رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتبات مصريات: حجب كل ما هو مؤلم وسلبي قد يكون مفيد في السيرة الذاتية

جريدة الدستور

يعد البوح أحد أبرز أعمدة كتابة السيرة الذاتية البوح اللامنتهي الذي يتجاوز فكرة الحدود والرقابة والموضوعية هذا نجده في كتابات قليلة ونادرة منها كتابات نوال السعداوي فتحية العسال، شريف حتاته، محمد شكري، لويس عوض.

ويشير إلى أن السيرة بطلها الرئيسي هو البوح وغالبًا ما تأتي عبر وجهة نظر واحدة وعلى حد تعبير الكاتب والأكاديمي شكري المبخوت أن السيرة الذاتية العربية" ضعف فيها جانب البوح والتعرّي وتظلّ مشدودة إلى منظومة القيم السائدة أخلاقيّاً ونظرة المجتمع إلى سياسة الجسد.

لذا لا يمكن أن يأتي الحديث عن السيرة الذاتية دون الرجوع إلى أبرز الأسئلة المرتبط بها والمنفتح على مدى مساحة الحرية التي يمكن للكاتب أن يقطعها عبر تقديم سيرته وهو سؤال رئيس طوال الوقت نعرضه ونحاول الإجابة عنه في التقرير التالي: "إذ قدر لهم كتابة سيرتهم الذاتية ماذا يحجبون منها.. ولماذا؟.

سمية عبد المنعم: سأحجب كل لحظات الضعف 

 من جهتها قالت الكاتبة الصحفية  والقاصة سمية عبد المنعم :أرى أن كل تلك اللحظات التي لم أستطع فيها التغلب على يأس سكنني أو إحباط تملكني أو ضعف غلبني، تستحق أن تحجب وألا أتذكرها برمتها؛ لأن استعادة تلك اللحظات من شأنه أن يؤثر سلبا على حماس يسكنني الآن، أو شجاعة تتملكني في مواجهة الحياة.

وتابعت عبد المنعم "أيضًا أستطيع أن أمر مرور الكرام على لحظات الألم والفقد، ربما وثقتها إبداعًا شعرًا كان أو قصة، يدور حولها ويحيط بعمومها دون الغوص في تفاصيل تعيدني إلى اللحظة الأليمة ذاتها، لذا فإن حجبها أو الإشارة اليها من بعيد سيكون أكثر نفعًا من اقتحامها ذكرًا وتأريخًا.

وأضافت عبد المنعم: “أشعر دوما بأن ما يستحق أن يخلد من حياتنا وتكتشفه سيرة ذاتية، هي لحظات الفرح والتحقق والانتصار على الآلام، تلك التي تبعث في النفس إقبالا على الحياة لا إعراضًا عنها، وتعد مثلًا يحتذى في اقتفاء الأمل والتفاؤل”.

كذلك فإن شرور الذات التي قد تدفع البعض لإيذاء الآخرين، سواء كان عن قصد أو عن غير قصد، مما أعده نوعا مختلفا من الضعف البشري، لا أراها مناسبة للذكر في السير الذاتية، فإن الأخيرة توثيق لحياة حافلة يستحق صاحبها أن يطلع الآخرون على منجزاته وليس على أخطائه وضعفه، فنحن هنا لسنا بصدد أدب اعتراف قد يعري صاحبه ذاته فوق الورق.

وتختتم عبدالمنعم قائلة: “الأمل والإنجاز والتحقق.. تلك هي الحياة التي تستحق التوثيق في سيرة ذاتية.. تلك فقط”.

هويدا عطا: سأحجب كل ما هو شخصي 

من جهتها قالت الكاتبة الصحفية والروائية هويدا عطا"ان الحياة بكل مافيها هى مغامرة كبيرة شيقة وشقية، في آن واحد، نعيشها بحلوها ومرها رضينا أم أبينا، فكيف للسفينة أن لا تكمل مسارها المرجو لها، مهما جابهتها المفاجأت الصادمة ونحن كذلك لنا أن نحيا ولو بقليل من الرتوش والألوان الزاهية، التي نخبئ بين طياتها بعضًا من الأحوال الخاصة بنا التي يلتمسها فينا أقرب الناس إلينا مما يكبح رغبتنا في البوح بها للجميع وصياغتها على بياض مذكراتنا دون خوف.

وتابعت عطا: "لن اتناول في سيرتي انني  الوجه الآخر، لأختي التي ماتت قبل ميلادي بثلاثة سنوات، والتي وجدتني أحل محلها وأحمل نفس اسمها بناءا على رغبة والدتى الباكية الملحة بتعويض ربانى  لابنتها الجميلة التى فقدتها طفلة غضة، وأعيش أنا الحيرة السنوية فى الاختيار مابين الاحتفال بعيد ميلادي أنا أم ميلادها هي؟.

ولفتت عطا إلى أن: “ساحجب الحديث عن سرعشقى لارتشاف قهوتي بوقت غروب الشمس ورحيلها عن الحياة وكأنه فرمان عثماني فرض علي منذ ربيع عمرى، إلى الآن وتفرض هذه القهوة سطوتها علي أيضًا، حينما لا استطيع الكتابة دونها ورائحتها الشهية التى تطغى على كل حواسى وكتابتى والأجواء المحيطة بي، فلا أقدر على الفكاك من أسرها الغامض”.

لن أتناول في سيرتي  أصعب حادث بحياتي، حادث كاد أن يودي بحياتي، عام ألفين، أثر في نفسي كثيرًا وكان له طغيان جارف علي كتاباتي  فكتبت فيه بعض قصائد وايضا كان البذرة الحقيقية لروايتي الأولى بروفة موت، بأجزائها الثلاثة، هذا الموت الذي هو بمثابة خروج حياة من حياة.

بطبيعة الحال لو قدر لي أن أكتب سيرتي ساحجب كل ماهو شخصي، وذلك لقناعتي أنه تضيف شيء للقارىء، إلى جانب أن سيرتي الشخصية تتقطع مع آخرين، سأكتب سيرتي الفكرية رحلتي بين الصحافة والأدب.

رابعة الختام 

 

رابعة الختام: سا حجب واتجاهل الألم الذي عشته مبكرًا 

ترى الكاتبة الصحفية والقاصة رابعة الختام "فعل الكتابة في ذاته هو فعل تطهر من كل شيء، عملية جراحية لتنظيف جراح ربما امتلأت ببكتريا وجراثيم الماضي، وبعد الانتهاء من كتابة النص الأدبي نشعر اننا تورطنا في جريمة انسانية وورطنا غيرنا معنا.

وتابعت الختام "عشت مع زوجي أكثر من عشرين عامًا ذقت خلالها طعم الحياةبحلوها ومرها، لكنه رغمنا عني وعنه رجل شرقي حدثت بيننا عذابات كثيرة، ربما احجب في كتاباتي أن أعز صديقاتي حاولت إفساد العلاقة بيني وبينه وحينما فشلت حاولت استمالته واستسلم قال إن الاستسلام كان بعد مقاومة لكنني كامراة قهرتني النتيجة ولم اهتم بالمعطيات.

 لفتت ربما أحاول إظهار مفردة الأم في حياتي كداعم رئيسي لعملي بالصحافة، لن أقول للقارئ أنها كانت تقاوم عملي الصحفي و توجهني للتدريس لان هذا ما الفينا عليه آبائنا.

كرهت أمي التغيير فالأنثى لا تكون إلا معلمة أجيال، لم تهتم برغباتي وعشقي للكتابة، لن أفصح عن أن أمي التي هي أنثي فضلت أخي الذكر، وجعلتني خادمة له فقط لانني أنثى، هي كباقي النساء يصنعن الصنم ويعبدونه وياكلون من عجوة صنعوها، على الرغم من أن الفتاة هي من ترعي أمها هي من تدخل معها الحمام لتدعك ظهرها، هي من تتعرى أمامها الام لدهان مرهم الظهر، والتغيير على جرح بسيط، تلك الأم هي التي لا تكف عن القول بأن الذكر يحمل الخشبة ويوسدها للدار الآخرة، نسيت أن البنت تشهد الغسل وتعطر الكفن.

 وتابعت: “سأقول للقاىء أن جدي كان أحن القلوب على وقد أتمادى في خداعك قارئي العزيز وابتكر لنفسي اسم تدليل كان يناديني به جدي، لن أقول لك ان هذا الرجل الذي مات ابنه أبي  شابًا في الأربعين من عمره جاء ليأخذ ملابسه الانيقة، ولم يكتب لنا وصية واجبة حرمنا من الميراث، انا كاذبة عزيزي القارئ وأحاول التجمل اكثر مما ينبغي، لن أخبرك بأن اليتامى ضاعت حقوقهم في كنف جد لا يحمل بضلوعه قلب”.

وختمت الختام "ساتجاهل قول المتنبي "لا بقومي شرفت بل شوفوا بي، وبنفسي فخرت لا بجدودي، لن أقول هذا لاني اختي معلمة الاجيال حين تتعرض لمشكلة في مدرستها إدارتها التعليمية احلها بتليفون، وحين تأجلت جراحة اخي ذهبت لمدير المستشفى وحجزه قبل موعده بعشرة ايام، من أجلي فتح غرفة العمليات، وحين فاق أخي من البنج قالت أمي ربنا يخليك لو فضيت الدنيا عليك لوحدك"أنا الكسبانة، ألف بنت ولا ظفر ولد.

 

شاهيناز الفقي:  لن احجب شيء عندما أقرر كتابة سيرتي الذاتية 

من جهتها قالت الكاتب القاصة والروائية شاهيناز الفقي “السيرة الذاتية تتميز عن غيرها من الكتابات ويهتم بها القارىء بصفة خاصة، فهي تشبع فضوله نحو صاحب السيرة الذاتية الذي يرغب في معرفة قصة حياته بتفاصيل لن يستطيع أن يصفها أحد غيره، التعبير عن مشاعره في مواقف معينة وعاطفته تجاه أشخاص ورؤيته للحياة والعالم من حوله، ولأنها تضيف لحياة القراء حياة أخرى بما فيها من عبر ودروس وعظات”. 

وتابعت الفقي: “أعتقد أنه من المستحيل أن يقوم أحد بكتابة سيرته الذاتية بشكل موضوعي، ربما يدون اخفاقاته ولكنه لن يصارح نفسه والقارىء أنه كان المتسبب فيها، وربما يسطر نجاحاته وقد يتنكر لمن كان وراء هذه النجاحات، الأيام تبدل النفوس و تلعب دورًا في العلاقات فمثلا عدو الأمس يصبح صديق اليوم والعكس، هل يستطيع كاتب السيرة الذاتية أن ينفصل عن ذاته ومشاعره وعاطفته في لحظة الكتابة وهو يكتب قصة حياته في سيرة ذاتية”.

وأشارت الفقي إلى أن العديد نجح من الكتاب والكاتبات  في تسجيل قصص حياتهم في كتب أو روايات سيرة ذاتية، من أهمهم طه حسين ولطيفة الزيات وفدوى طوقان ونجيب محفوظ، وعلى صعيد آخر نجد كتابًا هاجمهم المجتمع والأهل والأصدقاء المقربين حين قرروا أن يكتبوا سيرتهم الذاتية بل وصل الأمر في بعض الاحيان لدرجة التهديد بالقتل. 

أما بالنسبة للمرأة فالأمر في غاية الصعوبة في مجتمع مازال يجد صوت المرأة عورة، هل يقبل هذا المجتمع أن تكشف المرأة قصة حياتها، تتحدث بحرية عن مشاعرها ورغباتها  وعلاقتها بزملاء العمل أو قصة الحب الأولى في حياتها على سبيل المثال.

وأكدت الفقي على أن: “لذلك لا أفكر في كتابة سيرتي الذاتية بصورة مستقلة ولكن كل رواية من رواياتي هي بمثابة جزء من سيرتي الذاتية، كل عمل من أعمالي  يحمل بصمة روحي وجزءًا من أحلامي وطموحاتي وأسراري، أبطالي يشتركون معي في ذات الشيفرة الوراثية، بهذه الطريقة أتحايل على كتابة سيرة ذاتية في معظم أعمالي الأدبية”. 

وختمت الفقي ربما في المستقبل بعد أن تتغير العلاقة بين المرأة والمجتمع  ليصبح أكثر تسامحًا وغفرانًا معها، ويصير لها الحق في التعبير بحرية عما يجول بداخلها، قد أفكر في كتابة سيرتي الذاتية، وإذا اتخذت قراري بالكتابة لابد أن يكون لدي الشجاعة إلا أحجب أجزاء، إلا إذا كان هناك ضرر لأشخاص بعينهم و قد الجأ لتغيير بعض الأسماء أوإضافة الخيال لبعض التفاصيل.