رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيش الحياة.. مواجهة الألم والتعلم من الخسارة طريقك للسعادة الحقيقية

السعادة
السعادة

تخيل عالمًا بلا حزن أو خسارة أو معاناة ولا أحد فى حالة مزاجية سيئة ولا نسمع عن الدموع ولا يستيقظ أحد فى الساعة الثالثة صباحًا وينتابه القلق بسبب التفكير فى المستقبل.. تخيل أن العشاق لا يتركون بعضهم والأحباء لا يموتون أبدًا، والحياة مستمرة دون ألم، هل يمكن أن تكون سعيدًا فى هذا العالم؟

هذا التساؤل تجيب عنه الكاتبة الأمريكية سوزان كين فى كتابها «Bittersweet»، قائلة: ربما يفكر البعض فى أن هذا العالم سيكون سعيدًا لكن الأمر قد يكون أصعب مما يعتقدون.

تقول «كين»: «الحزن والألم والخسارة كلها مشاعر تلعب دورًا مهمًا لدى الإنسان، وبدونها ستكون أفراح الحياة أكثر دونية، والناس الذين نحبهم لن يشعروا بقيمة المشاعر الثمينة، ولحظات السعادة لن تصبح بهذه الخصوصية إطلاقًا، لأنه بدون ظلام لن تلاحظ النور، وإذا لم تتذوق المرارة من قبل فلا يمكنك التعرف على الحلو».

وتؤكد أن التصالح، وحتى احتضان الجانب المرير من الحياة، يمكن أن يساعد على العيش بلطف أكثر، وتقول: «بينما تجعل نفسك تنفتح على الحلاوة المرة قد تدرك أن الإيجابية المطلقة مبالغ فيها، لأن الألم والخسارة بهما دروس يمكنك التعلم منها».

وتشير إلى أنه عبر الأجيال والثقافات طالما أدرك البشر أن المرارة والحلاوة والفرح والحزن متشابكة فى جوهرها، وأن فى كل حياة «أيام عسل وأيام بصل»، وأن المتعة هى فى تلك المشاعر المختلطة.

وتوضح «كين» أننا ننجذب إلى الشىء الحلو ذى المذاق المر حتى فى الموسيقى أيضًا، وتستشهد بدراسة حديثة صدرت عن جامعة ميشيجان بالولايات المتحدة تؤكد أن الأشخاص يستمعون إلى أغانيهم المفضلة السعيدة ١٧٥ مرة فى المتوسط، فيما يستمعون إلى أغانيهم المفضلة الحزينة ما يقرب من ٨٠٠ مرة.

وتضيف: «لماذا نستجيب بشكل عميق للتعبيرات الجميلة ذات المعنى المُر؟، قد يكون رد الفعل هذا متأصلًا فينا وإن كانت قوته تختلف من شخص لآخر، إلا أن البشر جميعًا يشتركون فى شىء يسمى غريزة التعاطف، أى أنه يتم تحفيز تعاطفهم عندما يلاحظون أن الآخرين يعانون من الألم».

وتتابع: «غريزتنا فى التصرف بحنان تجاه بعضنا البعض هى بدائية تمامًا مثل غريزتنا فى تناول الطعام عندما نشعر بالجوع أو البحث عن الدفء عندما نشعر بالبرد، ففى الأيام الأولى لنا على الأرض اعتمد بقاؤنا على هذه الغريزة لحماية الآخرين ورعايتهم».

تشير الكاتبة أيضًا إلى أن الحزن له وظيفة إنسانية تطورية مهمة، كما قال عالم النفس داتشر كيلتنر، الذى أكد أن «الحزن يتعلق بالرعاية»، مضيفة: «يساعدنا الألم على الاهتمام بحزن الآخرين وتطور العلاقات الإنسانية فى المجتمع، كما يتيح لنا الاهتمام بحزننا إلى عيش تجربة الحياة بكل ثرائها وتعقيدها».

وأوضحت «كين» أن كبار السن يميلون إلى السعادة وتقبل الحياة بشكل أكبر، واستشهدت بما توصلت إليه الدكتورة لورا كارستنسن، أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، وتأكيدها أن كبار السن يميلون إلى السعادة مقارنة بغيرهم، لأن هؤلاء الناس يغفرون بسهولة، ويحبون بلا حذر، ويسارعون إلى الشعور بالامتنان والبطء فى الغضب، ويكونون الأكثر تكيفًا مع الحياة.

وترجع ذلك إلى أن سبب سعادة كبار السن يعود إلى شعورهم المتزايد بعدم الثبات، لأننا كلما تقدمنا فى السن، كقاعدة عامة، زاد وعينا بالموت والخسارة، فلحظات الفرح تصبح مؤثرة أكثر، وبعبارة أخرى، مع استمرار الحياة تظهر طبيعتها الحلوة المرة بشكل طبيعى.

وطلبت الكاتبة من الأشخاص الذين يعانون من الحزن باستمرار التخلى عما فقدوه، مشيرة إلى أن ذلك لن ينزع الألم لكن بدلًا من محاولة إنكار الحزن فعلى الإنسان أن يركز على قدرته على حمل الحزن معه خلال رحلة الحياة والتعايش والتصالح معه، لأن الانغلاق على الحزن لا يمكن الإنسان من عيش تجربة الفرح الحقيقى.

وتوجه نصيحتها للقارئ بقولها: «ابدأ بالتعاطف مع نفسك أولًا، تقبل المر فى حياتك إلى جانب الحلو، وتحدث إلى نفسك بلطف كما تفعل مع صديق عزيز، فمن خلال البدء فى تقدير الحلاوة المرة فى نفسك يمكنك تقدير الفرح والحياة».