رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مذكرات نجيب الريحانى».. أيام الضحك والشقاء فى حياة الساخر الأعظم

مذكرات نجيب الريحانى
مذكرات نجيب الريحانى

الفن رسالة أصيلة يؤديها الفنان، ومن خلالها يعبر عن المجتمع وواقعه، ويجسد أوجاع المواطن وأحلامه، ويحاول أن يبنى مجتمعًا جديدًا. والفنان الحق يواجه تحديات عديدة، لكنه يظل مؤمنًا برسالته فى التعبير.

ومن خلال «مذكرات نجيب الريحانى»، الصادرة عن دار «كلمة»، نجد أن التعريف السابق للفنان يتجسد بشكل مثالى فى «الريحانى»، الذى خرج عن المألوف، وقدم رسالة صادقة تؤكد مدى قدرة الفنان على تغيير الواقع، فمات «الريحانى» وعاشت أعماله تحكى عنه حتى الآن.

ويتساءل البعض: ما سر اهتمام الكثير بـ«نجيب الريحانى»، رغم أن ما يفصل بين عصرنا ومولده يفوق الـ١٠٠ عام؟

يجيب الكاتب وائل لطفى فى مقدمة الكتاب عن هذا السؤال، قائلًا: «السر أنه حقيقى وصادق وموهوب، وهذه صفات لم نعد نجدها كثيرًا فى زمننا هذا، فصرنا نبحث عنها فى الماضى، وندافع عن تاريخ صاحبها إذا أحسسنا أن هناك من يشوه هذا التاريخ أو يزوره بحسن نية أو سوء نية».

آمن «الريحانى» أن كتابة مذكراته رسالة مفروضة عليه، فهى تأريخ لفترة مهمة للمسرح والسينما، كما أنه كان شخصية خلافية لدى الكثير، فمنهم من جعله كنجمة فى السماء، وآخرون اتهموه بأبشع التهم من خيانة وعمالة وتشويه لصورة المصريين أثناء تجسيده لأعماله، رغم أنه حاول من خلال تجسيد تلك الشخصيات أن يكون مرآة تحكى واقع المجتمع.

لذا شعر أنه من الضرورى أن يسرد حكايته بين المسرح والسينما، والأزمات التى عاشها هو وزملاؤه، ورؤية المجتمع للمسرح والتمثيل فى تلك الحقبة من تاريخ مصر، وحكاية شخصيات اخترعها مثل «كشكش بيه»، وكيف أثرت فى المصريين وعاشت فى وجدانهم حتى بعد مرور ٩٠ عامًا من ظهورها.

كما يحكى عن مسيرته من الفشل إلى النجاح، هو وكثير من الفنانين الذين ستتعجب للحياة البائسة الفقيرة التى عاشوها قبل شهرتهم، مثل توفيق الدقن وستيفان روستى، وبداية ظهور على الكسار.

وستتعرف من خلال الكتاب على كواليس المسرح المصرى، من صراعات بين المنافسين ومكائد، وتطورات بين صعود وهبوط، وبداية ظهور السينما، وما أثاره من خوف داخل الفنانين فى البداية.

يشعر المتلقى أثناء قراءة مذكرات «الريحانى» أنه أمام فنان يعيش حياته فى ثنائيات ومضادات، كلها تخرج من كنف رجل ينظر للحياة نظرة فيلسوف، فيمضى «الريحانى» بين ثنائية الصعود والهبوط، والنجاح والفشل، يحكى بروح مرحة ساخرة رغم دراميتها مشاهد حياته، وكيف تتحول فى لحظة من سعادة إلى شقاء.

يكشف كيف تعامل مع خصومه ومكائدهم، ومرضه، ومنع الطبيب له من ممارسة التمثيل، وقابل هذا الحديث بالرفض قائلًا: «خير لى أن أقضى نحبى فوق المسرح، من أن أموت على فراشى».

تجد نفسك هنا أنك أمام رجل ثائر يأخذ من فلسفة السخرية واللامبالاة شعارًا له، فالجدية المفرطة والغضب لا جدوى منهما، وأن الإنسان يجب أن يتدرب على الفقد، فيسير ضاحكًا ثائرًا بين ثنائيات الخسارة والنجاح، قاهرًا وليس مقهورًا، وينبهك إلى أن الحياة لا تقف ويجب أن تمضى.

«الفن مقياس لتحرر الفنان فى ساعات إبداعه ليعطى مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد».. ومن خلال سرد نجيب الريحانى سيرة حياته نجد مدى العلاقة العميقة بينه وبين المجتمع، وكيف رسخ قيمًا ودافع عنها، رغبة منه فى تشكيل وعى المواطن المصرى.

لذا جعل «الريحانى» مسرحه منبرًا يجسد مبادئ الوطنية فى وجدان المصريين، ويهاجم الإنجليز ويتهكم عليهم. يقول «نجيب» فى مذكراته: «حين رأيت من الجمهور المثقف ومن عامة الشعب هذا الإقبال المنقطع النظير، رأيت أن أستغله استغلالًا صالحًا، وأن أوجهه التوجيه النافع، فرحت أنقب عن العيوب الشعبية، وأبحث عن العلل الاجتماعية التى تنتاب البلاد، ثم أضمن ألحان الروايات ما يجب من علاج ناجع لمثل هذه الأدواء، كذلك راعيت فى كثير من هذه الألحان أن تكون أداة لإيقاظ شعور الجمهور وتعويده حب الوطن وإعلاء شأنه، والمحافظة على كرامته».

فكان نجيب الريحانى، كما وصفه بديع خيرى: «مهد بفنه للثورة الحديثة التى حررت مصر من الأدواء التى ضحك منها وتهكم عليها، وعلى رأسها الاستعمار والاستبداد والطغيان والاستغلال».