رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ادخلوها آمنين.. 48 ساعة فى مدن وقرى شمال سيناء العامرة بالحياة والبناء

تنيمة سيناء
تنيمة سيناء

بينما كانت موجات البث التليفزيونى تنقل تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى على الهواء مباشرة، خلال «قمة الحكومات العالمية» فى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، التى يؤكد فيها أن «الإرهاب فى سيناء أصبح تاريخًا»، وأن مصر انتقلت من مرحلة «مكافحة الإرهاب» إلى مرحلة «البناء»- كنت أضع قدمى فى شمال سيناء، وأقطع الطريق كله بدءًا من مدينة العريش، مرورًا بالشيخ زويد ورفح الجديدة، لكى أصل إلى أبعد نقطة على الحدود الدولية المصرية بسهولة ويسر، حيث انتهى بى المطاف أمام معبر رفح البرى.

وفى كل محطات هذه الرحلة، وجدت الحياة الصاخبة وأصوات الشاحنات وضجيج المارة، وغيابًا للأكمنة والمتاريس الأمنية المعتادة، مع تسليم الأوضاع هناك إلى الشرطة المدنية، وفتح الشوارع بشكل كامل، وغيرها من المشاهد التى توثق عودة الحياة إلى طبيعتها فى قرى ومدن «أرض الفيروز».

ما الذى جرى على الأرض حتى نصل إلى هنا؟.. هذا ما نحاول الإجابة عنه فى السطور التالية.

مواطنون: الأوضاع عادت إلى طبيعتها والقمص غبريال حبيب: إعادة ترميم وتأهيل الكنائس

رفقة القمص غبريال إبراهيم حبيب، وكيل مطرانية شمال سيناء، بدأت «الدستور» رحلتها فى «أرض الفيروز»، وتحديدًا من داخل كنيسة «مار جرجس» فى حى «السلام» بمدينة العريش، للاطمئنان على أحوال الأشقاء الأقباط، خاصة ممن رحلوا أثناء عمليات أبطال القوات المسلحة لمكافحة الإرهاب، ثم عادوا مع استقرار الأوضاع الأمنية والحياتية هناك.

وقال القمص غبريال: «أعيش فى شمال سيناء منذ ٢٧ عامًا، باعتبارها أجمل مدن الدنيا، لخدمة نحو ما يقرب من ٥٠٠ أسرة مسيحية تسكن فى عموم شمال سيناء منذ زمن بعيد»، مشيرًا إلى أن العريش تضم ٣ مواقع تتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى: مطرانية شمال سيناء فى حى «السلام» بالعريش، ومقر الاستراحات الكنسية فى حى «المساعيد» بالعريش، وكنيسة مار جرجس وسط العريش، التى تمت إعادة ترميمها بعد أن حرقها الإرهابيون ودمروا محتوياتها فى يوليو ٢٠١٣.

وأضاف أن المسيحيين فى شمال سيناء يعيشون الآن مع إخوانهم المسلمين يدًا بيد ومثل جسد واحد، فى بيوت عامرة ودافئة بالمحبة والسلام والاستقرار، بعدما سقط الكثير منهم شهداء، سواء من أبطال القوات المسلحة والشرطة، أو المدنيين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أثناء الدفاع عن وطنهم وترابه.

وشدد على أن مصر محظوظة بقيادتها السياسية والدينية الإسلامية والمسيحية، الذين تحملوا المسئولية، لتمر الدولة من عنق الزجاجة، وتنجح فى مكافحة خفافيش الظلام من الجماعات الإرهابية، التى حاولت ألا يكون هناك مستقبل لهذا البلد.

وأشاد بحكمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى ساعدت على إذابة الفتنة الطائفية، والتى حاول المتطرفون زرعها بين شقى الأمة بكل جهدهم، متابعًا: «نعيش فى أمن واستقرار وتعافى كبير الآن، ومن يسألنى من الأقباط الذين تركوا سيناء خلال فترة مكافحة الإرهاب واستقروا فى محافظات الدلتا والقاهرة الكبرى عن الأوضاع وأحلام العودة، أقول له: (أهلًا وسهلًا بمن يمكنه ويريد العودة لموطنه من جديد)».

ودعا محافظ شمال سيناء، الدكتور محمد عبدالفضيل شوشة، خلال تهنئة الأنبا قزمان، أسقف سيناء الشمالية، بعيد الميلاد قبل أسابيع، الأقباط الذين غادروا المحافظة إلى العودة إليها مرة أخرى، مشددًا على أن شمال سيناء تشهد عهدًا جديدًا من الاستقرار والأمن بفضل جهود القوات المسلحة والشرطة.

وتوقع وكيل مطرانية شمال سيناء أن يسمع المصريون أخبارًا سعيدة خلال العام الجارى ٢٠٢٣، تتعلق بإعادة تأهيل وترميم الكنائس فى المحافظة، بجانب تنفيذ وعد الرئيس السيسى بإقامة احتفالية فى مدينة العريش ورفح والشيخ زويد بمناسبة القضاء على الإرهاب.

وأشاد كذلك بزيارة الدكتورة مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إلى شمال سيناء مؤخرًا، رفقة عدد من الوزراء، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة مثلت دعمًا كبيرًا لهم، مختتمًا بقوله: «قديمًا كنا نرى الموت بأعيننا كل يوم، لكننا كنا نصلى من أجل الوطن، بل وكان الأقباط يفعلون ما علمهم الإنجيل بأن يحبوا عدوهم، لذا رغم ما فعله المتطرفون بهم، فما زالوا يدعون لهم بالهداية».

وقال أقباط تحدثت إليهم «الدستور» إن «الحياة فى شمال سيناء عادت إلى ما كانت عليه قبل عمليات مكافحة الإرهاب، والدليل الأكبر على ذلك هو إلغاء التنسيقات الأمنية التى كانت تحكم عمليات دخول البضائع والمنتجات والمسافرين، فى ظل استغلال هذه البضائع خاصة الأسمدة والمنظفات من قبل المتطرفين فى أمور تلحق الضرر بالمدنيين قبل العسكريين».

وأضافوا: «كل السيارات فى شمال سيناء بات يمكنها الحركة بكل حرية لمدة ٢٤ ساعة فى اليوم، بعدما تم تسليم الأمن الداخلى إلى قوات الشرطة، لتنظيم الأمور بشكل طبيعى كباقى المحافظات».

«شوارع تُبرق».. حملة نظافة وتجميل مكبرة فى المدن احتفالًا بالتطهير.. و«لون موحد» لواجهات المنازل

على طول الطريق الرابط بين العريش والشيخ زويد كان مشهد العمال واللوادر والشاحنات إلى جانب سقالات خشبية منصوبة على واجهات المنازل لإعادة تأهيلها وترميمها وطلائها بدهان موحد لتعود شمال سيناء كما كانت أرضًا للفيروز من قبل، كأنها عروس تتجمل، حيث خصصت الدولة ٢٠ مليون جنيه لدعم المبادرة التى أطلقتها القوات المسلحة والشركات المدنية التى يملكها رجال أعمال من سيناء لتنظيف وتجميل مدن شمال سيناء من بقايا الرمال والمتاريس وآثار الفترة الماضية.

تلك المبادرة التى لاقت ترحيبًا وقبولًا كبيرًا من الأهالى والشباب وطلاب الجامعات، الذين تطوعوا مع الشركات لتنظيف وتجميل الشوارع بشكل كامل واستكمال حملة دهان الحوائط فى كل المبانى بمختلف أشكالها وبمختلف الفئات التى تسكنها.

التقت «الدستور» المهندس عماد البلك، أحد المتطوعين بشركة درغام للمقاولات المشاركة فى مبادرة تجميل مدن شمال سيناء، والذى يعمل هو وفريقه بمعدات عملاقة على امتداد الشارع الساحلى بالعريش، وأوضح أنه ومن معه نجحوا فى إزالة ورفع أكثر من ٢٠٠ ألف متر مكعب من الرمال والحجارة والركام الذى كان يعرقل المارة والسيارات خلال الفترة الماضية.

ولفت «البلك» إلى أنهم يعملون إلى جانب ٦ شركات سيناوية متطوعة هى الأخرى فى إعادة تأهيل وتجميل وطلاء مدن شمال سيناء، لافتًا إلى أنهم أوشكوا على الانتهاء ولن يتوقفوا إلا بالوصول لآخر منزل فى آخر شارع بمدن سيناء لتعود كما كانت فى السابق.

وأضاف أن المبادرة الشعبية تشمل أعمال النظافة والتجميل ورفع تراكمات الرمال من على مسارات الكبارى والطرقات، ودهان الأرصفة وأعمدة الإنارة، وتجميل المدينة، وبالتزامن مع هذه الأعمال تجرى صيانة أعمدة الإنارة بالشوارع الرئيسية والداخلية.

كذلك قام فريق من شباب مدينة الشيخ زويد بتنظيف الطرقات، وشارك فريق آخر بدهان الأرصفة بالقرب من مكتب البريد وأمام مبنى خدمة الجماهير ومبنى الضرائب، وشاركت فى الحملة فرق من مراكز شباب الشيخ زويد والكوثر ومصر.

وتنقسم المبادرة إلى شقين، أولهما مؤقت ويشمل ترميم البلدورات والأرصفة وإعادة طلائها بالألوان، حتى يشعر المواطن بأن آثار الدمار والتخريب ذهبت بلا رجعة، والشق الآخر هو استعداد المحافظة وجهاز تنمية سيناء لإعادة هيكلة ميادين العريش بشكل حضارى مغاير عما هو عليه حاليًا، بما يعنى تجميل الميادين وتوسعة الشوارع وإعادة تنظيم الأرصفة وطرق مرور السيارات والدراجات وتخصيص ممشى لكبار السن والأطفال، إضافة إلى تنظيم الممرات بين الشاليهات وتوسعة الشوارع الداخلية.

طريق دائرى جديد يوفر ساعة على المسافرين 

تتبع الشيخ زويد عدة قرى هى «اللفتيات وأبوطويلة والجورة والعكور والزوارعة والظهير، وأبوالعراج والشلاق والمقاطعة والخروبة، والتومة والقريعة وقبر عمير، وأبوالفتية والسكادرة»، كما تسكنها قبائل «السواركة والرميلات، والترابين والبقوم وأبورياش».

وفى الطريق إلى قرى الشيخ زويد كان العمال يبذلون جهودًا كبيرة فى رصف وتمهيد الطريق الدائرى، ويعملون على مدار الساعة باستخدام الشاحنات واللوادر العملاقة، حيث تم التخطيط للطريق بطول ١٦ كم مربع، بواقع ١٠ حارات مرورية على الجانبين.

من جهته، قال المهندس أكرم أبوبكر، أحد العاملين فى رصف الطريق، إن العمل بدأ من الطريق العمومى الدولى الساحلى إلى عمائر مدينة رفح الجديدة، مؤكدًا أن الهدف من تنفيذه هو توفير ساعة كاملة على المسافرين بالمقارنة بالطريق الآخر.

وأضاف: «طريق دائرى زويد يبدأ من منطقة (بئر لحفن) مرورًا بقرية الشلاق وصولًا لرفح الجديدة، ويخدم أهالى العريش ورفح وزويد، وتعمل فيه ٧ شركات مدنية بقوة ٢٥٠ عاملًا من أهالى سيناء والمحافظات المجاورة كالشرقية والإسماعيلية».

بائعون: الأسواق عامرة بفضل إنجازات القوات المسلحة فى استعادة الأمن

لم يكن أهالى مدينة الشيخ زويد، الواقعة على بُعد ٣٠ كم من مدينة العريش، ونحو ١٦ كم عن مدينة رفح، يتخيلون أنهم سيعودون إلى حياتهم الطبيعية مرة أخرى، لا سيما أن الجماعات الإرهابية كانت تتخذ من بلدتهم فيما مضى معقلًا.

ومن أبرز أدلة عودة الحياة إلى ما كانت عليه هو استئناف تشغيل خدمات الهاتف المحمول، بعد نحو ٩ سنوات من الانقطاع خلال عمليات التطهير ومكافحة الإرهاب.

وقال أهالى الشيخ زويد، لـ«الدستور»، إن هناك شركتين من شركات المحمول استأنفتا تقديم خدماتهما فى سيناء، بعد اكتمال الإصلاحات، وهذا بفضل جهود القوات المسلحة والجهات المعنية، التى تعمل جاهدة فى الوقت الحالى لتوسيع دائرة تغطية خدمات الهاتف الأرضى لتشمل القرى.

أول الأماكن التى ذهبت إليها «الدستور» كان سوق الثلاثاء، التى أصبحت- على عكس الماضى- مزدحمة منذ الصباح الباكر، ومليئة بالسلع الاستراتيجية والخضروات والفواكه واللحوم والملابس والأدوات المنزلية، وكان اللافت للانتباه أن الأسعار أقل بكثير من أسواق القاهرة والدلتا.

تقدر مساحة سوق الثلاثاء بنحو ٢٠ ألف متر مربع، وهناك أكثر من ١٠٠ محل تحيط بالسوق من ٣ جهات، يتوسطها مسجد جرى بناؤه مؤخرًا، يسمى «مسجد السوق»، وعادة ما يزدحم يوم الثلاثاء، لوجود الكثير من البائعين والمشترين.

ويقع شرق السوق المعهد الأزهرى للتعليم الأساسى، وأيضًا مركز الشباب ونادى الشيخ زويد الرياضى ومولد الكهرباء الرئيسى الخاص بمنطقة وسط المدينة.

وتعتبر السوق ملتقى للعائلات، حيث يأتى إليها أغلب سكان القرى لشراء احتياجات الأسبوع من الخضروات والفاكهة وبقية السلع.

داخل سوق الثلاثاء، التقت «الدستور» سالم حماد، أحد الباعة، يفرش بضاعته يوميًا، وقال إنه رغم ارتفاع الأسعار فى القاهرة، لا تزال الأسعار مناسبة فى سيناء، لأن هناك منتجات كثيرة يزرعها أهل سيناء، ما يزيد من المعروض ويجعل الأسعار منضبطة، وأضاف: «سعر كيلو البطاطس ٦ جنيهات فقط، والطماطم ٥ جنيهات، وكذلك البرتقال».

وأوضح «حماد»: «أعمل تاجر خضروات منذ ٢٠ سنة، ومتزوج وأنجبت ٥ فتيات، زوجتهن جميعًا، ولدىّ ولد وحيد، أحرص على تعليمه، وهو الآن فى الجامعة»، مشيرًا إلى أنه «لم يكن يجرؤ أحد قبل سنوات على المرور فى تلك المنطقة، وما حدث خلال الفترة الأخيرة أكد للجميع أن الحياة عادت لطبيعتها».

وأكد: «أهالى الشيخ زويد يشعرون بسعادة كبيرة، وزادت فرحتهم بزيارة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، محطة كهرباء قرية الشلاق، التى تضم أربعة محولات بطاقة ٤٠ ميجاوات لكل محول، وهو ما يعنى إضافة حوالى ٦٠٠ ميجاوات للكهرباء»، موضحًا أن محطة الشيخ زويد تستهدف تغذية مدينتى الشيخ زويد ورفح.

كما التقينا واطفة محمد، سبعينية، ورأيناها تبكى من الفرحة، وقالت: «أبيع الملابس فى هذه السوق منذ سنوات طويلة، ورأيت ما حدث هنا، وأنا شاهدة على جهود القوات المسلحة لاستعادة الأمن، وأشعر بفرحة كبيرة لأن الاستقرار عاد من جديد، ولا أصدق أننى أرى الزبائن يقبلون على السوق، ويشترون البضائع».

زراعة 100 ألف شجرة زيتون بعد العودة للقرى.. والإنتاج يصل إلى 300 ألف طن

عملية تطوير واسعة لميناء العريش تضم بناء رصيف جديد بطول ١.٥ كيلومتر، حيث إن الرصيف القديم كان يبلغ طوله ٢٤٢ مترًا فقط، فضلًا عن تعميق الميناء، ليصل إلى ١٤ مترًا بدلًا من ٧ أمتار فقط فى الوقت الراهن، بشكل يسمح بدخول سفن بحمولات تصل إلى ٤٠ ألف طن، وأعماق أكبر.

ازدهار أشجار اللوز والزيتون فى سيناء، كان أبرز مظاهر عودة الروح إلى أرض الفيروز، وبدء مرحلة جديدة من التقدم والخير والنماء. 

وبالقرب من قرية الشلاق التابعة لمدينة الشيخ زويد، المطلة على طريق العريش/ رفح، ينتشر شجر اللوز بكثافة، خاصة أنها تنمو من تلقاء نفسها دون احتياج إلى رعاية كبيرة، ويعتمد عليها مزارعو تلك المنطقة كمورد اقتصادى مهم لهم.

وخلال الفترة الماضية، عمل المزارعون على تكثيف زراعة شجر اللوز فى المنطقة، خاصة بعد تطهير قراهم من الإرهاب وعودة الحياة إليها وازدهار النشاط الزراعى، الذى كان أبرز مظاهره زراعة نحو ٥٠٠ فدان جديدة من الشعير بقرية الظهير، والتوسع فى زراعات اللوز والزيتون.

وشرح أحد مشايخ القبائل، مراحل زراعة أشجار اللوز، قائلًا: «يوجد منها اللوز الحلو واللوز المر، وتزرع الأشجار المُرة بطريقتين، أولاهما بالبذور، حيث يتم غرسها فى الأرض مباشرة بعد أن تروى التربة بمياه الأمطار فى شهرى يناير وفبراير، والثانية عن طريق الشتل فى التربة مباشرة».

ولفت إلى أنه تتم خدمة أشجار اللوز بعد ٣ سنوات من زراعتها، حيث تكون الشجرة مهيأة لتطعيمها بالخوخ، حيث يتم وضع الأسمدة العضوية اللازمة لكل شجرة، ويتم تحضير العُقل اللازمة من الخوخ، وتوضع مجموعة منها فى كل شجرة حسب عمرها، موضحًا أنه يوجد بشمال سيناء نوعان من الخوخ، الأول يثمر فى شهرى أبريل ومايو والآخر يثمر فى شهر يونيو.

والتقت «الدستور» عوض أبوجبال، أحد أكبر تجار الزيتون بالشيخ زويد، وهو يتفقد أشجار الزيتون فى أرضه، لافتًا إلى أن مناطقهم لها طبيعة خاصة تسمح بزراعة الزيتون فيها بكثافة.

وكشف عن أنه عقب عودته وغيره من المزارعين إلى قريتهم بعد تطهيرها من الإرهاب وعودة الحياة إليها، نجحوا خلال فترة وجيزة فى استصلاح وزراعة غالبية المساحات وتحويلها إلى مزارع زيتون، وزراعة المساحات الفارغة بينها ومناطق زراعة الشعير والقمح.

وقال: «تمت زراعة أكثر من ١٠٠ ألف شجرة زيتون بعد عودة السكان لقراهم ومنازلهم التى حاول الإرهابيون هدمها واحتلالها، لكن القوات المسلحة لم تترك شبرًا إلا وطهرته»، لافتًا إلى أنه بمفرده جمع من المزارعين فى قرى الشيخ زويد فقط محصولًا يبلغ ١٥٠٠ طن، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف هذا الإنتاج ليصبح من ٢٥٠٠ إلى ٣٠٠ ألف طن، وهو الإنتاج الذى سيتحول إلى زيت، فى ظل وجود ٦ معاصر لإنتاج الزيت فى المنطقة.

وتابع: «أرض سيناء مباركة حرفيًا وليس مجازًا، والأراضى القريبة من مدينة رفح المصرية إنتاجها وفير بشكل لا يصدق»، مضيفًا أن إنتاج الشجرة الواحدة فى رفح والشيخ زويد يصل لنحو ٧٥٠ كيلو، بينما كلما ابتعدت يقل الإنتاج ليصل نحو ١٠٠ كيلو فقط.

3 آلاف يحصلون على تعويضات لتأهيل منازلهم المتضررة من الإرهاب 

فى حى «القلاوظة» الذى يعد تجمعًا لقرية «الشلاق» فى منطقة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، التقت «الدستور» سعيد عرادة، رئيس مجلس مدينة الشيخ زويد، الذى أكد أنه لولا جهود القوات المسلحة ما كان أهالى الحى سيُنعمون بالعودة والحياة بارتياح الآن، مشيرًا إلى أن معظم أهالى الحى قد عادوا إليه بعد القضاء على الإرهاب.

«عرادة» أوضح، لـ«الدستور»، أن حى «القلاوظة» يسكنه نحو ٢٠٠٠ نسمة من أبناء قبيلة السواركة، وأنه نموذج للقرى والأحياء التى حصلت على دعم إعمار من خزانة الدولة، مع حفر آبار المياه وحل أزمات شبكة الكهرباء وزيادة مساحة الرقعة الزراعية لخدمة أهالى الحى.

وأكد رئيس مجلس مدينة الشيخ زويد أنه تم صرف تعويضات مالية لنحو ٣ آلاف مواطن فى نطاق المدينة، يمثلون نسبة ٧٠٪ من المستحقين لصرف التعويضات عن منازلهم المتضررة جراء مرحلة الحرب على الإرهاب، لافتًا إلى أن الشريحة المتبقية تجرى دراسة أوضاعها عبر لجنة حكومية تشاركية من كل الأطراف المعنية، مع معاينة المنازل ووضع توصيف هندسى لها ولأدوارها وتصنيفها، حسب شرائح تقسيم المنازل وتكوين بنائها.

وقال: «لم يتم السماح بدخول الأهالى لأى قرية فى النطاق إلا بعد تطهيرها من الألغام والمتفجرات والشراك الخداعية التى زرعها الإرهابيون».

بدوره، قال إبراهيم سليم المقلوظ، أحد المستفيدين من التعويضات التى صرفت لمن تضررت منازلهم خلال مكافحة الإرهاب، إنه صرف التعويض المقرر له بواقع ١٣٥ ألف جنيه، عن منزله الذى تضرر وكان مبنى خرسانيًا مساحته ٩٠ مترًا، موضحًا أن ذلك المبلغ مكّنه من تأهيل منزله مرة أخرى، ليتمكن من العيش فيه هو و٥ أفراد من عائلته.

وأوضح، لـ«الدستور»، أن ٢٦ فردًا صرفوا التعويضات خلال الشهر الماضى، وأن الجميع الآن من الأهالى، سواء كانوا مزارعين أو تجارًا من أبناء القبائل، باتوا يستفيدون من الآبار التى تم حفرها، لافتًا إلى الاستفادة أيضًا من تأهيل المسجد الذى تضرر من آثار الحرب على الإرهابيين الذين لم يكونوا يريدون بقاء أى أخضر أو يابس.

على بُعد خطوات، كان الطفل شريف بدر، ذو السنوات الأربع، يحمل حقيبته الصغيرة ويقف على حافة الطريق، بعدما وصل لتوه من الحضانة التى يتعلم فيها أساسيات القراءة، بعدما حمله والده كل تلك المسافة من حى «القلاوظة» إلى مدينة الشيخ زويد كى يتعلم، لأن العلم- حسب والده- هو السبيل الوحيد للنجاة فى الحياة ومواجهة الظروف الصعبة.

قال الطفل شريف- بعدما حصلنا على إذن من والده بالحديث معه- إنه يريد أن يكون طبيبًا عندما يكبر، ثم ابتسم وسألنا عن عملنا وأسباب اهتمامنا بالحديث معه ولماذا نسأل عنه وعن أحوال أسرته التى تسكن أطراف الشيخ زويد، ثم أنهى كلامه إلينا بالحديث عن عودته للدراسة واللعب مع أصحابه بشكل معتاد دون أن يضايقه أحد.

مباراة كرة قدم بين نجوم العالم فى مدرسة تعليم أساسى

وصلنا بعد ذلك إلى مدرسة الوحشى للتعليم الأساسى، الواقعة على طريق «قرية العكور- الجورة»، وبمجرد الاقتراب منها سمعنا أصوات الصغار يلعبون كرة القدم، وحينما دخلنا المبنى شاهدنا كل طفل يرتدى تيشيرت اللاعب الذى يحبه من نجوم العالم. رأينا طفلًا يرتدى فانلة محمد صلاح، وآخر يرتدى فانلة رونالدو، وثالثًا يحب ميسى.. وحينما انتهت المباراة تحدثنا معهم، وسردوا بشغف وحماس تفاصيل أحلامهم التى يسعون لتحقيقها.

مدرسة الوحشى جرى تطويرها، وأُعيد افتتاحها فى أبريل من العام الماضى، وتظهر خلف المدرسة التى تبدو جديدة، عمارة ضخمة، لا تزال تظهر عليها آثار الإرهاب، لتكون شاهدة على عهد انتهى إلى غير رجعة، ولتؤكد أن الدولة تحرص على تطوير المدارس والمصالح الحكومية.

وفاء حمدان، موظفة مسئولة عن شئون مدرسة الوحشى، قالت إن المدرسة تقع على مساحة ١٩٤٤ مترًا مربعًا، وتبلغ مساحة المبنى ٥٩٥ مترًا مربعًا، وجرى تطويرها بتكلفة مليون و١٤٧ ألف جنيه، وتضم ٧ فصول دراسية؛ فصل رياض أطفال و٦ فصول ابتدائى ومكتبة وقاعة مشاهدة وقاعة مجالات وقاعة متعددة الأغراض وغرفة تربية موسيقية وغرفة تدريب وغرفة للمدرسين، مشيرة إلى أن الأمور قد عادت لطبيعتها، ويعمل حاليًا بالمدرسة ٢٠ مدرسًا ومدرسة. وعلمنا من مدرسين آخرين أن هناك ٣ طلاب استشهدوا الشهر الماضى، خلال إجازة منتصف العام الدراسى، لأنهم كانوا يلعبون بعبوة ناسفة زرعها الإرهابيون فى الماضى، لمنع التلاميذ من الذهاب للمدرسة.