رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأم في عيدها

رضا أحمد : الأمومة تخيفنى وأكثر ما يزعجنى أن أكون صورة لأمى

الشاعرة رضا أحمد
الشاعرة رضا أحمد

قد يبدو غريبا علينا الخوف من ممارسة الأمومة، لكنه وارد ومنطقي ومثير للتساؤلات، كيف للمرء أن يقف ضد  الفطرة الأولى خوف الخوف الذي يتبعها، تكشف الشاعرة رضا أحمد عبر شهادتها العديد من السمات التي تجمعها مع والدتها مع أنها ترفض أن تكون صورتها  خوف الجبن أو التسلط .. في السطور التالية تقدم الشاعرة رضا أحمد شهادتها عن الأمومة.

 

رضا أحمد : الأمومة تخيفني وأكثر ما يزعجني أن أكون صورة لأمي

قالت الشاعرة رضا أحمد "بينما أنظر إلى أمي، لا أمل من التحديق في صورتي المستقبلية، الوجه الذي سيؤول إليه جمالي، وتلك المشية المرسومة بدقة فوق زخارف السجادة كأنها جزء من حيواتها السابقة، تركتها ببساطة على الأرض سهوا أو إكمالا لطقس نصحتها به إحدى الجارات، تلك السيرة المنسوجة توقظني بصوتها المتعب أحيانا لأزاول يومي على نحو يرضيها، وأحيانا أخرى بلوم لا ينتهي على أشياء نسيتها ومنها حياتي شخصيا، ربما نظرتها إلي حزينة بعض الشيء لأني خذلتها ولم أتزوج، لأن كل أحاديثنا تنتهي غالبا بدعاء مكلوم أن أسعد، ومهما أخبرتها أنني راضية لا تصدق، لأنها تعتقد أن الحياة بيت وزوج وأطفال، لكنها لم تكن أبدا سعيدة. 

 

ولفتت إلى أن " أتصور أن حدودي العالم كله، وأخاف أن أتخلى عن نفسي، أن أفقد حجرا من شخصيتي، فأسقط بالكامل، أخشى أضع أحلامي في حقيبة وأسحبها خلفي، أو أفيق على سرير وحولي أطفال يبكون ولا أستطيع إطعامهم، هذه المسؤولية تربك خطواتي وترهقني، الأمومة تخيفني وأكثر ما يزعجني أن أكون صورة لأمي، أتصور أنني مخطئة وأضعت فرصتي في اختراق هذا الحاجز الدافئ، بيني وبين الأمومة، وأنا في النهاية لست متسلطة لأتحكم بمصير أحد أو أفني حياتي ثمنا لإرضائه، ثم أطالبه بمحبتي وطاعتي وتحقيق أحلامي والإخلاص لي وحمايتي من المرض والشيخوخة، لأصنع أنا الأخرى بذكرياتي أم متسلطة أو جبانة. 

 

وأشارت رضا أحمد إلى أن "حينما أتحدث عن أمي، عن مناسبة تقبض فيها الأمومة على شيء ثمين من حياتي، أتذكر علبة بها منديل على أطرافه ورود صغيرة وزجاجة عطر، هذه الهدية البسيطة لم أستطع شرائها إلا مرة واحدة، رغم أنها كانت الهدية المتداولة في عيد الأم، لكن حدود مصروفي لم تكن تسمح بهذه التطلعات، اخترتها علبة زرقاء ومعها كارت عليه صورة لأم تحمل طفلها، وقتها حدثت المساومة الأكبر في حياتي؛ هل أعطيها لمدرسة الفصل أم لأمي، حملتها معي إلى المدرسة ورأيت جسدا من الهدايا محمولا إلى المدرسات للأسف لم تحمله إياهن بمحبة بل ترك بجوار كرسيها بعدم اكتراث، وقتها أخفيت هديتي واخترت أمي، فهي على الأقل تقف وحيدة في البيت تنتظر عودتي وستقبلني بمحبة وستتذكرني مثلما تفعل حين تخبرني عن بلدتها الصغيرة، حكايتها التي لا تنتهي رغم أنها عاشت أضعافها في القاهرة، إلا إنها مازلت تركض في الحقول هناك وتتغذى على صوت أمها وضحكات أخواتها، هذا الأمر جعلها من الصعب أن تنسى، وأن تحب آخرين، حياتها ممتلئة بمن ترغب، وأن تعتبرنا وأبي البديل المناسب، ولا أعرف إلى الآن هل أحبتنا بهذا القدر أم مازلنا هؤلاء الغرباء الذين لم يكونوا لحظة ولادتها ولم يفسدوها باللهو والتدليل والركض عبر السنوات قبل أن تجهزها أمها للزواج وصياغة بيت في قصيدة لا تنتهي فيها الأمومة.