة، لكن واتتهما فرصة للسفر والعمل خارج مصر، فحرمتهما من رؤية الطفل الذي كفلوه بصفة مستمرة لوجود ما يمنع سفره معما لأسباب قانونية، وباتت الرؤية في أوقات الإجازات فقط، قبل أن يفقد الطفل حياته، فكان الأمر صعبًا عليها لتتقبله "كأن ابننا اللي من صلبنا مات"، فدخلت في حالة من الاكتئاب لفترة طويلة.

ولطول مدة اكتئابها، اقترح عليها زوجها زيارة دار أيتام أخرى لكفالة طفل آخر، رفضت في البداية لصعوبة التجربة الأولى على قلبها، لكن مع الوقت شعرت أنه الحل لتخرج عن اكتئابها، وبالفعل كفلا طفلة أخرى وتعلقت بها أكثر من الطفل الأول فتطوعت في الدار لتصبح أما بديلة لها، لكن فرحتها لم تدم بسبب إغلاق الدار وتوزيع الأطفال على دور أخرى، ولسوء حظها لم تتمكن من الوصول للطفلة مرة أخرى، لكن تلك المرة نزل على قلبها هدوء كبير وفوضت أمرها لله، كان كل حديثها مع الله: "راضية بقضائك"، وتناست الأمومة وركزت فقط على تنمية مهاراتها، بعد 10 سنوات زواج وأثناء ممارسة بعض الأعمال المنزلية شعرت بتعب وغثيان فنقلها زوجها إلى أقرب مستشفى وكانت المفاجأة أن أخبرها الطبيب: "أنت حامل".

انهمرت دموعها من الفرحة، ولم تصدق الخبر طوال فترة الحمل حتى وصلت طفلتها إلى الدنيا: "أول ما ولدت كنت بلمسها كتير واتأكد إنها بجد مش حلم، مكنتش مصدقة إني ربنا عوضني بأحلى بنوتة في الدنيا".

نادية: رزقني الله بـ3 أطفال بعد سنوات من الانتظار

قصتنا التالية ليست أقل مرارة من الأولى، بل تحمل في طياتها رحلة من الألم والأمل، الدكتورة نادية المصري، أستاذة جامعية، صاحبة الـ45 عامًا، تقول إنها ظلت 5 سنوات من زواجها دون أطفال رغم محاولاتها الإنجاب من خلال زيارة عدد كبير من الأطباء وإجراء العمليات والانتظام على الأدوية لكن دون جدوى، وفي السنة السادسة لها كانت هديتها في يوم ميلادها أن دبت الروح داخلها بعد إجراء عملية طفل الأنابيب، وأجرت الفحوصات لتكتشف أنها تحمل طفلة داخل أحشائها، لم تسعها الفرحة وظلت تنتظر لحظة وصولها للدنيا بفارغ الصبر، وكانت تحدثها في كل شىء كأنها تجلس معها.

لم تكتمل فرح "نادية"، تروي لـ"الدستور" بنبرة حزن، إنه بعد ولادة الطفلة بيومين أصابتها سكتة قلبية مفاجئة، واختارها الله لتصعد روحها إليه تاركة أمها في بحر من الأحزان، لكن "نادية" لم تيأس ودخلت في دوامة العمليات مرة أخرى، ونجحت إحداها بعد عام من المحاولات لتُرزق بطفلة أخرى، وظلت تحت الرقابة الطبية لمدة شهر للتأكد أنها معافاة من أي مشكلات، ودخل السرور إلى قلب الأم المكلومة من جديد، وقررت هذه المرة عمل عقيقة وتفرقة كل لحمها لوجه الله شكرًا لله على عطيته، إلا أن فرحتها لم تدم طويلًا.

بعد أسبوع من ولادة الطفلة، تحديدًا يوم العقيقة، فوجئت الأم وهي تحاول إيقاظ الطفلة أنها ماتت، وهرعت بها إلى المستشفى التي أجرت لها الفحوصات اللازمة، وأثبتت التقارير الطبية أن الوفاة سببها سكتة قلبية مفاجئة أيضًا، فتسلل إلى قلبها حزن يساع العالم بأكمله لكن ليس باليد حيلة.

وشارفت "نادية" سن الأربعين، والذي كانت معلوماتها عنه أنه من الصعب الحمل بأطفال في هذه السن، فارتضت قدرها ولم تفكر في الحمل نهائيًا ولم تسع إليه مرة أخرى، خشية أن يصيبها الألم والحزن من جديد، فكان كل ما يشغلها زوجها، حيث طلبت منه الطلاق ليستطيع الزواج بأخرى قادرة على إنجاب الأطفال له، فهي اقتنعت بما نعتها به الناس "أرض بور"، إلا أن زوجها رفض طلبها وأكد لها أنه يحبها ولا يريد الإنجاب نهائيًا طالما هذا قدر الله لهما.

بعد 13 عامًا من الزواج، شعرت "نادية" ببعض الألم وتأخرت دورتها، فتصورت أن هذا التأخر سبب الألم، فأخذها زوجها ليعرفا سبب هذا الألم، وبعد الفحوصات أكدت لها الطبيبة أنها حامل في الشهر الثالث، لم تصدق كلمات الطبيبة وسجدت شكرًا لله على ما أهداها به، وفي الشهر الرابع أجرت فحوصات الكشف عن نوع الجنين لتكتشف أنها حامل في ثلاثة توائم، فتقول مختتمة حديثها: "كرم الله واسع لا نعرف حكمته من التأخير لكنه يراضينا من حيث لا ندري ولا نحتسب".

دنيا: نزل على قلبي صبر مكنتش أتخيله

قصتنا الأخيرة كانت مع دنيا عبدالله، 37 عامًا، تعمل أخصائية نفسية في إحدى المدارس محافظة البحيرة مدينة السادات، تقول إنها بعد الزواج ظلت تحاول الإنجاب، من خلال الذهاب لأكثر من طبيب وتجربة الأدوية التي يقترحونها لها، وإجراء عدد من التحاليل، لكن لا فائدة، وبعد 3 سنوات نصحها أحد الأطباء بالحقن المجهري لكن تلك المحاولة لم تنجح أيضًا، فما كان منها إلا أن فوضت أمرها لله وقررت نسيان الأمر إلى أن يأذن الله بحملها.

"نزل على قلبي صبر مكنتش أتخيله"، تتابع "دنيا" حديثها مع "الدستور"، أنه خلال تلك الفترة رُزق اثنين من أخواتها بأطفال، فكانت تشعر أنهم أطفالها وتتعامل معهم بهذا المنطق، وعاد الحنين إلى الأمومة مرة أخرى بعد 5 سنوات من الزواج، وزارت أحد الأطباء، الذي نصحها بعمل منظار، وكانت نتيجته مرضية للطبيب، لكنه أكد لها أنها لن تنجب إلا بالحقن المجهري، ولكن إمكانياتها المادية لم تكن تسمح وقتها، فلم يكن لها إلا أن تدعو الله أن تخيب كل الظنون ويرزقها، وبالفعل بعد 5 أشهر من عمل المنظار اكتشفت أنها حامل، ليرزقها الله بابنها بعد سنوات من المعاناة.

وعن صعوبات هذه المدة، تروي أن هناك كثيرا من الأشخاص الذين تعمدوا جرحها بكلامهم، وكان منهم من يخاف على أطفاله منها، ومنهم أخت زوجها التي كانت لا تخبرها بحملها، حين تذهب للمباركة على المولود الجديد كانت تُخبئ الطفل منها، ومرات أخرى كانت والدة زوجها وأخته ينصحان زوجها بأن يتزوج عليها، مشيرة إلى أن هناك أشخاصا آخرين كانوا يريدون مساعدتها من خلال نصحها بالذهاب إلى أطباء معينين وكان منهم من يعطيها منشطات دون عمل تحاليل لمتابعة حالتها، أو نصحها بالطرق مثل الذهاب للمقابر واتباع أساليب الدجل، وهو ما كانت ترفضه تمامًا، مختتمة حديثها بقولها: "بعد سنين تعب ومعاناة ربنا رضاني بابني".