رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتبات مصريات: لا الخجل ولا الخوف يساومان الحكيمات في سيرتهن (3)

نساء تكتب
نساء تكتب

يعد البوح أحد أبرز أعمدة كتابة السيرة الذاتية، البوح اللا منتهى الذي يتجاوز فكرة الحدود والرقابة والموضوعية، هذا نجده في كتابات قليلة ونادرة منها كتابات نوال السعداوي فتحية العسال، شريف حتاته، محمد شكري، لويس عوض.

هذا يشير إلى ان السيرة بطلها الرئيس هو البوح وغالبا ما تأتي وجهة نظر واحدة، وعلى حد تعبير الكاتب والأكاديمي شكري المبخوت ان السيرة الذاتية العربية" ضعف فيها جانب البوح والتعرّي وتظلّ مشدودة إلى منظومة القيم السائدة أخلاقيّاً ونظرة المجتمع إلى سياسة الجسد.

لذا لا يمكن أن يأتي الحديث عن السيرة الذاتية دون الرجوع إلى أبرز الأسئلة المرتبط بها والمنفتح على مدى مساحة الحرية التي يمكن للكاتب أن يقطعها عبر تقديم سيرته وهو سؤال رئيس طوال الوقت نعرضه ونحاول الإجابة عنه في التقرير التالي: "إذ قدر لهم كتابة سيرتهم الذاتية ماذا يحجبون منها.. ولماذا؟

الناقدة لبنى إسماعيل : الحكيمات  لن يساومهم الخجل في تقديم سيرتهن 

تقول الناقد والأكاديمية الدكتورة لبنى إسماعيل استاذ مساعد الادب الانجليزي و المقارن

جامعة القاهرة: "يتخيل المرء انه عندما تتجلى له فكرة كتابة سيرته الذاتية فإنه سوف يحاول بشكل ما إلقاء الضوء على ما أشرقت عليه الشمس من أحداث حياتية تبلور له أولا، و لقارئه ثانيا، رحلة نجاح او تحقق أو انتصار، وأنه سيحاول تجنب مساحات بعينها من لحظات السقوط، أو مواطن "فاضحة" من الضعف و الشروخ، و أحيانا فصول من تاريخ عائلي مؤلم و مخجل بمقاييس مجتمعية قامت بترسيخ تصنيفات بعينها للبشر و السلوك.

وتتابع إسماعيل " و لكن قبل ان نتأمل حلول  محتملة لتلك المعضلة السردية للسيرة الذاتية، ييجب التوقف عند أمر او تساؤل هام للغاية: من هو ذلك الشخص الذي اندفعت داخله فكرة الكتابة عن رحلته في الحياة؟  و لماذا أخذته فكرة التسجيل السردي هذه من موقعه اليومي كفاعل لأحداث حياته ليقف أمام نفسه العارية او نصف العارية او شبه العارية ليشاهدها تتحرك متخففة من ما ستر من ملبس و اكسيسوار و مكياج داخل قصة مزدحمة بالاماكن و الوجوه و الاحداث؟ من هذا الشخص الذي اراد طواعية و بكل جرأة ( أو، ربما تهور) ان يحتل موقع المفعول به و يلعب دور القاضي و الشهود و جمهور المحكمة؟ هو بالتأكيد شخص سكن أضطراب قلبه و هدأت حيرته الوجودية و أدرك بوعي و حكمة و بصيرة انه في نهاية الامر  "قصة"، و ان كل الضجيج و الزحام، و الابواب المغلقة و المفتوحة، و الوجوه الحاضرة و الراحلة، و ينابيع السعادة و اتربة الحزن، و حركته في المكان و الزمان، كلها في نهاية الامر "ألبوم صور"، أو تنويعة لحن موسيقي على نغمة رئيسية تتكرر هنا و هناك في اشكال و ألوان قد تبدو لكل فرد منا شديدة الخصوصية او غير قابلة للاستنساخ، فكل منا له حق الايمان بتفرد تنويعة لحنه و اختلافها كلية عن من حوله.

ولفتت إسماعيل إلى ان " الأهم من ذلك هو اقتناع ذلك الحكاء ان رحلاتنا نحو السعادة أو الشقاء تحكمها دفة واحدة و هي ردود أفعالنا تجاه الاشخاص و الاحداث، و قدرتنا على تحويل "ما لا نملك من أمره شيئا" إلى شيء  نملك حتى ابسط درجات التحايل عليه و التعامل معه.  نعود لهذا الشخص المسكون برغبة عارمة في حكي قصته، و فتح الألبوم، و عزف تنوعية لحنه في النوتة الحياتية، و التحايل على الدنيا.

وختمت إسماعيل  الاجابة على سؤال المعضلة في بداية الحديث هو باختصار ان شخصا يتصف بما ذكرنا من حكمة لن يساومه الخوف او الخجل أو مصيدة طغيان التصنيفات من حوله. المحك في الكتابة هنا هو حنكة الإبداع، و قدرة اللغة على "النفخ في الصور"، و حالة سردية تحايلية تتوجه للقارئ و تتأرجح بين الاستيلاء الجميل و الذكي على عينه و قلبه و عقله، ثم ردهم و إعادتهم جميعا له، ليصبح السارد  الواعي و القارئ  الصديق رفقاء السيرة و التكشفات الذاتية.

الشاعرة رضا أحمد 

رضا أحمد: الشخصية كمزار مؤقت

تقول الشاعرة رضا أحمد : لو كان لي أن أكتب سيرتي الذاتية، بالتأكيد سأحجب أسماء الأشخاص التي مرت بي وأترك المساحة كاملة لوصف الموقف الذي سطعت فيه شخصياتهم وتمددت لتستولي على أحداث حياتي بكامل رقتها وعنفها، لأنه قياسا على ما تركته لي الحياة من تجارب وخبرات، الأسماء لا تعني شيئا مقابل اليد التي تسرق منك لحظتك وتهيمن على حياتك بلمسة حنان أو صفعة حتى لا تكرر خطأ أو تحلم بما تريده وتخرج عن القالب والتابوت الذي وضعوك داخله أو حتى تتنفس في وجودها.

ولفتت أحمد إلى ان "  هذا الطغيان الشخصي للمواقف لم يترك لي الكثير لأذكره للآخرين بخوف أو بمحبة، اتأمل الموقف فقط بكل أبعاده وحيثياته والأثر الذي خلفه عقب حسابات طويلة أحصي فيها هزائمي وانتصاراتي، أقول لنفسي أن هذا وأكثر سيمر وأن كل ذلك مجرد خطوة، كلمة ومعرفة تساهم في تكويني ولا أسامح أحدا ولا أمتن لأحد إلا في حدود الموقف لأني لا أعقد آمالا كثيرة على الحياة في ظل هذه المادية القاسية التي تغير الناس، أدع المواقف تمر وأغوص داخلي وأكون ملكة على المشهد لأني سبب حدوثه وليس ذنب الآخر أنني جعلته متسلط معي أو قاس أو محب، ربما كان هذه القسوة جزء من استراتيجيتي في مواجهة الحياة وتحمل الخذلان أو اعتذارا أقدمه لنفسي، في سيرتي سأضع مكان الأسماء تلك الآثار العميقة التي خلفتها في حياتي سواء كان الأثر حديقة شاسعة من الغمام أو الندوب أو قصور في الرؤية أو لدغات في الذاكرة أو ورود أزعجتها الظلال العنيدة لطموحاتي، لن أخلد أحدا بذكر اسمه، هذا يجعلك هش ضعيف بشكل مزري ويجعل من الآخرين تلك الوحوش التي هزمتك بصحبتها أو بخيانة محبتك، هذا اعتراف ضمني بأحقيتهم في بعض أجزاء حياتك، في الحقيقة لا أعرف أن كان حجب الأسماء هذا بسبب ذاكرتي الضعيفة في الحفظ أو بسبب قدرتي على النسيان والتجاوز ربما كان بسبب اعتقادي أن الأسماء لا تخص أصحابها حين تبقى كل شخصية مزار مؤقت تطوف حوله الأسماء قليلا ثم تبرحه إلى شخصيات أخرى مع أناس آخرين في مواقف وظروف مختلفة، وأنا لا أريد أن أحاكم أحدا باسمه ولكني سأدع المجال للحدث بكامل بمعطياته في رسم مشهدية الأثر، وأتتبع هذا الأثر ولن أخفي أي شيء، سأجعل الشخصية تنوب عن الاسم فقط.

 

أميمة عز الدين 

أميمة عز الدين: اتجنب الصفحات القاتمة من سيرتي 

تقول الكاتبة القاصة أميمة عز الدين: لو قدر لى كتابة سيرتى الذاتية واظننى لن افعل ، سوف امزق تلك الصفحة القاتمة والتى تذكرنى بصديقتى ابتسام والتى كانت تعانى من مرض القلب وأمراض أخرى..كانت زميلتى بالجامعة وصديقة خفيفة الحضور والطلة هشة ان اقترب منها احد تتفتت ،لم تواظب كثيرا على حضور المحاضرات. لسبب لا اعلمه وجدتها تقترب منى بوجهها الشاحب الاصفر وهزالها وصوتها الضعيف والذى كان يبدو وكأنه آت من بئر عميق وتخبرنى انها مريضة وقد لا تعيش طويلا . فى البداية لم اصدقها لكنها تفرست فى وجهى والحزن يغلف ملامحها ثم صمتت وغابت بضعة اسابيع ثم عادت لتخبرنى ان اهلها قرروا ان تموت بالبيت فى كرامة فمرضها لا يستاهل المغامرة بالذهاب الى الجامعة فقد تسقط مغشيا عليها .

فى ذلك اليوم وجدتها تبتسم وكأنها تودعنى وتخبرنى انها تحلم بالمكث طويلا بالدنيا

تابعت أميمة عز الدين " ثم اعطتنى عنوانها وتوسلت بعينين ذابلتين ان ازورها واودعها ولأن بيتها كان بعيدا عن مدينتى لم اتمكن من اقناع امى بضرورة زيارتها ومر شهر كامل لم اسمع شيئا عن ابتسام ..حتى زميلاتها اللاتى يسكن معها في نفس المدينة لا يعرفن شيئا عنها ..فمنها من تقول انها تعالج فى مستشفى كبير بالقاهرة وأخرى تجزم انها تزوجت وسافرت مع زوجها احدى دول الخليج..لم يكن الهاتف المحمول قد ظهر لكن تذكرت انها اعطتنى هاتفهاىالمنزلى لكنها اوصتنى الا اتصل بها حتى لا تتعرض للتوبيخ من اهلها..اقنعت نفسى اننى لم اقصر بالسؤال عنها ..كان لدى احساس اننى لن أراها ابدا..واوهمت نفسى انها تزوجت وسافرت بعيدا..الى ان قابلت اختها صدفة وعرفتنى دون ان اعرفها ..كان ذلك بسبب تلك الصورة التى اصرت ابتسام على التقاطها لى ولها بكاميرا كوداك موديل ٨٥..كانت ترغب بشدة بالاختفاظ بالصورة ولم تسمح بمنحى نسخة فورية مثلها رغم علمها اننى لا احب التصوير...لم ارتح لملامح شقيقتها التى لا تشبه ابتسام..التى تشبه بياض الثلج الباهت بينما شقيقتها تبدو مثل ولد اسمر اللون يتخفى شعرها تحت وشاح زيتى اللون لكنه يعلن خشونة فى ملمسه..لم ترحب بى الشقيقة بل نظرت فى انزعاج قائلة ..لا اعرف لماذا كانت تحبك ابتسام ؟

أميمة عز الدين "ختمت " سألتها عن ابتسام واخبرتنى فى قسوة انها ماتت منذ عام واستراحت ...ثم رحلت الشقيقة بينما ينتابنى احساس من الحزن والندم على عدم زيارتى لابتسام ..لم أدرك حينها انها تحتضر ..عاودت الذكريات بقوة فى عقلى وفسرت كل كلمة وموقف كان يصدر منها..كانت تحاول اخبارى انها ستموت قريبا ..الغريب انها قالت لأختها انها احبتنى كثيرا لكننى لم اقدر محبتها جيدا...تمنيت وقتها لو اننى لم اقابل ابتسام ولا اختها والتى اختفت هى الأخرى في ظروف غامضة.

عزة رياض: التجارب متشابهة والألم متفاوت  

تقول الكاتبة  القاصة والشاعرة عزة رياض "اتسأل دوما ماذا لو كتبت سيرتى الذاتية يوما ما ، ماذا لدى اذكره له قيمة بأن يطلع عليه الناس ، فالتجارب متشابهة والألم متفاوت والسعادة نسبية ، والنجاح والفشل حليفان للجميع ، هل اكتبها مدحا لذاتى وتبرير لاخطائى؟ هل استعرض منها مواقف معينة تظهرنى بشكل فيه بطولة رغم بساطة التفاصيل، اكتبها من لحظة التكوين حتى وضع القلم ، ام اكتبها من اللحظة الفارقة فيها التى حدثت بها تحولات جعلت منها قيمة تكتب واذا ما استقر الأمر على وضع ما، بالطبع فسيكون هناك اتفاق ضمنى مع ذاتى بان سيحجب بها بعض الحقائق ، ربما تكون خاصة ، بأسباب تتعلق بتفوقى فى بعض المجالات ، ليس لانها سرا أخشى ان يطلع عليه احد او يوجه لى إتهامات بسبب اعترافاتي المكتوبه.

وأكدت رياض أن "وصلت لتلك المرحلة التى افتخر فيها بنفسي ، كان سبببها الرئيسى الخذلان والاخفاق من المقربين ، وعدم شعور الأمان بينهم ، ومراهنتهم الخاسرة على انحصار دورى فى تقيمات هم من وضعوها لى بسقف معين من منظورهم اننى لن استطيع ان اتخطاه أو ان اخترق هذا السقف ، نعم كان لهم الفضل ، ولكن مقابل الألم الذى عشته، لن أخلد وجودهم حتى لو كان بتنويه فى كتابة سيرة ذاتية او مذكرات ، هؤلاء سقطوا منى فى بئر النسيان ، وسيسقطون فوق الأوراق ايضا،  ثانى اختيار للحجب ساختار التضحيات التى  قمت بها ، فالجميع لديه رغبة بأن يكون ضحية والجميع لديه تضحيات قام بها وبالطبع تلك التضحيات امر ثمين لدى اصحابها ، اخاف ان اسردها فيستهين البعض ويقلل من شانها 

وختمت رياض "ساحجب الأسماء وارمز اليها بحروف  حتى لايتورط احد كان شريكا معى فى حكاية بمواجهة لم يكن مستعدا لها، ربما من الأفضل ان لا نكتب سيرة  لتظل الحكاية لها الف حكاية من منظور من اراد ان يعرف ليجد مايريحه ، شيء اشبه بمزج الحقيقة بالخيال، او كالنهايات المفتوحة للروايات