رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«شوف بنفسك».. «الدستور» فى محطة «الدلتا الجديدة» لمعالجة الصرف الزراعى: 7.5 مليون متر من المياه يوميًا تكفى لزراعة 500 ألف فدان

محطة «الدلتا الجديدة»
محطة «الدلتا الجديدة»

فى الطريق من القاهرة إلى محور «الضبعة- مطروح»، تبدل جزء من جانبيه إلى أراض خضراء، ضمن مشروع الدلتا الجديدة لزراعة ٣.٥ مليون فدان، وفى مدينة الحمام التابعة لمحافظة مطروح، تجول وفد من طلاب جامعة الإسكندرية، وسط ٦ آلاف مهندس وعامل شكلوا خلية نحل يواصلون العمل ليل نهار، لمعرفة أبعاد المشروع الضخم، ضمن مبادرة «شوف بنفسك» التى أطلقتها القوات المسلحة، لإطلاع الشباب والمواطنين على المشروعات القومية العملاقة وأثرها الإيجابى على الاقتصاد. 

وحسب مسئولى المشروع، ممن رافقوا وفد طلاب كليات الهندسة والتجارة والزراعة والحقوق والعلوم والآداب بجامعة الإسكندرية، الذين كانت «الدستور» معهم، خلال جولة لإطلاعهم على التفاصيل، فإن محطة الدلتا الجديدة لمعالجة الصرف الزراعى بمنطقة الحمام، هى جوهرة تاج وشريان الحياة للمشروع لزراعة ٥٠٠ ألف فدان، إذ ستوفر ٧.٥ مليون متر مكعب من المياه يوميًا من إجمالى ١٢.٥ مليون متر مكعب مطلوبة لمنظومة الدلتا الجديدة، لافتين إلى أن هذا المشروع القومى جزء من استراتيجية الدولة لتوسيع الرقعة الزراعية فى مصر، وتطوير منطقة غرب الدلتا، وإنشاء مجتمعات مستدامة جديدة.

وفى إجابة عن سؤال وجهه أحد الطلاب لمهندسى ومسئولى المشروع حول ما يميز المحطة عن غيرها من محطات معالجة مياه الصرف الزراعى، لفتوا إلى أن المحطة تعد أكبر محطة معالجة صرف زراعى فى العالم، إضافة إلى أنه جرى إنشاؤها خلال ٢٢ شهرًا فقط بأيادٍ مصرية، وتتميز بموقعها الجغرافى، حيث تقع على محور الضبعة، ويمكن أن يصل إليها نحو ٣٢٪ من سكان الجمهورية فى أقل من ٣ ساعات.

٣ قطاعات لإنتاج المياه.. حفر آبار عملاقة.. و٢٧ مليون ساعة عمل لإنجاز المشروع

قال مدير المشروع، المهندس وليد محمد، لـ«الدستور»، إن المحطة تتكون من ١٣١ مبنى مقسمة إلى ٣ قطاعات، كل قطاع ينتج ٢.٥ مليون متر مكعب من المياه المعالجة يوميًا، لافتًا إلى أن مقاول المشروع هو أكبر تحالف فى شمال إفريقيا وهو اتحاد شركات «ماتيتو، وأوراسكوم، والمقاولون العرب، وأبناء حسن علام».

وعن أبرز التحديات التى واجهت فريق العمل أثناء التصميم والتنفيذ وكيف جرى التغلب عليها، أشار إلى أنه فى يوم ٢٩ يونيو ٢٠٢٢ جرت زيادة سعة المحطة من ٦ إلى ٧.٥ مليون م٣/ يوم، وبالتالى تم تغيير مساحات وأبعاد المبانى فى فترة الحفر وتجهيزات الموقع بما لا يتعارض مع تنفيذ المشروع، إضافة إلى ظروف الموقع الجغرافى، حيث تقع محطة الدلتا فى صحراء الضبعة، حيث لا توجد أماكن للمعيشة ولا توجد خدمات، ولذلك تم إنشاء مخيم مجهز بجميع الخدمات يسع ٦ آلاف و٥٠٠ عامل ومهندس.

وقال المدير الإدارى للمشروع، محمد إبراهيم، أثناء شرحه للطلاب، إنه جرى التغلب على عدم وجود أى مصدر مياه، سواء للاستخدام فى الأعمال الإنشائية أو للمعيشة، بحفر بئرى مياه بعمق ٣٠٠ متر، وإنشاء محطة تحلية للمياه؛ لجعلها صالحة للشرب والاستخدام الآدمى، إضافة لإزالة طبقات عميقة من التربة الطفلية جرى اكتشافها وقت حفر المبانى واستبدالها بتربة مناسبة، كما جرى استخدام تقنية الـslipform الشدة المنزلقة فى تنفيذ الحوائط، التى تسهم فى توفير الوقت والتكلفة مع الحفاظ على الجودة.

وسأل مجموعة من الطلاب عن فروق الأسعار للأدوات والخامات المستخدمة فى إنشاء المحطة، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التى حدثت نتيجة تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، وكيف تغلب مسئولو المشروع عليها، وهو ما أوضحه المهندس طارق سليمان، المسئول عن التركيبات والصيانة الميكانيكية لمعدات المحطة، بأنه جرى الاتفاق مع كبرى الشركات فى مصر، وتم توريد الكميات المطلوبة طبقًا للمواصفات فى وقت قصير جدًا لتلافى الأزمة الاقتصادية العالمية وزيادة التكلفة نتيجة للتضخم.

وأضاف: «جرى استيراد المعدات الميكانيكية والمواد من كبرى الشركات فى العالم فى ١٤ دولة خارجية فى وقت قياسى من بداية المشروع، وبالتالى نجحنا فى تفادى الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرات التضخم»، مشددًا على أنه جرى إنجاز المشروع وفق جدول زمنى فى وقت قياسى قبل نهاية المشروع بنحو ١٢ شهرًا، حيث استغرق المشروع ٢٢ شهرًا.

ولفت المسئولون، لـ«الدستور»، إلى أن ساعات العمل المسجلة لإنجاز المشروع سجلت ٢٧ مليون ساعة دون تسجيل أى إصابة، مشيرين إلى أنه جرى العمل بين جميع أقسام المشروع لتحقيق الهدف من خلال تكوين organization chart من المهندسين الأكفاء من جميع شركات التحالف، لضمان التعاون فى جميع مراحل المشروع للوصول لأعلى منتج خلال التنفيذ الذى يلبى احتياجات وتوقعات العميل وبدوره للوصول للمنتج النهائى «تسليم المشروع» بأعلى جودة، من خلال خطط عمل مستمرة لكل المراحل التى يمر بها المشروع وجميع التخصصات والتأكيد على إرساء معايير دقيقة للعمل وتسجيل هذه المراحل بمستندات تثبت هذه المراحل من جميع الأطراف المعنية، بحيث يمكن الرجوع لها فى وقت الحاجة.

كما جرى توفير جميع الاحتياجات والسبل اللازمة للمهندسين المتخصصين فى تركيب وفحص المعدات التى جرى التعاقد عليها من خارج البلاد، إضافة إلى فحص خارجى لهذه المعدات من إدارة المشروع قبل التعاقد عليها والتأكد من مطابقة المواصفات المطلوبة. 

كما جرى توفير إقامة كاملة لطاقم فحص وتركيب كل منتج خلال فترة وجودهم بالمشروع، وتم التعاون بينهم وبين مهندسى المشروع، مما أسهم فى سرعة إنجاز الأعمال.

واعتبرت الطالبة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية الشيماء أحمد، أن ما رأته بعينيها لم تتخيله، ولم تكن تعرف أنه يوجد فى بلدها مثل هذا المشروع العملاق الذى جرى إنجازه فى وقت قياسى للاستفادة من مياه الصرف الزراعى المهدرة، وإعادة توظيف المياه المعالجة فى مشروعات زراعية مفيدة.

وأضافت أن مصر باتت لها تجربة تستحق أن تروى وتستفيد منها الدول الشقيقة والصديقة، موضحة أنها ستحكى كل ما رأته لجيرانها وزملائها وعائلتها.

استخدام خامات متوافرة فى السوق المحلية و٢٢٠ معدة عملت فى المحطة

وعن طريقة عمل المشروع، قال المهندس أحمد عوض، المسئول عن تشطيبات المشروع، إنه جرى استخدام خامات متوافرة فى السوق المحلية، بما يتوافق مع احتياجات المشروع دون إهدار للمواد، مع إعادة استعمال بعض الموارد فى أكثر من غرض لتحقيق الاستدامة.

وأضاف: «جرى عمل تصميمات خاصة لجعل المحطة land mar، وكذلك التصميم المعمارى الأمثل للمشروع للاستفادة القصوى من المساحة المتاحة، إضافة لعمل مشتل واستعمال المياه المعالجة من المحطة فى الرى، إلى جانب التنسيق مع الجهات الحكومية فى كل الأوقات من خلال اجتماع أسبوعى لتقديم أفضل النتائج وتحقيق الاستفادة القصوى من المشروع».

وتساءل الطالب بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية، سيف الدين هشام، عن الفريد والمميز فى المشروع، خاصة ما يتعلق بطريقة صب الخرسانة والإنشاءات، ورد عليه المسئولون بأن حجم الخرسانات المستخدمة ٣٣٠ ألف متر مكعب من الخرسانة، وهى أكبر من كمية الخرسانة المستخدمة فى إنشاءات برج خليفة فى الإمارات، كما أن كمية حديد التسليح المستخدمة ٤٢ ألف طن، وهى أكبر من كمية الحديد المستخدم فى إنشاء برج خليفة، ومساحة المحطة نحو ٨٠ فدانًا أى تعادل ٧٠ ملعب كرة قدم.

وأكدوا أن التوريدات تمت من ١٤ دولة فى مجال التجارة فى ٥ قارات، كما جرى استخدام نحو ٢٢٠ معدة وآلة شهريًا، إضافة لوجود ٧ شبكات تحت الأرض مختلفة الأقطار والأطوال والمناسيب على مستوى الكهرباء والصرف الصحى واستغلال مياه الأمطار، إلى جانب أكبر قدرة تشغيل فى محطات المعالجة فى العالم بـ٢.٥ مليون للقطاع، مع استخدام أكبر وحدة فلترة فى محطة معالجة داخل مصر، مع الاستعانة بأكبر مضخات مياه فى العالم. وقال أبانوب عماد، طالب بالفرقة الأولى بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، إنه كان يتوقع أن يجد صحراء قاحلة، لكنه وجد ما لم يتخيله عقله، خاصة أن القيادة اختارت الحل الصعب بشق ما يشبه نهر نيل جديدًا فى المنطقة للحفاظ على المياه المهدرة. وأضاف أن الفكرة من البداية كانت خارج الصندوق، وهو ما يرد على من يزعم أن المشروعات القومية مجرد أوهام، وأنه رأى بعينيه ويحلم بالعمل فى المشروع بعد التخرج.

أكبر فلاتر مياه وأحدث البرمجيات للإدارة والتشغيل

أما أكبر الإنجازات الهندسية التى حققها المشروع، فشملت استخدام تقنية الشدة المنزلقة «slipform» فى الحوائط الخرسانية بإجمالى ١١٨٫٣٤٥ متر مسطح، وصب ٤٤٫٥٧٦ متر مكعب من الخرسانة فى شهر واحد فقط «نوفمبر ٢٠٢١»، وتوريد أكبر مضخات وفلاتر مياه فى العالم، كل ذلك إلى جانب الإجراءات الاستثنائية المنفذة بالمشروع لترسيخ مفهوم الاستدامة وحماية البيئة التى شملت تدوير مياه الصرف الزراعى ومعالجتها وإعادة استخدامها.

كذلك العمل على تقليل استهلاك المياه، وعمل مشتل يحتوى على أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة وتتم زراعته باستخدام المياه المعالجة، إضافة إلى النقطة الأهم وهو أنه لا يوجد أى انبعاثات كربونية فى المشروع مراعاة للأثر البيئى، من خلال التنسيق مع وزارة البيئة لمراجعة الإجراءات والتصميمات وآلية العمل.

ليس هذا فقط، بل إن محطة الدلتا الجديدة تعمل من خلال منظومة «الاسكادا»، وهى منظومة مركزية تتألف من مجموعة برمجيات وأجهزة ونظام يجمع البيانات من المستشعرات الذكية وإرسالها إلى الحاسب الرئيسى لغرض الإدارة والتحكم والمراقبة.

وتتيح المنظومة التحكم والسيطرة على جميع المعدات الموجودة بالمحطة عن بُعد أوتوماتيكيًا ومراقبة وجمع البيانات ومعالجتها والتعامل المباشر مع الأجهزة والحساسات، والمستشعرات والمضخات، والصمامات وتسجيل الأحداث والبيانات وحفظها فى ملفات خاصة، وكل ذلك فى غرفة مركزية تتيح للمشغل مراقبة وتشغيل المحطة بالكامل أوتوماتيكيًا عن بُعد.

وتعد «الاسكادا» المستخدمة فى المحطة من أحدث المنظومات المستخدمة فى التشغيل والتحكم على مستوى العالم.

طلاب: فخورون بما شاهدناه

رنا وريم أيمن طالبتان توأم، تدرسان بالفرقة الرابعة بكلية الآداب قسم علم النفس، أكدتا فخرهما بما يجرى من تسريع لعملية الاكتفاء الذاتى التى طالما طاردت أحلام كل المصريين، كذلك فإن هذه المحطة وغيرها ستحل أزمة نقص المياه، وتعمل على تأمين المستقبل الزراعى لمصر.

وأضافتا، لـ«الدستور»، أن اللافت للانتباه هو أن كل شىء داخل المحطة كان مصريًا خالصًا، إلى جانب أن الدولة تؤكد أنها يمكنها فعل المستحيل.

وقال الطالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، أحمد محمود، إنه كان يفكر كالكثيرين بأن الحياة اليومية والطعام والشراب أهم من المشروعات القومية، لكنه حينما شاهد كم الجهد المبذول فى المشروع وكيف جرى شق الجبال وتعمير الصحراء، أيقن أن القيادة تفكر فى المستقبل وفى الشباب.

وأضاف أن كل ما يُشاع على السوشيال ميديا بشأن المشروعات القومية بشكل ساخر، لا يساوى قطرة عرق عامل أو مهندس ممن تركوا أسرهم ليبنوا المستقبل هنا.