رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتبات يجيبن.. ماذا نحجب من سيرتنا الذاتية ولماذا؟ (1-1)

سيرة  السيرة الذاتية
سيرة " السيرة الذاتية" من البوح للحجب والتقويض

يعد البوح أحد أبرز أعمدة كتابة السيرة الذاتية، فالبوح اللامنتهي الذي يتجاوز فكرة الحدود، والرقابة والموضوعية، نجده في كتابات قليلة ونادرة منها كتابات نوال السعداوي، وفتحية العسال، وشريف حتاتة، ومحمد شكري، ولويس عوض ما يشير إلى أن السيرة بطلها الرئيسي البوح، وغالبا ما تأتي وجهة نظر واحدة، وعلى حد تعبير الكاتب والأكاديمي شكري المبخوت إن “السيرة الذاتية العربية ضعف فيها جانب البوح والتعرّي وتظلّ مشدودة إلى منظومة القيم السائدة أخلاقيّاً ونظرة المجتمع إلى سياسة الجسد”.

لذا لا يمكن أن يأتي الحديث عن السيرة الذاتية دون الرجوع إلى أبرز الأسئلة المرتبطة بها والمنفتحة على مدى مساحة الحرية التي يمكن للكاتب أن يقطعها عبر تقديم سيرته وهو سؤال رئيسي طوال الوقت نعرضه ونحاول الإجابة عنه في التقرير التالي: إذ قدر لهم كتابة سيرتهم الذاتية ماذا يحجبون منها، ولماذا؟

 

زينب عفيفي: لا أخفي سرا مع نفسي

قالت الكاتبة الصحفية والروائية زينب عفيفي: “قد أثير دهشتك لو أخبرتك أنني أكتب يومياتي بصفة شبه منتظمة، ليس كنوعا من تسجيل سيرتي الذاتية وإنما كي أرى صورتي أمام مرآتي الخاصة التي لا يراها غير الله وأنا”.

وأضافت عفيفي: “لا أخفي سرا مع نفسي، نحن إلى حد كبير متصالحتان، أنا والأخرى بداخلي، وربما لا يعرف إلا القليلون أن توأمتي رحلت منذ لحظة ولادتي، وأخذت معها حياة أخري لم أعيشها ولكنها حاضرة دوما في كل تصرفاتي وعلاقاتي مع الآخرين”.

وتابعت: “أعيش بتوأمة لا يشوبها أي انفصام نفسي، أحيانا نتصارع على موقف أو حدث ما أنا أرفضه وهي تفعله بكل أريحية، وسرعان ما نتشاجر ونتصالح لصالح وجودي الحقيقي، وكثيرا يختلط خيالي بواقعي ، وأحلام يقظتي”.

واستكملت: “أعيش حياة تميل إلى المثالية التي تصيبني كثيرا من الخذلان والخيبات، التي تعلمني في الحياة أنه لا يصح إلا الصحيح حتي لو أخفقت بسبب تصرف طائش أو فعل مجنون، ومثل هذه الأفعال التي تتصف بالجنون جميع البشر يفعلونها ولست وحدي، ولأنني أعيش حياة مستقرة بشكل عام قبل الزواج ومن بعده، فالجنوح والجنون أعيشه في كتاباتي، على الورق”.  

وأكدت عفيفي: “ورغم عاطفتي الشديدة التي أعيش من خلالها فدائما عقلي يقظ، أنه يراقبني دائما في أشد لحظات ضعفي في الحياة، ولا أحد ينجو من ضعفه مهما أدعي القوة، وما قد يصبني من خذلان من موقف محدد أو شخص مقرب، لا يقتلني، ولا أحد يمكن أن يتخيل أو يصدق أن القراءة والكتب أنقذتني كثيرا، وخاصة أنها كانت دوما ملاذا لي، ومتسع من الحياة التي أعيشها مع أبطال الروايات، كل هذه التفاصيل التي قد تبدو عادية أو خيالية في عيون الآخرين هي حياتي بكل بساطة”.

واختتمت: “الاستقرار النفسي والعائلي كانا سندا في مواقف صعبة واجهتني كثيرا في عالم الصحافة المليء بالمتناقضات، لا يوجد في حياتي ما أخجل منه في العلن أو أخفيه ، أما ما بيني وبين نفسي هناك حسابات يومية لا تنتهي وهي ليست للكتابة أو النشر”.  

الروائية منى العساسي 

منى العساسي: كتابة السيرة الذاتية تحتاج الجرأة والشجاعة 

من جهتها، قالت الكاتبة الروائية منى العساسي: “مؤخرا جمعني لقاء بالعراقي القدير المستشار فخري كريم صاحب دار المدى والكاتب الصحفي سيد محمود، دار حديث بينهم حول مذكرات غبور الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية ومدى أهميتها والمميز فيها. في تلك اللحظة انشغل ذهني بعدة أسئلة منها لماذا قد ينشر أحدهم سيرته الذاتية أو جزء منها كمذكرات للعامة؟ ما الذي يجعل لدى أحدهم رغبة جامحة في أن يطلع الناس على أسراره وأصعب تفاصيل حياته؟ وهل حقا ما ينشر هو كل التفاصيل أم هو فقط ما نستطيع أن نبوح به؟ أرى أن تبقى الأشياء الأكثر سوداوية حبيسة زنازين الذاكرة، الحقيقة لم أشغل بالي كثيرا بطرح تلك الأسئلة أو حتى محاولة الإجابة عنها في هذا الوقت، فلطالما كنت أكتب رواياتي لأتحرر من ثقل التجربة، من وجع الماضي ومرارة  الحاضر”.

وتابعت العساسي: “أرى أن كل كتابة لي هي بطريقة ما تلمس شيئا في ذاتي، ولكي أكون صادقة لم افكر يوما أن اكتب سيرتي الذاتية ككتاب مستقل، ربما  أرى أنني من هؤلاء الذين  لا يملكون تجربة فريدة تستحق التوثيق”.

واستكلمت: “لو  قدر لي يوما كتابة سيرتي الذاتية، ماذا سأخفي؟ أنا حقا أتساءل معكم الآن ماذا سأخفي ولماذا؟، سؤالك عصف بذهني وجمع مئات المشاهد التي لم أبح بها يوما لأحد، لم أجرؤ حتى على مناقشتها مع نفسي، لكن وهي تمر أمامي الآن أتساءل هل حقا تستحق أن تعرف، هل ستعوض معرفتها شيء، هل ستفيد الآخرين بشىء، بعد كوبين شاي وفنجان قهوة وقفزات سريعة للذاكرة فوق سطور الأيام والخبز الحافي، وجدتني أردد داخلي ربما لن تفيد لكني سأتحرر ربما سيبادر هذا العالم المدعي بذبحي كشاة لكن ضمير الأنا الذي سيتردد بين السطور في كتابي سيكون شاهد عيان يخبر الجميع أنني كان لدي الشجاعة لأواجه نصفي المظلم، ولن أكتب سيرتي أن لم أملك الشجاعة لأقول كل شيء”.

 

سهير عبد الحميد

سهير عبد الحميد: "الحجب" لون من التزييف يفقد السيرة مصداقيتها 

فيما قالت الكاتبة والباحثة في التاريخ سهير عبد الحميد إن "السير الذاتية صادقة بقدر ما هى مشين"، هذا ما قاله لي يوما مفكرنا الكبير د. جلال أمين حين أبديت له اندهاشي من جرأته في طرح سيرته الذاتية فكتب أن والده المفكر أحمد أمين لم يكن مواظبا على الصلاة وأن والدته طالما تمنت لو أنها تزوجت ابن خالتها وغيرها من التفاصيل. على النقيض منه لم يكشف والده أحمد أمين في مذكراته "حياتي" اللثام عن كل الأسرار الكامنة، لكنه لم يخدع القارىء أيضا فقال في مقدمة الكتاب "لم أذكر فيه كل الحق ولكني لم أذكر فيه أيضا إلا الحق، فمن الحق ما يرذل قوله.. وإذا كنا لا نستسيغ عري كل الجسم فكيف نستسيغ عري كل النفس". 

وترى عبد الحميد أن "نظرية كل من "أمين" الأب وأمين “الابن”، تمثلان وجهتي النظر السائدتين في كتابة السير الذاتية".

وأكدت عبد الحميد: "في يقيني الشخصي أن عملية الحجب التي قد يمارسها الكاتب عند توثيق سيرته الذاتية فيخفي أشياء ويبرز أخرى نوع من التزييف من قبيل "إني لا أكذب ولكني أتجمل". ومبدأ الحجب حين يعتنقه أحدهم يجعل السيرة غير واقعية وغير صادقة وبالتالي غير مؤثرة. والكذب في بعض جوانبها يفقدنا الثقة في سائر سطورها، تماما كما حدث مع مذكرات الزعيم أحمد عرابي الذي أحب أن يضفي على ذاته سمات البطولة والأسطورية فألف على لسانه العبارة الشهيرة "لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا عبيدا أو تراثا" وكل شهود الواقعة ومؤرخي عصره نفوا تماما أن يكون عرابي قد قالها . بل وكذبوا روايته كاملة فعرابي لم يمتطى حصانه وهو يتحدث مع الخديو بل إن الخديو كان واقفا عند مدخل السراي على السلاملك حين تقدم اليه عرابي وهو الأمر الأكثر منطقية".

وتختم عبد الحميد قائلة: “في النهاية فأنا ضد فكرة الحجب تماما، ولو قدر وكتبت سيرتي الذاتية لن أحجب منها أية تفاصيل”.