رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نستعيد «عمرنا المسروق» من السوشيال ميديا؟

السوشيال ميديا
السوشيال ميديا

يتذكر الكاتب يوهان هارى اليوم الذى كان يقود فيه سيارته عائدًا إلى المنزل، فى الطريق الذى قطعه مئات المرات من قبل، لكن هذه المرة لم يكن تركيزه فى القيادة فقط، وإنما كان مشتتًا بين جهاز «iPod» الخاص به والرسائل، ليفاجأ بأن الإطار الأمامى للسيارة يهتز، ويوشك على التعرض لحادثة كادت أن تنهى حياته. من وقتها، أصبح يوهان هارى، مؤلف كتاب «Stolen Focus» أو «التركيز المفقود»، أكثر صرامة بشأن استخدام الهاتف أثناء القيادة، وإن كان ما زال يؤدى مهامَّ متعددة بالتزامن مع القيادة.

من خلال الإحصائيات، توصل «هارى» إلى أنه يمكن للمراهقين التركيز على مهمة واحدة لمدة ٦٥ ثانية فقط فى كل مرة، بينما يبلغ متوسط التركيز للعاملين فى المكاتب ٣ دقائق فقط، كما اكتشف أن التبديل المستمر من جهاز إلى آخر ومن علامة تبويب إلى أخرى، طريقة محبطة للعيش والتشتت.

جرب جميع أنواع حلول المساعدة الذاتية، حتى ترك هاتفه لمدة ٣ أشهر، وذهب فى رحلة عبر العالم لإجراء مقابلات مع كبار الخبراء وعلماء النفس، واكتشف أن كل ما نعتقد أننا نعرفه عن هذه الأزمة خاطئ. يقول يوهان هارى، فى كتابه سالف الذكر، إن نصف الشباب يكتبون الرسائل النصية أثناء القيادة، ويلقى الضوء على سبب تقليل انتباهنا بنسبة تصل إلى ٣٧٪، ويقدم لنا ٣ دروس حول أزمة الانتباه الجماعى الذى نتعرض إليه.

ويكشف «هارى» ما يمكننا فعله لاستعادة بعض التركيز المسروق، مشيرًا إلى أن «انتباهنا تضاءل منذ عصر ما قبل الإنترنت، لكن تراجعه الحالى يتسارع بمعدل ينذر بالخطر، خاصة أنه عندما نفقد التركيز، تنخفض جودة حياتنا».

بسبب عدم الرضا الشخصى عن قدرته على التركيز، أجرى البروفيسور الدنماركى سون ليمان دراسة حول الانتباه، وخلص إلى أنه حتى قبل ظهور الإنترنت فى الـ٢٠٠ عام الماضية، أصبح الانتباه أقصر، والإنترنت الآن يفاقم هذه المشكلة. 

ويرجع البروفيسور الدنماركى السبب إلى المعدل المتزايد الذى يمكننا من خلاله نشر المعلومات، من الرسائل إلى الراديو إلى الهواتف والتليفزيون المباشر، وحاليًا الإنترنت.

هذا «التسارع الكبير»- كما يسميه روبرت كولفيل- هو المشكلة، فقد اعتدنا على استهلاك ما يعادل حوالى ٤٠ صحيفة كل يوم فى الثمانينيات، وتحول العدد إلى حوالى ١٧٤ صحيفة فى عام ٢٠٠٤، ولا بد أن يكون العدد أكبر بكثير الآن.

كلما تمكنا من نشر المعلومات بشكل أسرع، زادت المعلومات التى نوزعها، وزاد هطول الأمطار «أى المعلومات» على كل فرد منا يوميًا، وأدمغتنا- ببساطة- لا تتطور بالسرعة الكافية للتعامل معها.

ويشير الكاتب يوهان هارى إلى التكلفة التى ندفعها من خلال ملاحقة مواقع التواصل الاجتماعى، قائلًا: «لدينا قول مأثور فى ألمانيا: (الشىء الوحيد المجانى فى الحياة هو الموت)، هذا يعنى أن كل شىء يأتى بسعر، حتى لو كان السعر مخفيًا فى البداية».

ووسائل التواصل الاجتماعى هى مثال رائع لهذا المثل، فنحن لا ندفع نقدًا لاستخدام خدمات مثل Facebook أو Instagram أو TikTok، ولكن يكفى كلمة «استخدام» فهى التكلفة الحقيقية، من وقتنا واهتمامنا. التمرير اللانهائى، والأزرار العبثية التى ندوس عليها، هى التى تصدر «الدوبامين» بنقرة واحدة، عبر الإعجابات والمشاركات والتعليقات، و«الخوارزميات» التى تغذيك بقصص كثيرة لتبقيك «تستخدم».. كلها مصممة لتجعلك مدمنًا عن قصد، حتى لو كان ذلك على حساب وقتك وتركيزك.

ومن السهل ارتداء قبعة الضحية، عندما يتعلق الأمر بفقدان التركيز العميق، لكننا أيضًا نحمل بعض اللوم لأنفسنا على فقدان تركيزنا، فقد طورنا ثقافة الاحتفال بتعدد المهام، نظرًا لأن مجتمعنا الآن يسعى دائمًا إلى السرعة فى تحقيق الشىء التالى، لذا تبنينا نفس العقلية فى العمل.

فكلما زاد عدد المهام وإنجازها من خلال كتابتها فى مربعات، كان ذلك أفضل، أو هكذا نعتقد، وفى النهاية، انتهى بنا الأمر إلى فعل «المهام المتعددة الأدائية»، فتجدنا فى النهاية مهتمين أكثر بالظهور والشعور بالانشغال أكثر من خلق شىء ذى معنى.

ويطيح الكاتب بوهم «تعدد المهام»، قائلًا: إنه «بالطبع تعدد المهام هو خرافة، مصطلح مخصص لأجهزة الكمبيوتر ذات المعالجات المتعددة، وليس البشر الذين يمتلكون دماغًا واحدًا فقط».

ويضيف الكاتب: «ارفض تعدد المهام، توقف عن الاحتفال بزملائك فى العمل عندما يتنقلون بين البريد الإلكترونى وPowerPoint والبرامج المتعددة، ضع حدودًا من خلال ضبط إشعاراتك على هدف معين، وهو إنجاز مهمة واحدة، للوصول إلى حالة الإلهام، وحينها ستشعر بأنك مجزٍ جوهريًا وليس ظاهريًا».