رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ما هى النهضة؟».. وصية سلامة موسى التى لم نعمل بها

«ما هى النهضة؟»
«ما هى النهضة؟»

دائمًا ما يتردد على ألسنة الناس مصطلح «النهضة»، يرددونه فى أحاديثهم التى غالبًا ما تدور عن التقدم والعلم واللحاق بالعالم الغربى المتحضر الأكثر احترامًا للقوانين وحريات الأفراد وأشياء من هذا القبيل. لكن عندما ننظر إلى هذا المصطلح بعين الدقة والاعتبار نرى معناه غير مُحدد أو ذا معنى مطاط. فما المعنى الحقيقى للنهضة؟ وما مقوماتها؟ وكيف قامت النهضة فى أوروبا بعد قرون من الظلام والتحجر الفكرى وسيطرة أفكار الكنيسة على الثقافة السائدة والعقول فى فترة القرون الوسطى؟ فالنهضة الحقيقية تستلزم العديد من التضحيات والجهود لمواجهة الجهل السائد والعادات والتقاليد التى تبعث على الجمود والتخلف.

وفى كتاب «ما هى النهضة؟»، للكاتب «سلامة موسى»، الصادر عن مؤسسة هنداوى للنشر. يبدأ الكاتب بطرح سؤال شديد الأهمية وهو: «هل طريق النهضة يكون فى العودة إلى القدماء؟». يقدم الكاتب نماذج لشخصيات ودول اقتدت بالقدماء ففشلت منها «ابسماتيك» فرعون مصر الذى اهتم بتقليد القدماء ولم يمض وقت طويل حتى كان الأعداء من الآشوريين والفرس يكتسحونها. وكانت أوروبا هى أهم نموذج لدراسة معنى النهضة وكيفية تحقيقها لأن أوروبا دخلت فى معاناة شديدة فى فترة ما بين عام ٥٠٠م وعام١٥٠٠م حيث القرون الوسطى. لكن هذه المعاناة ظهرت بوضوح فى النصف الأول من هذه الفترة الطويلة. فكان العلماء يبحثون عن العقائد لا الحقائق، واستمر هذا الوضع فى ظل سيطرة الكنيسة والبابا على أوروبا حتى فتح المسلمين للأندلس واختلاطهم بالغربيين، وعندها تنبه الأوروبيون أنهم جهلاء. وهنا بدأت الشرارة التى استمرت فى الاشتعال لقرون حتى كانت كافية لإحداث تغيير كافٍ وثورة على العادات والتقاليد والكنيسة وساعد فى ذلك سقوط الدولة الرومانية الشرقية على يد «محمد الفاتح»، وبهذا الحدث انتهت الدولة الرومانية وسيطر الفكر القديم على العقول إلى الأبد لتحل سنوات من الثورات الفكرية والعلمية وظهور علماء وشخصيات غيّروا مجرى التاريخ والأفكار وصنعوا النهضة فى شتى المجالات.

لكن من أجل الوصول إلى نهاية هذه الرحلة- الوقت الحالى- عانت أوروبا ومرت بثورات وحركات بشرية عديدة. ويركز الكاتب على هذه الأسباب التى قادت إلى التطورات فيُقسم الكتاب إلى فصول، كل فصل يحمل عنوانًا كان سببًا فى هذه النهضة. فيتحدث عن فضل العرب فى القرون الوسطى على الأوروبيين فكان تأثيرهم قويًا فى بث روح العزيمة- فى العقل الأوروبى- التى تكفى للتمرد على العادات والتقاليد ومن أمثال أولئك العلماء: ابن رشد وابن خلدون وأبى حامد الغزالى وأبى العلاء المعرى وغيرهم الكثير الذين أثروا فى العقل الأوروبى ولم يقتصر هذا التأثر على ذلك فقط، بل امتد إلى الأدب الأوروبى فسكن الأدب العربى روحه.

وعندما نتحدث عن الحركات البشرية التى قادت أوروبا للنهضة يذكر الكاتب ثلاث حركات بشرية. الحركة الأولى كانت فى القرن الخامس عشر وبدأت من إيطاليا- وتفشت فى جميع أنحاء أوروبا- لأنها وقتها كانت مركز البابوية وقد ساهم اختراع المطبعة وقتها فى نشر العلم والكتب والمعارف بعدما كانت مقتصرة على الرهبان ورجال الدين. وقد أدى اختراع المطبعة إلى ثورة فى العلم وظهور علماء مثل: جاليليو، وإسحاق نيوتن، ودافنشى، ومارتن لوثر، وغيرهم الكثير الذين أكملوا الثورة ضد العادات والتقاليد واستبداد رجال الدين بالمعارف وعقول الناس.

وبعدها ينتقل الكاتب إلى الحركة البشرية الثانية التى قامت من فرنسا بقيادة روسو وفولتير وديدرو. «ولولا هذه الحركة البشرية الثانية لبقى الاستبداد مسلطًا على أوروبا، وكان يكون منه هذا الوليد الذى تراه مرافقًا له فى كل مكان وزمان وهو الاستبداد الذهنى فى الأدب والعلم» فهذه النهضة الفرنسية عندما حطمت الاستبداد تناولته من جميع وجوهه وأطلقت الذهن من جميع قيوده وأوغلت فى هذا الانطلاق وارتطمت بعقبات أوقعتها فى جرائم، ولكنها بعد كل ذلك استقرت على الاعتراف بحرية الذهن فى التفكير. فجعلت الأدب والفلسفة موضوعًا منفصلًا عن اللاهوت كما جعلت العلم ممكنًا بل مندوبًا إليه من كل إنسان.

وتأتى الحركة البشرية الثالثة فى القرن التاسع عشر حين ظهر كتاب «تشارلز داروين» أصل الأنواع، وفيه اهتم تشارلز داروين بالإنسان وبتاريخه وتكوينه فكانت هذه الحركة بداية لأهم العلوم فى تاريخ البشرية وهو علم «الأنثروبولوجى» فهو العلم المختص بدراسة الإنسان وتاريخه وكل ما يتعلق بالإنسان فقط. ويركز الكاتب أيضًا على دور اللغة والاتصال الثقافى بين الدول والشعوب بالنهضة. فتقارضت الثقافات وتلاحقت وأخصبت ولم تنفصل أمة عن العالم وتحيا فى عزلة قط عدا أمة الصين، وعاد الضرر عليها وحدها، وسار العالم فى موكب الارتقاء حتى إذا فتحت أبوابها بعد عزلتها كانت قد تخلفت عن هذا العالم نحو ألف سنة. فتقارض الثقافات يخصبها كما لو كانت جسمًا حيًا يتلاقح مع جسم حى أجنبى. وانعزال الأمم على نفسها يسبب فقرًا فى الثقافة والعلم وتدهور حضاراتها.

وفى نهاية الكتاب يذكر الكاتب أهمية العلم من أجل النهضة فالعلم والتجربة والصناعة هى سبب نهضة أوروبا بعدما دخل العرب فى احتلال عثمانى قيدهم بالنصوص التى فى الكتب الموروثة دون مباشرة الطبيعة بتسليط العقل عليها واستخراج المعارف منها، وسيادة العقل على المعارف، والاكتفاء بالثقافة الدينية دون الثقافة المدنية وهو ما أحدث تخلفًا وركودًا فى العقل العربى حتى جاء الاحتلال الفرنسى بقيادة نابليون ومعه علماء أوروبيون فأحدث حركة فى المياه الراكدة وظهر رموز مصريون بعدها تأثروا بالعقل الأوروبى كرفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده فهما أول من خرج من تحت وطأة الجهل والتفكير الدينى البحت الذى زرعه فينا الاحتلال العثمانى فيجب أن نمشى على خطاهم. وفى نهاية الكتاب يؤكد الكاتب أهمية العلم للتقدم بالوطن.