رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مواجهة الفشل

في مثل هذه الأيام منذ أكثر من 104 سنوات جاء إلى الدنيا الكاتب الروائي والقصصي والسياسي النبيل الشجاع إحسان عبدالقدوس، والذي قيل إن أهم أساتذته الكبار بعد والدته هم محررو "روزاليوسف" الأوائل: التابعي ومحمود عزمي والعقاد. 
يقول رجاء النقاش إنه تعلم من التابعي أسلوب الكتابة والتابعي هو عميد الأسلوب الصحفي المعاصر بلا منافس له في هذا المجال.. إنه ساحر الكلمة الصحفية ومعلم الأجيال، ويضيف أن إحسان قد تعلم من محمود عزمي نظرته "التقدمية" إلى مشاكل الحياة والمجتمع والإنسان، فقد كان عزمي من أعظم دعاة التجديد والتقدم.. وتعلم من العقاد جرأة الكاتب وفروسية صاحب القلم والاشتباك مع الأفكار الخاطئة، ويبقى المعلم الأول في حياة إحسان والدته فاطمة اليوسف.
يحدثنا كثيرًا خبراء علوم الاجتماع والإدارة والسياسة والاقتصاد عن النجاح والفشل وفق رؤى ونظريات يتم تحديثها اتساقًا مع معطيات العصر ومتغيراته.. فمنهم من يرى أن من نصفهم بالفشل إما نوعية من الناس تفكر دون تنفيذ أو أخرى تنفذ دون تفكير، ويخاطبون حكوماتهم للاستثمار الأمثل لثروات الشعوب وموارد أوطانهم تحقيقًا ووصولًا لأقصى درجات النجاح والتقدم.
يقول عبدالقدوس، في مقال شهير له تحت عنوان "دولة الفشل" بمجلة روزاليوسف في عددها الصادر بتاريخ 8 يوليو 1951، عن فشل الحكومة في تلك الفترة مستهلًا مقاله بعبارات ساخرة تهكمية: "إننا في مصر نؤمن بالفشل ونعبد الفاشلين"، ويستطرد: "الفشل في كل مكان، وأمام كل خطوة، وفي حنايا كل (ملف) وفي ظلام كل (درج)، وفي طيات كل صوت.. والفاشلون هم الذين يتولون مقاديرها، وهم الذين يسوقونها من فشل إلى فشل ثم إلى فشل.. رئيس الوزراء فشل في أن يحقق أهداف مصر القومية، وفشل في أن يحتفظ بقوة الشعب، وأن ينتصر للدستور، وتوفير قوت الشعب، وفشل في أن يجمع من حوله وزراء ناجحين، وفشل في أن يحقق أهداف مصر وفشل في أن يصون كرامة وطنه". ثم يتحدث عن وزير المالية قائلًا: "لقد فشل في أن يجعل من ميزانية مصر ميزانية محترمة وفشل في أن يوقف التضخم المالي، وفشل في أن يرضي الطوائف، وأن يفرض إرادته على الأغنياء، وأن يوقف شهوات أصحاب النفوذ، وأن يصون مال الدولة من أيدي المختلسين والطامعين".. وإذا كان هذا هو حال الحكومة فإنه يقول عن المعارضة "المعارضة يتولاها زعماء فاشلون.. فشلوا في اكتساب ثقة الشعب، وفشلوا في مواجهة الحقائق السافرة، وفشلوا في وقف طغيان الحكومة وأخطائها". ويستطرد إحسان في حديثه عن الأداء الفاشل من وجهة نظره لعدد من الوزراء ويختتم مقاله بنتائج سوداوية ساخرة فيردد العبارات التالية "ويل للناجحين، وويل للحر الأبي الذي يخشى ضميره، ويخشى الله في وطنه، وويل لمن يحاول أن يجعل من مصر دولة منتصرة ناجحة، وويل للكفء الذي ينظر إلى الأمور نظرة جدية ويعمل متعمدًا النجاح لا متعمدًا الفشل". ثم يختتم مقاله "جربوا صنفًا آخر من الرجال".
لقد تابعنا عبر العديد من مواقع الإنترنت في الفترة الأخيرة في زمن الحكم المباركي نشر قوائم بالدول الفاشلة يتم الإفصاح عنها سنويًا من خلال اتفاق بين مركز التمويل من أجل السلام ومجلة شهيرة استنادًا إلى معايير اجتماعية واقتصادية، على أن تشمل قدرة الدولة أو فشلها في ضمان الأمن وتأمين حاجات مواطنيها الأساسية وامتلاكها شرعية سياسية.. والمعايير الأساسية الثلاثة السابقة تتضمن اثنتي عشر معيارًا فرعيًا، بحيث تشمل "الضغوط السكانية، حركة كتل اللاجئين، انعدام برامج التنمية بين الأقليات، التدهور الاقتصادي الحاد، الجرائم الاجتماعية للدولة، نقص الخدمات العامة، إعلان حالة الطوارئ وتدهور حقوق الإنسان، والانقسام الأمني الداخلي كحالة أن تكون هناك دولة داخل الدولة.. وغيرها".
وقد تم إصدار ثلاث قوائم عام 2005، في القائمة الأولى كان مجموع الدول الفاشلة، بحسب هذه المعايير الأمريكية هو "75 دولة"، وفي القائمة الثانية كان المجموع "146 دولة"، أما القائمة الثالثة لعام 2007 فقد بلغ المجموع "177 دولة".. وقد شملت القوائم الثلاث معظم الدول العربية والإسلامية.
يتم تعريف "الدول الفاشلة" على أنها تلك الدولة التي لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية المنوطة بها           "توفير الأمن، تقديم الخدمات العامة، إدارة آليات السوق، الإدارة الكفء للتنوع الاجتماعي في الداخل بل وتوظيفه" حسب تصنيف مجلة السياسة الخارجية الأمريكية، وتشرح المجلة المقاييس المعتمدة للدول الفاشلة ومنها عجزها عن تفعيل دولة القانون وتأمين الأمن والغذاء لسكانها، وعدم قدرتها على استغلال التنوع الاثني لسكانها إضافة إلى فشلها في إدارة سياسات اجتماعية واقتصادية، وتزداد خطورة هذه الدول مع ازدياد حدة الأزمات، لأن الدولة الفاشلة غير مهيأة لمواجهة المستجدات والمخاطر الداخلية والخارجية، تلك الأزمات التي تبرز عوامل "الفشل" الكامنة في الدولة، وتزيد من احتمالات تحول هذه الدولة إلى تهديد للسلام والاستقرار الدوليين.. لا يتم تصنيف الدول الفاشلة بشكل ترتيبي كمي فقط، حسب مجموع نقاطها الدالة على الفشل، ولكن يُوزع المقياس الدولي إلى فئات بحسب درجة تهديد الدول للاستقرار والسلام الدولي، بحيث تبدأ بالفئات بالأشد خطورة، وهي فئة الدول الخطرة Critical وتليها فئة الدول المعرضة للخطر In Danger، ثم الدول المتاخمة للخطر Border line ثم المستقرة Stable والفئة الخامسة هي الدول الأكثر استقرارًا.
نحمد الله ونشكر فضله علينا أن تجاوزنا بنجاح معظم التحديات في معاركنا لمواجهة الفشل بقيام ثورة 30 يونيو، بداية من الدفاع عن الهوية الوطنية، والانتصار لمبادئ المواطنة وتفعيل آلياتها، والذهاب بقوة لتوطين التكنولوجيا المعاصرة، وخلع أردية التخلف ونحن على عتبات جمهورية جديدة مع قائد اجتاز بنا كل تحديات مواجهة الفشل بنجاح وطني مشهود عبر تسجيل النجاحات المتوالية.