رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هن مصر.. «نجارة وسائقة وجزارة» حكايات من دفتر كفاح سيدات المحروسة (تفاعلى)

نجارة وسائقة وجزارة
"نجارة وسائقة وجزارة" حكايات من دفتر كفاح سيدات المحروسة

منذ نعومة أظافرنا وجدنا أن المهام الصعبة دومًا ما تسند للرجل لتمتعه بالقوة الجسمانية التي تفوق قدرة المرأة، وعلى مدار سنوات ظل هذا الفكر سائدًا في العالم أجمع، إلا أن أعباء الحياة قلبت المسلمات رأسًا على عقب، فقد كانت الباب الذي فُتح أمام النساء لإثبات أنهن قادرات على اختراق أي صعوبات قد تواجههن في الحياة، بما فيها الأعمال المُصنفة ذكورية، فهبطت السيدات على كل الأعمال الممكنة بل وأثبتت جدارتها وأن تستحق أن يُتاح لها فرصة العمل، فهن أكثر انضباطًا والتزامًا، كما أنهن وضعن بصماتهن فبتن بجانب الرجال كشركاء متساوين، ويساهمن في خلق مستقبل أفضل للبشرية جمعاء، لذا، فلنشجع هؤلاء القويات اللواتي يقدن بالإنجازات المضيئة، ولنستمد العبرة والفائدة من تجاربهن، من خلال قراءة السطور التالية لأربعة نماذج من السيدات اللاتي اقتحمن مجالات صعبة لكن تفوقن فيها على الرجال.

 

ضحى: نبذني أهل منطقتي لركوبي "الاسكوتر"

ضحى محمد، 28 عامًا، أسرع دليفري في مصر، وهو اللقب الأقرب لقلبها، خلال محادثتنا لها سردت قصة نجاحها التي بدأت بالصدفة إلى أن حققت نجاحًا كبيرًا، فتروي: أبي متوفي ولدي أختان، وأعيش في منطقة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية، تخرجت في معهد الإدارة والسكرتارية والحاسب الآلي، وحصلت على وظيفة سكرتارية بعد تخرجها بفترة في عيادة أحد أطباء الجراحات العامة.

لكن بعد فترة طلبت منها إحدى صديقاتها التي تعمل في توصيل "الأوردرات" من خلال "المترو" تولي شئون الطلبات لأنها تعاني من وعكة صحية، ومن وقتها تركت مهنة السكرتارية ورفضت أي وظيفة أخرى، ووصلت اليوم إلى 4 سنوات من العمل في "الدليفري"، عانت فيها من رفض والدتها في البداية لكن مع إصرارها تحول الرفض لدعم.

وتتابع حديثها مع “الدستور”: أنها اعتمدت في التوصيل على المواصلات العامة في البداية، ولم يكن لديها مانع أن تسلك مسافات طويلة سيرًا على الأقدام في سبيل توصيل ما لديها، لكن مع الوقت أصيبت بوعكة صحية في ظهرها بسبب حمل أشياء ثقيلة والتحامل على نفسها في كثير من الأوقات، فنصحها الطبيب المعالج بترك هذا المجال أو شراء سيارة لمساعدتها فيما تقوم به، إلا أن الإمكانيات المادية لديها لم تكن كافية لشراء السيارة، فأصابها الإحباط قليلًا إلى أن وجدت فيديوهات وصور لفتيات تركب "الاسكوتر" لقضاء حاجات شخصية لهن، وفي نطاق "الكمبوند"، فجاءتها فكرة الاستعانة به لقضاء مصالحها.

وبضحكات متتابعة تروي "ضحى" متذكرة أنها وجده سعره وصل لـ22 ألف جنيه وقتها، ما اضطرها للادخار لتستطيع شراءه، "فبدل ما اركب مواصلة أوفر تكلفتها عشان أقدر أحوش في أقصر وقت ممكن"، وبعد نجاحها في شرائه وضعته في "الجراج" لعدم قدرتها على ركوبه ولم تملك المال أيضًا للحصول على تدريب كيفية ركوبه، فلجأت إلى فيديوهات "اليوتيوب" وحاولت مع نفسها إلى أن تمكنت من إتقان ركوبه وأصبح وسيلة تنقلها، وبعد فترة اشترت خوذة التي أصبحت صديقتها التي لا تفارقها حتى عند تسليم الطلب للعميل في منزلها لا تتخلى عنها.

وعن صعوبات بدايات المجال، قالت: لأني كنت أول بنت في منطقة شعبية تركب "الاسكوتر" تعرضت لهجوم كبير، لكن مع الوقت اعتاد الناس على هذا الوضع، وشجعت فتيات أخرى لتقليدها وركوب "الاسكوتر" في منطقتها أيضًا، ومن المواقف التي واجهتها في بداية ركوبها له أن "توك توك" أراد مضايقتها فقذف ماء في وجهها، مما جعلها تتوقف بضعة أيام عن الخروج به لكنها استعادت شجاعتها من جديد وأصبحت "أسرع دليفري في مصر"، وتطور حلمها إلى سعيها لإنشاء أكبر شركة شحن في مصر.

 

هناء: القيادة أصبحت متعة لا مهنة

مهنة الأسفلت انتقلت بنا من "ضحى" إلى هناء محمد، 32 عامًا، التي اختارت أن تكون "كابتن أوبر" منذ 4 سنوات رغم حصولها على ليسانس حقوق، وذلك بعد تنقلها في عدد من الوظائف، لكنها وجدت أن ما تعمل به حاليًا جعلها حرة لا أحد يملي عليها أوامره ولا يوجد التزام بمواعيد، وبعد أن كان الأمر في البداية مجرد ممارسة للقيادة تحول الأمر إلى احتراف، وما شجعها على استكمال هذه المهنة هو التشجيع الذي وجدته من أسرتها ومن عدد كبير من العملاء الذين تعاملوا معها، فأصبحت مستمتعة بما تعمل.

وتتذكر "هناء" مع "الدستور" أنها في البداية كانت حريصة جدًا في التعامل مع العملاء ولديها حذر كبير في كل كلمة، وقد تستغني عن أجرة الرحلة في سبيل إرضاء العميل والحصول على تقييم جيد في الشركة، لكن مع الوقت والتعامل مع فئات كثيرة من الناس أصبحت لا تخشى المطالبة بحقها وتعلمت الحفاظ على ثباتها الانفعالي خاصة إذا تعرضت لمشكلة.

وعن المواقف المضحكة التي تعرضت لها، تتذكر فتاة أوصلتها من مدينتي إلى 6 أكتوبر، وأرادت دخول دورة المياه لكن لحظها العثر لا يوجد أي مكان لتلبية احتياجاتها، فاضطرت للوقوف في الشارع لقضاء حاجتها، وتكرر الموقف مع الفتاة مرتين خلال الطريق، وبعدها أصبحت الفتاة صديقة لها تضحكا كلما تذكرتا هذا الموقف.

هن مصر بواسطة eldostor digital

 

هدير: بعد ما كنت بخاف من الدم بقيت جزارة

خلال بحثنا عن سيدات دخلت مجالات اقتصرت على الرجال، توقفنا عند قصتنا التالية مع هدير عبدالمنعم، 38 عامًا، مقيمة بكفرالزقازيق البحري، حاصلة على معهد فني صناعي، وأم لأربعة أطفال، فكانت تلك الظروف التي وُضعت فيها جعلتها نهمة للبحث عن عمل لمساعدة زوجها في أعباء الحياة، فكانت البداية في إحدى شركات مستحضرات التجميل، لكن لم تستمر فيها.

ومنذ 8 سنوات، قررت أن تخوض تجربة تجارة الغنم مع والد زوجها، ووافق على ذلك ووجدت منه وزوجها تشجيعًا كبيرًا، إلى أن تطلعت أن تجعل نشاطها ليس التجارة فقط بل أيضًا الذبح وفتح محل جزارة، وشجعها على ذلك أكثر إقبال الناس على التعامل معها، ورغم الاندهاش الذي لحق بأسرتها وبالزبائن إلا أن الأمر أصبح عاديًا فيما بعد، وساعدها على ذلك حبها للتحدي والتجربة، وقرر والدها فتح محل جزارة لها لتبدأ العمل فيه، رغم أنها كانت فتاة مدللة في بيت والدها وتخشى الدماء، إلا أنه لم يجبرها على التخلي عن تجربتها وظل مساندًا لها إلى أن نجحت ولقبها زبائنها بـ"الجزارة الكيوت".

وعن العقبات، ترى أنها لم تواجه الكثير منها لأنها بدأت القصة بالتدريج، وأصبحت تحب عملها رغم المخاطر التي قد تتعرض لها إلا أنها تصف ذلك بأنها تتعلم أمرًا جديدًا وليس عقبة، وعلى سبيل المثال في بداية عملها في ذبح العجول كانت تذبح حافية القدمين فيجعلها الدم تتزحلق على الأرض مما قد يؤدي لاختراق "الكُزلك"- أداة تستخدم لذبح العجول والمواشي- لجسدها.

ومن العقبات إلى أمتع اللحظات، فقد حدثتنا عن أيام العيد وذبح الأضاحي، قالت إنها قد لا تنام لمدة أسبوع ما يخلق حالة من البهجة، "العيال وفرحة العيد والدبح وشكل العجول والمواقف اللي بنتعرضلها منها زي إنها ممكن تنطحنا ومع قلة النوم كمان الواحد بيبقى حاسس إنه عايز يضحك كتير وبس".

أسماء: زوجي أكبر داعم لعملي 

ومن الجزارة والدماء إلى النجارة والأخشاب، حيث قصتنا الأخيرة مع الأسطى أسماء مجاهد، نجارة ومنجدة في منطقة السيدة زينب، 36 عامًا، لديها من الأبناء ولد وبنت، نجحت في الحصول على دبلوم صنايع قسم ملابس جاهزة، ولم تتوقع أن يكون مجال دراستها مفيدًا لها في إقامة مشروعها الخاص.

فمنذ 8 سنوات، قررت أن تعمل مع زوجها في ورشة النجارة التي يمتلكها، وأرادت منه تعليمها مهارة النجارة فلم تجد أي مانع لديه، خاصة أنها وصفته بـ"نصير عمل المرأة"، مادحة وقوفه بجوارها وتشجيعه لها على هذا العمل حتى لو تفوقت عليه، وبعد فترة من التعلم وجدت أن مهارات التنجيد وحياكة الملابس تكاد تكون متشابهة، لذا بدا العمل سهلًا، خاصة أنها بدأت تحترف المهنة وتطلع لتحويل ورشتهما لأكبر مصنع للموبليا.

وعن العقبات التي تواجهها، قالت إنه في بداية عملها رفض "الصنايعية" الانصياع لتعليماتها، مع الإصرار على تنفيذ تعليمات زوجها فهم لا يخضعون لآراء "ست"، أيضًا هناك بعض العملاء الذين يرفضون التعامل مع ورشتهم عندما يجدوا أنها من ستقوم بالعمل، لكن مع الوقت باتت تتفهم وجهات النظر المختلفة، ويكفيها أنها تجد تشجيعًا من عملاء آخرين، إلى جانب تشجيع زوجها المستمر لها.

ولم تقتصر المشكلات على التعاملات فقط بل كانت ابنتها في البداية رافضة لعمل والدتها في هذا المجال، لأن أقرانها في المدرسة تنمروا عليها، لأن والدتها تعمل في مهنة رجالية، ولأن الورشة في نفس الشارع الذي فيه مدرسة ابنتها كان التنمر أكبر، وهنا جاء دور مديرة المدرسة التي جمعت المدرسة وعرضت لهم فيديوهات تظهر فيها "الأسطى أسماء" وما حصلت عليه من تكريمات في أماكن كثيرة وأيضًا لقاءات لها، ما جعل الفتاة فخورة بوالدتها ولا تخشى أي كلام مسئ من زملائها.