رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أعمى كامل العمى».. لماذا انتقد سلامة موسى مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون؟

مؤسس علم الاجتماع
مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون

قدّم العالم العربي "ابن خلدون" جهودًا وكتابات بارزة في مختلف مجالات الفلسفة والتاريخ والاجتماع والمنطق، كما أُطلق عليه مؤسس علم الاجتماع والواضع الأول لأسسه الحديثة، فضلًا عن صياغته لفلسفة للتاريخ. 

وحظي "ابن خلدون" بمكانة كبيرة في مختلف أنحاء العالم، وقدّم الدارسون من الشرق والغرب الكثير من الدراسات التي تحاول تفنيد وتفكيك أعماله ومقولاته وتبين أسسها ومبادئها، فضلًا عن الأعمال التي اهتمت بالوقوف على مسيرته وصلاته بأعلام عصره. 

وعلى الرغم من ذلك، فإن "ابن خلدون" كان محل انتقاد في عدة جوانب ولدى بعض الباحثين والمفكرين الذين تباينوا فيما بينهم في أوجه انتقادهم لمؤسس علم الاجتماع الحديث، ومن هؤلاء المنتقدين له كان المفكر المصري البارز سلامة موسى. 

الانتقاص من حضارة العرب

في كتابه "مقالات ممنوعة" المنشور عام 1959، يعترف الكاتب الكبير سلامة موسى بمكانة ابن خلدون وأهميته، فيقول إن "المقدمة" التي كتبها تخبر عن عقل كبير في التأليف والتحليل، كما أن حياته اكتظت بالكثير من الأحداث والمسارات الفارقة. 

يقف موسى على ما اعتبره أحد أبرز أخطاء ابن خلدون وهو انتقاصه من حضارة العرب، فقال عن ذلك: "إنه هنا أعمى كامل العمى لا يرى بصيصًا من نور، وأنا لا أعزو هذا العمى إلى أنه بربري يكره العرب، فإن هذا القول ليس تفسيرًا، وما أظن أنه كان يخدع نفسه فيرى فضائل العرب نقائص، ويكتب هذا في مقدمة أخلص فيها التفكير وأراد أن يصل فيها إلى استنتاجات منطقية". 

ويشير موسى إجمالًا بدون تفصيل إلى انتقادات أخرى غير أنه لا يُفندها، فيقول إن ابن خلدون خان معظم الأمراء والملوك الذين خدمهم، كما أنه سرق كل ما كتبه إخوان الصفاء وعزاه إلى نفسه.

فضل العرب على العالم

ويورد موسى في كتابه ما قاله ابن خلدون في مقدمته عن العرب، حيث وصفهم بأهل انتهاب وعبث، ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر ويفرون إلى منتجعهم بالفقر، وأنهم إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب لأنهم أمة وحشية يتحكم فيها أسباب التوحش.

وينتقد المفكر المصري ما سماه جهل ابن خلدون بالعرب، فيلفت إلى أن العرب كانوا على حضارة راقية بسبب اتصالهم بأقطار آسيا وإفريقيا، في وقت كانت أوروبا تعيش فيه على حضارة قروية تعتمد على صناعات بدائية.

ويبين موسى أن الواقع شهد الحقائق التاريخية التي تشير إلى أن الحضارة كانت في البداية قروية محدودة نشأت مع الأمم الزراعية باقتصاديات استكفائية، ثم نشأت الصناعات الكبيرة باعتبار أنها من احتكارات الدولة، وفيما بعد نشأ التبادل التجاري على أيدي الأمم البدوية التي كانت ترتحل وتتجمع مثل الهكسوس، والعبرانيين، والعرب.

ويوضح أن فضل العرب ومهمتهم التاريخية تأتي من ربطهم العالم بقاراته الثلاث لأكثر من ألف سنة بالتجارة، وهو ما كان له دور كبير في اتساع الوجدان البشري وظهور ثقافة جديدة تتجاوز حدود الأقطار إلى العالم كله، وهذا هو ما جهله ابن خلدون.