رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتفاق السعودى الإيرانى.. تقاربٌ يكسر المعادلة الصفرية

الاتفاق السعودي الإيراني
الاتفاق السعودي الإيراني

تغيراتٌ دولية متوالية تطل برأسها على نزاعات الشرق الأوسط الممتدة لسنواتٍ عديدة تحت وطأة المعادلات الصفرية بمفهومها السياسيِّ القائم على فوز أحد طرفيّ المواجهة في مقابل خسارة الطرف الآخر، إلا أن التحولات الأخيرة التي شهدتها مناطق الصراع في الشرق الأوسط، جاءت لتعيد رسم خريطة العلاقات السياسية بين دوله، حتى وإن لم تطوِ صفحات الخلاف نهائيًا، ولكنها - على أقل تقدير - تطرح معادلاتٌ جديدة ترتكن إلى تقارب المصالح بدلًا من اللدد في الخصومة.

مع تفاقم الصراعات واحتدام الأزمات إقليميًا ودوليًا، بدت التفاهمات الدبلوماسية وعودة الشراكات الثنائية ضرورة مُلِحّة تفرضها خسائر الحروب طويلة الأمد في مواجهة تحدياتٍ استراتيجية تكتنف دولًا عدة.

أولى محطات التقارب الأخير الذي شهدته المنطقة هو الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، ذلك الاتفاق الذي بدا أمام الجميع خطوة مهمة وفرصة سانحة لحلحلة خلاف طالما ألقى بظلاله على بلدانٍ مجاورة أنهكتها الحروب وأثقلتها الصراعات، فيما يترقب الكثير انعكاس التقارب السعودي الإيراني على ملفاتٍ عدة على رأسها الحرب في اليمن، كذلك الأزمة السياسية في لبنان، فضلًا عن الداخل العراقيِّ.

مباحثات بكين 

وفقًا للبيان الثلاثي المشترك لكل من المملكة العربية السعودية، وإيران، والصين، والصادر في بكين بتاريخ 10 مارس 2023، شهدت العاصمة الصينية مباحثات ثنائية بين وفديِّ السعودية وإيران توصلا خلالها إلى اتفاقٍ يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.

وجاء الاتفاق السعودي الإيراني، استجابةً لمبادرة من الرئيس الصيني، شي جين بينج، بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين الرياض وطهران.

بدوره، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، يأتي انطلاقًا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة.  

ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية الاتفاق بين السعودية وإيران بـ«الأمر الجيد للغاية».

فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: «نحن ندعم الحوار والجهود الدبلوماسية وأي شيء من شأنه أن يعمل على تهدئة التوترات في المنطقة، وربما يساعد على منع الصراع».

اتفاقٌ عابر للحدود

استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران لا يقف عند حد السعودية وإيران فحسب، بل هو اتفاقٌ عابرٌ لحدود البلدين، يقول «مايكل ماكفول»، مدير معهد «فريمان سبوجلي» للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد الأمريكية، إن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية سيساعد في ترسيخ الهدنة في اليمن.

ووفقًا لمقاله بمجلة «فورين بوليسي»، ينظر العديد إلى وساطة الصين بين السعودية وإيران، على أنها خسارة لواشنطن في الشرق الأوسط، ويؤكد تصوّر الرئيس الصيني حول بلاده كقوة صاعدة، مقابل تراجع الولايات المتحدة.

فيما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن مبادرة الرئيس الصيني بين السعودية وإيران أظهرت أن بكين ترى لنفسها دورًا مركزيًا باعتبارها وسيطًا جديدًا في الشرق الأوسط، بعدما استأثرت الولايات المتحدة بنفوذها في تلك المنطقة لعقود، إلا أن وساطة الصين في الخلاف السعودي الإيراني تشير إلى بداية فصل جديد في المنافسة بين بكين وواشنطن.

اختراق النفوذ الأمريكي

لا شك أن الوساطة الصينية تحمل في طياتها العديد من المكاسب السياسية والاقتصاية لبكين، حيث استطاعت من خلال رعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، اختراق النفوذ الأمريكي في أكثر مناطق الصراع احتدامًا منذ إعلان الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يناير عام 2016، بعد الاعتداء على سفارة المملكة وقنصليتها في إيران، كما أن للصين مصلحة في ضمان الاستقرار بين السعودية وإيران باعتبارهما أكبر شركائها التجاريين في الخليج.

تقول «كيتلين ماكفال»، مراسلة شبكة «فكوس نيوز» الأمريكية، إنه منذ الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، تصاعدت المخاوف بشأن تراجع النفوذ الأمريكي وتزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط، ليس ذلك فحسب، بل أظهر الاتفاق أيضًا كيف يؤثر توتر العلاقات الأمريكية الصينية على السياسات الخارجية في جميع أنحاء العالم.

فيما سعت الولايات المتحدة للتأكيد على علمها بخطوات الاتفاق، وصرَّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، خلال مؤتمر صحفي: «نحن على دراية بالتقارير بشأن الاتفاق بين إيران والسعودية، وبشكل عام، نحن نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط».

مكاسب إيرانية

يتوقع الإيرانيون فوائد اقتصادية من التقارب مع السعودية، في وقت تعاني فيه إيران من عقوبات أمريكية وسط فشل المحادثات النووية، كما يفتح ذلك الاتفاق أبوابًا جديدة لمزيد من التقارب الإيراني مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وتواجه طهران ضغوطًا متزايدة من الغرب بشأن تطوير الأسلحة النووية، لذا؛ تتطلع إيران إلى إصلاح العلاقات مع جيرانها، حيث قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان، إن «العلاقات مع الإمارات والكويت ارتقت وسط العام الجاري إلى مستوى السفير»، فضلًا عن مساعٍ إيرانية للتواصل مع مملكة البحرين.

وأضاف في مؤتمر صحفي، الأحد الماضي: «في المستقبل القريب، سنلتقي مع وزير خارجية السعودية، واتفقنا على أن تفقّد سفارتي البلدين والقنصليات التابعة لهما، بما يتيح لنا التحضير لإعادة فتح السفارتين». 

دعوة سعودية

من جهته، قال مساعد الشئون السياسية في مكتب الرئيس الإيراني، محمد جمشيدي، إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وجّه دعوة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؛ لزيارة الرياض، حسبما ذكرت وكالة أنباء «تسنيم» الإيرانية.

وأضاف «جمشيدي» في تغريدة عبر صفحته بموقع «تويتر»، أن «رئيس الجمهورية الإيراني رحَّب بهذه الدعوة، وأكد استعداد إيران لتعزيز التعاون».

تأتي دعوة العاهل السعودي إلى الرئيس الإيراني لتزيد حالة الترقب الدولي لأولى نتائج الاتفاق المُبرم في بكين، لتكشف مدى استعداد الجانبين لبدء فصل جديد من العلاقات السعودية الإيرانية، وفي الوقت ذاته، تختبر هذه الدعوة مدى نجاح الوساطة الصينية في واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا بالخليج، وربما، تُفسح مجالًا لمزيدٍ من الانخراط الصيني في صراعاتٍ أخرى، وهو ما سيتضح جليًا خلال الفترة المقبلة.