رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخرج سمير العصفورى: المسرح الخطابى أدى لانصراف الجمهور لأنه يفتقد الثقة

المخرج سمير العصفورى
المخرج سمير العصفورى

العمل فى مسرح القطاع الخاص لم يجعلنى أقدم تنازلات أو أغير نمط عروض مسرح الدولة

«فى انتظار بابا» كان سقطة لأننى قدمته بمفردات المسرح القديم

أمتلك مكتبة مليئة بالإصدارات الجديدة والقديمة.. والمسرحى لا يجب أن يقرأ فى المسرح فقط

«العسل عسل والبصل بصل» تحولت من شطرة شعرية إلى لوحات واسكتشات يسودها الغناء والفكاهة والتناقض

المخرج المسرحى الكبير سمير العصفورى.... «الدرس، زيارة السيدة العجوز، مأساة الحلاج، العسل عسل والبصل بصل، الست هدى، هبط الملاك فى بابل، إنها حقًا عائلة محترمة، العيال كبرت، حزمنى يا، كده أوكيه، ألابنده.. إلخ». سمير العصفورى هو تلك الخلطة بين الشعبى والمتفرد... هو مخرج له بصمة فى تاريخ المسرح المصرى، أعماله المسرحية كان لها أثرها الكبير فى حركة المسرح المصرى من ناحية وفتحت بابًا للتفكير والتجريب ومفارقة السائد واستلهام الشعبى من ناحية أخرى، حيث استطاع العصفورى تحقيق معادلة صعبة فى معظم عروضه حين جمع بين التفرد ومفارقة الكلاسيكى والمسرح الشعبى الجاذب للجمهور بمختلف مستوياته الفكرية والمسرح الذى يقدم كل عناصر الجذب الفنى بداية من موضوعاته التى تتماس مع الواقع، وحتى شكله الفنى وتضمينه الاستعراض والكوميديا... العصفورى لم يعطل عن الإبداع المسرحى أبدًا حتى مسرحيته الأخيرة التى قدمت على القومى من قرابة العام... ولم يتوقف عن العطاء لحظة عبر مسيرته والتى كان آخرها «مدرسة العصفورى» التى دشنها المخرج خالد جلال، رئيس البيت الفنى للمسرح، لتكون مسارًا لنقل الخبرات بين سمير العصفورى بخبراته ومعارفه الواسعة والمفارقة لكل ما هو تقليدى وأجيال من شباب المخرجين الموهوبين... والتى عقدت أول لقاءاتها بحضور سمير العصفورى قبل أسبوع.

وتحتفل جريدة «الدستور» بعيد ميلاد سمير العصفورى بحوار مطول نشرت جزءين منه تحدث فيهما عن نشأة علاقته بالمسرح فى بورسعيد ومسرح الجامعة وزواجه من الفنانة إنعام سالوسة وسفرهما لباريس لدراسة المسرح ثم عودته وعمله بمسرح الدولة والقطاع الخاص وتوليه إدارة مسرح الطليعة.. وتنشر «الدستور» اليوم الجزء الأخير من الحوار تاركًا رسالة هامة للمسئولين عن المسارح ولشباب المسرحيين. 

■ عند توليك مسرح الطليعة أراد الوزير الأسبق فاروق حسنى أن تتولى المسرح القومى واشترطت ضمه للطليعة.. هل يمكن أن تشرح لنا ما السبب فأحدهما معنى بالمسرح الكلاسيكى والثانى مهتم أكثر بالتجريب والتجديد؟ 

- كان رأيى أن الطليعة هو المعمل والقومى هو المعرض.. وأنه لن يتحسن حال القومى دون أن يكون لديه مختبر يتجه إليه المخرجون الجدد أو الراغبون فى التجديد يعملون على مشروعهم وإذا نجح ينتقل إلى القومى... لأن مسارح العالم كلها لديها المسرح الصغير المجاور للمسرح الكبير حتى الكوميدى فرنسيز، فلا يوجد مسرح تجريبى لحاله... التجريب سلمة تصل لجمهور أوسع وكأنك تسمح لتجربة ما بالنمو والتشكل والتطور. لذا بمجرد رفض هذا الطلب لم أقبل إدارة القومى.

■ قدمت العديد من العروض لمسرح الدولة ثم لمسرح القطاع الخاص، فهل هناك فروق منهجية فرضها العمل بالقطاع الخاص لجذب الجمهور؟

- لم يفرض علىّ العمل فى مسرح القطاع الخاص أى شىء، لم يجبرنى على القيام بتضحيات أو تبسيطات مسرح الدولة، يعنى حين أقدم يا عنتر فى مسرح الطليعة سنة ١٩٨٦ وأعالج عنتر كرجل عنصرى ومريض يتزوج امرأة بيضاء ليتفوق عليها، أو كما فى السيرة الهلالية وهى تراث شعبى يمجد المعارك والدم والقتلة «أمثال أبوزيد الهلالى لآخره»... هذا التأويل المختلف الذى يخالف اليقين الثقافى بتلك الحكايات ويضعها على طاولة التشريح هو ذات طريقة وتكنيك عرض «حزمنى يا» للمؤلف أحمد عوض التى كان اسمها «حزمنى يا أبى فى هذا الزمن الصعب» لكن رفضه الإنتاج لصعوبة كتابته على الأفيش.

والمسرحية تدور أحداثها فى زمن انفتاحى جدًا: زمن الانبساط والمتعة وزمن النوفو ريتش وزمن بناء الفلل والأبراج الشاهقة عبر رجل يعمل وكيل وزارة من الطبقة المتوسطة يعيش هو وأسرته فى فيلا ورثوها ويطلب منه أن يعزل من الفيلا لأنهم سيبنون مكانها برجًا شاهقًا... وإخوته يضغطون عليه حيث يوجههم طموحهم دومًا فى اتجاه جنى المال، فتتجه أخته بمساعدة أخويها إلى الرقص بالكباريهات «والكباريه هنا ليس المكان السيئ حتى لا تستخدم الكلمات بحساسيات أخلاقية»، ولكنه هو عالم السعادة والمتعة والانبساط بعيدًا عن المسئوليات... أليس للموضوع بعد سياسى واجتماعى واقتصادى.. وحين قدمت مسرحية «حبيبتى يا» بعدها للمسرح الحديث قيل العصفورى بحزم المسرح الحديث. 

■ تصنف مسرحك بالمسرح السياسى لكنك لم تستخدم أبدًا المسرح الملحمى الذى يعمل على كسر الإيهام المسرحى؟

- الفنان المسرحى فى نهاية الأمر بجانب تكوينه الثقافى له تكوين نفسى وشخصيته... فأنا كنت متسقًا مع ذاتى كمخرج فلم يسبق لى أنا قدمت مسرحية تمجد وتعظم وتجلل الوقار والأخلاق وجمود الحركة المسرحية الكلاسيكية.. ولا عمرى قدمت للناس مسرح بريشتى يتعامل مع القضايا بخطابة وتعالٍ وانفصال عن الواقع... فالمسرح الملحمى موجود من الستينيات واستمر كثيرًا وهو مسرح إعلامى وعالى الصوت كما تعرفين... أنا لم أكن أحبه ولم أستخدمه مطلقًا، وفى رأيى أنه خسرنا جماهير واسعة... لأنه مسرح خطابى... وأنا كنت أفضل الهزل والابتسامة وأن أضع الفكرة وأشرحها.. وأستخدم نصوصًا لا تبدو أنها تصلح للمسرح لكنى أهيئها.

■ هل استطعت فى عروضك الوصول للذائقة الشعبية وتوظيف عناصر الفرجة لجذب الجمهور؟

- نعم ما عدا السقطة الأخيرة التى حدثت على المسرح القومى من سنة ونصف السنة فى المسرح القومى «فى انتظار بابا» لسبب واحد أنى عدت بعد فترة غياب طويلة لأقدم عملًا جديدًا مماثلًا للأعمال التى كنت أقدمها من قبل عادة.. وبنفس منهجى الذى أعمل به بوصفى حكواتى يضع النص على مائدة التشريح ويعيد حكيه، وتدور حول البنت التى تحب أباها وتنتقم له من أمها، واللى هو بردو موضوع مطروح فى مسرحية بير السلم لسعدالدين وهبة، ووفقًا لمنهجى المعتاد عملت العرض ميوزيكال «موسيقى- راقص» وفيه أطروحات موضوعية جادة لكنها معالجة هزليًا تتناول إعادة توزيع الثروات بين الأفراد داخل الأسرة والصراع داخل الأسرة يتحول إلى صراع إقليمى والأسرة تتحول إلى ميليشيات.. فتصبح الأسرة هى العالم كله فى الوقت الحالى.. ففوجئت بذهنية جيل آخر أصبح هو من يمسك بالقلم والورقة ويشتغل بالكتابة النقدية وبعضهم لديه حسابات نقدية.. وجيل جديد من الممثلين.. كل واحد فيهم لا يرى فى ذاته ممثلًا فقط، بل ممثل ومخرج ومؤلف.. ومرتجل وكل ممثل بيخش وفى جيبه شوية نكت وإفيهات عايز يقولها.. أنا شفت فى هذه التجربة ٢٠٢٠ ما لم أره فى حياتى كلها عبر خمسين عامًا.. حيث كان الكتاب المتوافقون فكريًا كلهم يكتبون عن العمل بمهنية وإخلاص لكنى مررت بعملية تجاهل وعند وتحقير، فأصبت باليأس والحزن والانكسار وشعرت بأن كل ما بنيناه كحركة مسرحية منذ الميلاد الأول والجهود التى تراكمت عليه.. راح فشوش. 

■ هل مشكلة التلقى وانضباط الممثلين كانت هى فقط أسباب عدم نجاح العرض؟

- هناك أسباب أخرى وهى المؤسسة البيروقراطية غير القادرة على إدارة الأمر، والإدارة المالية كانت تحتاج بالأكثر إلى إصلاح.. لكن أنا لا أقول هذا الكلام حتى لا يقول الناس هو فشل وبيرمى فشله على الإدارة، أنا لا أرمى فشلى على حد... أنا برمى فشلى على حاجة واحدة وتعتبر خاتمة الحدوتة.. وهى اقتناعى إن اللى فى دماغى صح.. وإن لم أنتبه أن الحياة تغيرت إلى شىء يمكن تسميته باللاشىء وأن علىّ أن أرمى كل تجاربى فى المسرح الممتدة سنوات طويلة وأعيد النظر من جديد على أرضية جديدة.

■ تقصد أن السياق أصبح مختلفًا أم مختلًا؟

- أقصد أنه لا أنا ولا فنانو المسرح المستقل من جيل التسعينيات الذين تكتبين عنهم ولا دينا أمين المخرجة التى شاهدت عرضها «أنتيجونا» مؤخرًا فى الجامعة الأمريكية وسعدت به وكتبت عنه لأنه يشبه المسرح الذى أحبه وأعمل عليه، أصبحنا وكأننا خارج السياق.. لأن القراءة القديمة انتهت... واللى بيشتموا ما قروش، وما شافوش، أو ما زالوا متشبثين بأفكار مسرحية قديمة.

عايزة أقلك لقطة صغيرة فى ١٩٥٦ شفت «المسرح يسقط فى القاهرة»، كان الأستاذ حمدى غيث بيخرج مسرحية بتتكلم عن الحرب فكان مصمم الديكورات ناقصة يعنى مدفأة وماسورتها مكسورة واللوكيشن مهدم وحين سألته عن سبب التصميم.. قالى التدمير يجب أن تشعر أن الدنيا ناقصة فى الحرب. تأثرت بكلامه وذهبت بعدها بورسعيد أعمل مسرحية وطنية وكان بها ترابيزة و٣ كراسى منها كرسى منقلب على المسرح وورق مبعثر على الأرض واستضفنا ناقدًا من بورسعيد يتفرج على البروفة... فقام من نفسه كده عدل الكرسى ولم الورق وحطه على الترابيزة... فحين دخلت أعدت الكرسى لقلبته وبعثرت الورق.. فقال لى بتعمل كده ليه.. مش الناس تبقى داخلة على كل حاجة مظبوطة وبعدين تبقى تلخبط الصورة.. قلتله لكن الحدث هنا حصل قبل ما تدخلوا.. فاعتبر ما أفعله عكًا وقالى «إزاى.. لازم نفهم الحكاية من الأول» خدتى بالك من الدلالة هنا ده جزء من مأزق النقاد اللى كنت بحكيلك عنهم.

■ عدت بعد توقف طويل للتدريب عبر مدرسة العصفورى التى أطلقها خالد جلال.. فما أغراك بالعودة؟ وهل التدريب هذه المرة مجال لتعليم الإخراج بشكل عام ولا مسار لنقل خبرة سمير العصفورى فى الإخراج تحديدًا؟ 

- حين طلب منى خالد جلال ذلك أقنعنى لأن هناك مخرجين شبابًا يدخلون مسابقات ولم يدرسوا الإخراج ولم تتح لهم الفرصة للتعلم.. لم يمروا على دراسة أكاديمية ولا ورشة، وأنا عبر لقائى بهم تعرفت على مجموعة من الشباب يخرجون لمسرح الجامعة وهم ما بين متخرج حديثًا أو طالب، المسرح الجامعى فى وقتنا كان أكاديمية فنون وكان يخرج لنا كبار المخرجين... لذا وفقًا للنظام الجديد هم فى حاجة لمزيد من الاطلاع على مناهج ومدارس الإخراج.. وأنا مش هاقعد أقولهم أنا عملت وسويت فليس هذا ما يحتاجونه هما محتاجين يقروا: فما هى الكتب الممكنة التى ستعطيهم تلك الخبرات.. محتاجين يشوفوا.. ما هى الفيديوهات والصور التى سنعرضها عليهم.. ما هى النتيجة التى يجب أن يصلوا إليها فى النهاية؟.. لذلك فقد طلبت منهم أن يبحثوا عن الكتب التى تتناول مدارس الإخراج، وقد اقترح أحدهم كتاب جلال الشرقاوى عن المناهج المسرحية فطلبت منهم أن يقرأوه جيدًا وأن يعرضه على زملائه... لمشاركة الخبرة والنقاش.. أيضًا طلبت أن يختار كل منهم مشهدًا ويقتنص ويتخير من زملائه العناصر التى من الممكن أن تؤدى معه المشهد ويخبرنا بالمنهج الذى سيستخدمه.. لنناقش نتاج عمله بعدها وهل عكس المنهج الذى اختاره أم كان عليه إضافة أو حذف أشياء، كما طلبت بعض المشاركات بفيديوهات الأداء التمثيلى بمناهجها المتنوعة. وعندما ينتهون من إعداد ما طلب منهم ويقدمون ما يمكن عرضه على نقاد كنتاج مرحلة أولى من المدرسة سندعو كل المهتمين للمشاهدة والمناقشة.

■ وما هى مصادر المعرفة التى ينصح بها سمير العصفورى طلبة مدرسة العصفورى؟

- مصادر المعرفة متعددة وليست سكة واحدة... أنا عندى مكتبة مليئة بالكتب الجديدة والقديمة من سور الأزبكية ومن كتب التجريبى القيمة التى نشرها فوزى فهمى، ٤٠ أو ٥٠ عنوانًا مهمًا جدًا كان يصدر سنويًا... والقراءات يجب أن تكون متنوعة ومتفرقة وليست فى المسرح فقط، فكلما كان يثير اهتمامى موضوع محدد كنت أبحث عنه وأهتم بقراءة كل ما كتب عنه.... فحين تصديت لعمل لتشيكوف كان عن مرض نفسى قرأت فى علم النفس وفى كتب الدكتور أحمد عكاشة.. حين عملت ورشة الهناجر من التاريخ قرأت الجبرتى واستندت إليه... قرأت أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وأنا لست من معجبيهم، لكنى التقطت منهم الست هدى وعملت مسرحية عن حافظ إبراهيم. 

■ لأن علاقتى بالمسرح بدأت فى أوائل الـ٢٠٠٠ فقد فاتنى عرضان مهمان من العروض الأيقونية فى المسرح المصرى الحديث: العسل عسل والبصل بصل الذى قدم فى المسرح الحديث، وعرض الست هدى الذى قدم فى المسرح القومى.. أردت أن أعرف منك سر رواج ونجاح هذين العرضين نقديًا وجماهيريًا؟

- هى طبعًا شهادة للعرضين ولكل من عمل بهما يعتز بهما... وهما نتاج لكل ما قلته فاسم العسل عسل والبصل بصل هو شطر من قصيدة لبيرم التونسى وبيرم كانت له آراء عديدة فى الحياة الاجتماعية المصرية من العشرينيات وحتى الستينيات... جمعت هذه القصائد وحولتها لعرض مسرحى.. كان مقصودًا بها قراءة شعرية لكن تحولت القراءة الشعرية إلى لوحات واسكتشات مجملها يسوده الغناء والفكاهة والتناقض مع الواقع الاجتماعى بشكل شديد الجراءة والحساسية والرسالة من العسل عسل والبصل بصل هى أن الحقيقة حقيقة والباطل باطل، وأن لكل منهم طعمه المختلف والتفرقة بين الصواب والخطأ مسألة واضحة.. وأثارت المسرحية ضجة وقتها وظلت تعرض بنجاح كبير لسنوات.

أما الست هدى فكما قلتِ مسرح أحمد شوقى الشعرى كان صعبًا، لكنها تختلف عن أعمال أحمد شوقى فكان مسهلًا لغته وكاتبها بلغة أقرب إلى العامية ولم يتناول كما هو معتاد التاريخ أو التراث كعنترة أو مجنون ليلى أو كليوباترا، بل إن أحداثها تدور فى حارة شعبية بسيطة وعن ست بسيطة اتجوزت ٩ أزواج والكل طمعان فيها، ويقال إن شوقى كان يرمز بها لمصر لما سقطت تحت الاستعمار عقب السيطرة التركية.. الكتابة الشعرية كان دمها خفيفًا.. والدراما أن الست هدى بتحكى لواحدة صاحبتها كيف اتجوزت كل أزواجها إزاى وفى بداية كل حكاية تقول وكان عمرى آنذاك عشرين عامًا وهى وصلت للسبعين.. وأدتها العظيمة عايدة عبدالعزيز.. تحكيها فى النصف الأول من المسرحية ثم تموت.. لذا قدمت المسرحية فى إطار مولد يقيمه الورثة للاحتفال بعد موت الست هدى باعتبارها نموذجًا قوميًا ويحضره أناس من مختلف المشارب والألوان ممن هم مستفيدون من موتها أتوا ليشاركوا فى هذا الاحتفال ثم يتم بعثها فى الربع الأول لتحكى قصتها، وحين تموت ويعرفون أنها أوصت بتركتها لصبى خليع وأسرة أرستقراطية كانت ترعاها يحل السؤال أنعزى أم نحتفل أم ماذا؟.

نجح «العسل عسل والبصل بصل والست هدى» لأن العرضين مسرح شعبى موسيقى راقص غنائى سياسى يقدمان الوجبة السهلة الشعبية.. وهذا هو منهجى وأفكر أن أورط الشباب فى مدرسة العصفورى أن يقرأوا أحمد شوقى ونتصدى لإشكاليات تقديمه وربما نعيد تقديم الست هدى فى نسخة حديثة مواكبة للعصر نسميها «إتش. إتش.» هدى هانم. 

■ ما أكثر المسرحيات التى ترى أنها عبرت عن منهج سمير العصفورى حتى لو لم تنجح جماهيريًا؟. 

- كل عرض فى وقته كان يعبر عنى.. والنجاح مسئولية مشتركة ما بين الفنان والإدارة.. فحين تحتضن جهة الإنتاج عملًا وترعاه فإنها تضمن إيصال الرسالة أكثر... فالست هدى أنتج حين كانت الدكتورة هدى وصفى مديرة المسرح القومى، فاحتضنت ودعمت العمل وانعكس ذلك على العمل واكتماله وجودته، لم تكن لديها خبرة فى الإدارة المسرحية لكنها كانت مهتمة بأن تتعلم حتى من أصغر عامل، وأذكر مثالًا بسيطًا عن وعيها كمديرة، أصدرت لجنة المسرح بكبار أعضائها ألفريد فرج وجلال الشرقاوى وسواهما بيانًا تطالب فيه بإيقاف الست هدى لأنه يفسد أحمد شوقى، هل تصدقين؟ وطلعوا توصية بكده... فوقفت هدى وصفى تدافع عن العرض وعن نفسها حيث قيل عملت العرض لأنه عليه اسمها. فدور الإدارة مهم عشان كده أثمن القرار الختامى الذى اتخذته وزيرة الثقافة الحالية بوضع البيت الفنى للمسرح تحت إدارة حد متميز وناجح مثل خالد جلال.

■ التمثيل... لماذا تأخر ظهور سمير العصفورى المميز رغم أنه ممثل من طراز خاص؟

- بدأت التمثيل مبكرًا، فقد تخرجت فى المعهد بمسرحية «الدرس» وكانت بطولتى أنا وإنعام سالوسة، وظللنا نقدمها لمدة سنة أو أكثر، لكن التمثيل عرض وطلب وأنا لم أعرض ولم أطلب، وبعد ٢٠ سنة تقريبًا كلمنى سامى العدل وقالى عندى فيلم مهم اسمه إشارة مرور وفى دور مهم جدًا ما حدش يقدر يعمله غيرك فمثلت معه دور المثقف.. وتوقفت ثانية حتى كلمنى محمود عبدالعزيز فى ٢٠١٤ وقالى عندى فيلم مهم وعايزك معايا وأصبحت من وقتها أقدم عددًا من الأدوار التمثيلية للسينما والتليفزيون حتى أصبحت مشبوهًا فى الطريق وعرف وجهى الناس، وكان آخرها دور فى أرض النفاق مع محمد هنيدى... لكن سنى وظرفى الصحى «حيث أصبت بكسر أتشافى منه» جعلنى أعتذر عن أكثر من دور لكنى بالطبع أحب التمثيل... وأهم دورين عملتهما هو دورى فى فيلم إشارة مرور ودورى فى مسلسل «أهل الهوى» لمحفوظ عبدالرحمن حيث لعبت دور عزيز عيد وأحببته كثيرًا وعايشته تمامًا. 

■ هل هناك أمل أن يعود لنا سمير العصفورى بعرض.. وإيه اللى لو اتغير فى سياق الإنتاج المسرحى هيشجع العصفورى على العودة بعيدًا عن مدرسة العصفورى؟

- السؤال إجابته بسيطة جدًا... مدرسة العصفورى لم تكن قرارى بل كانت قرار خالد جلال وبمبادرة منه.. لكن اليوم وأنا أتم ٨٦ عامًا ليست لدىّ أى طاقة أن أذهب وأسأل زميلًا من الزملاء أو أنبهه إن أنا موجود فى الساحة يا حضرت.. لأن هذا إذ ربما يعنى أنه أعمى ولا يرانى أو أننى أنا الأعمى ومش شايف نفسى إنى غير قادر على القيام بعمل.. وهذه حقيقة أنا غير قادر على التصدى لأى معاناة إدارية جديدة.. ولن أفعل هذا ولن أقبله. زكى طليمات وحسن عبدالسلام استمرا ينتجان مسرحًا حتى الموت لأن من حولهما كانا معتزين به... لذا أنا أستغل تلك الفرصة وأكرر شكرى لخالد جلال أن منحنى هذا الشعور بالاعتزاز.

لكن بمناسبة عيد ميلادى أنه ما زال لدىّ أمل والأمل معناه أن الجهد الذى بذله معى الكثير من الأشخاص سواء زملاء شاركونى أو أساتذة علمونى أو مسئولين سفرونى.. يجعلنى على استعداد لتقديم عمل حتى يشبع رغبتى فى الإبداع ويصبح فى محفظتى بعض الفلوس حتى أصرف على نفسى وعلاجى.. بمنتهى الصراحة والوضوح.