رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطفل شنودة ودموع الوطن

مشكلة الطفل شنودة تجسيد حي لما وصل له الوطن مصر من حالة اغتراب عن هويته، ذلك ظهر جليا وبوضوح عن طريق الصمت التام من مؤسسات الدولة ومعظم جمعيات المجتمع المدني والحقوقي وأيضًا النخبة المثقفة، رغم خطورة التعاطي مع تلك المشكلة التي أظهرت عنوانا عريضا لمصر أمام الداخل والخارج، بأننا أصبحنا أشلاء دولة.

لن أخوض في قصة الطفل شنودة لأن القاصي والداني يعلمان تفاصيلها، بل الذي أتطرق إليه هو مشهد كان مؤلما وناطقا للغاية، وحزنت من خلاله على وطني مصر الذي كان والآن لم يصبح كما كان، بعد إعلان المحكمة أمس الأول عدم اختصاصها بتناول القضية رغم أن المحكمة قبلت القضية منذ ستة أشهر  وطلبت الكثير من المستندات والثبوتات وحددت موعد الجلسة، فكانت المفاجأة التي أحزنت المصريين جميعا أنها أعلنت عدم اختصاصها، والسؤال الذي طرحه الجميع لماذا تم قبول القضية وطلب الثبوتات وتحديد الموعد؟

وأثناء حكم المحكمة كان المشهد الذي أبكاني، حيث الأبوين الأستاذ فاروق ومدام آمال، وهما يحترقان بكاء مع تنهدات القهر والظلم والانكسار، (وعندنا في الصعيد، عندما يبكي الرجال تكون الحمولة فاقت تحمل الجمال) فأكيد بكاء رجل وانكساره أمام الكاميرات وتوسله للسيد الرئيس ولقداسة البابا يطالب بعودة ابنه لحضنة، ذلك أمر له إحساس آخر.

لكن مشهد هذا البكاء والانكسار رأيت فيه وطني مصر هو الذي يبكي وهو المنكسر والحزين، رأيت وطني مصر الذي يحاول النهوض والرجوع من حالة تلك الاغتراب، رأيت وطني مصر وهو على بُعد خطوات من الصوملة (الصومال) والفغنستنة (أفغانستان) رأيت كل ذلك وبكيت بحرارة مع بكاء الأبوين، بكيت من أجل الإنسانية وبكيت تعاطفا وبكيت وطنيا، فالحادث أبعد بكثير من دائرة حدوثه الزمنية، فهو له عمق تاريخي مخطط له منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو مخطط مكتمل الأركان علي جاء بالتزامن مع وجود حكم السادات الذي توافقت ظروف حكمه السياسية تماما مع أهداف المخطط، رحل السادات وجاء نظام مبارك ليكون حضنا دافئا وراعيا رسميا للمخطط، وعلى يديه كانت الكارثة حيث تمدد الإخوان وحدثت تشابكاتهم الإرهابية وامتلكوا العقل والأرض، ولكن بقي عقل الوطن مصر (ممزقا) لكل خيوط أنسجة هويته، وأصبح هذا العقل مهلهلا مصابا بزهايمر النسيان، منفصلا تماما عن تاريخ ماضيه، ومختطفا من حاضر يمثل ثقافة توطين ضربت بجذورها داخل الشخصية المصرية.

وأصبح ذلك العقل المهلهل هو من يحكم ويتحكم في مصر الأمة التي كانت تمثل العقل للإنسانية، وفجأة تحولت أضحوكة لكل البشرية.

من سينقذ مصر بعد أن أصبح المخطط ثقافة واقع وعقل يحكم كل مؤسساتها ودوائرها، فقد تم تدمير وتجريف وتجويف كل هويتها، وأصبحت تلك الهوية هي الكفر بالنسبة للعقل الحاكم للمجتمع، الأمر أصبح معقدا وصعبا، فالعلاج يبدأ من الإرادة السياسية، التي هي جزء من العقل الجمعي الذي أصبح واقعا، ورغم ذلك فالعلاج بسيط، وقد أشار إليه الجميع وهو منهج التعليم، ذلك هو مربط الحصان، لكن ذلك المنهج أصبح واقعا ثقافيا أيضا مختطفا من المخطط الإرهابي الذي شارف على ابتلاع مصر.

هكذا هي أبعاد مشكلة الطفل شنودة، ليس هو المختطف بل هوية مصر، ليس أبواه هما الباكيين بل مصر التي ترملت وأصبحت بلا بعل، ذلك هو الواقع وتلك هي الحقيقية التي كتبتها وسأكتبها بلا مواربة أو تجميل، فالقادم مظلم ويمثل طريق اللاعودة، فمنذ سينقذ الطفل شنودة الضائع والذي يمثل مصر؟.