رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لا يسلم عليك أبدًا».. سعيد شيمي يروي حكايته مع هنري بركات

هنري بركات
هنري بركات

في كتابه الذي صدر في ثلاثة أجزاء عن دار الهالة للنشر والتوزيع تحت عنوان ” حكايات مصور سينما.. الغريب والخفي أثناء عمل الأفلام ” يحكي مدير التصوير الشهير سعيد شيمي عن لقاؤه مع هنري بركات.

 يقول سعيد شيمي:" أعرفُ الكاتب السيناريست سمير عبد العظيم منذ أيام التقديم في معهد السينما عام 1963، ولكن ظروفَ كلٍّ منا أبعدتنا عن بعض؛ حتى اتصلَ بي مكتب (أفلام الكروان) عام 1980، وعلمت أنها شركة بين سمير عبد العظيم والمخرج هنري بركات، عندما ذهبت إليهم قابلت هذا المخرجَ الذي كنت أشاهد أفلامَه وأنا صبي وشاب وأحببتها مثل (دعاء الكروان) 1959، (الباب المفتوح) 1961، (الحرام) 1965، وغيرها، ولما طلبَ مني أن أصوِّرَ فيلمَه الجديد (شعبان تحت الصفر) انتابني فرحٌ وخوف معًا، فأنا سأعمل مع هذه القامة التي حفرت في ذاكرتي أفلامًا جميلة رائعة، ورهبةً أكثرَ من الخوف لأنني سأعمل مع تاريخ فني وإنساني.

ويضيف:" أخذت السيناريو للقراءة وهو قصةُ وتأليفُ سمير عبد العظيم؛ فيلمٌ خفيف تغلبُ عليه المواقف الكوميدية، ومبنيٌّ على استغلال سذاجة البطل وأحلامه، بطولة نجمي الكوميديا وقتها عادل إمام وإسعاد يونس، في العادة أنا متعوِّدٌ أن أتناقشَ مع المخرج بعد قراءة السيناريو، لكن أغلب من عملت معهم حتى وقتها هم من جيلي وسني، فهل أتصل من أجل مقابلة الأستاذ هنري بركات وخاصة وهو الآن كبير السن، أم أنتظر فربما هو من يتصل بي في مكتب الشركة للقاء جديد مع الأستاذ؟ لكن لم يحدث لا هذا ولا ذاك، بل حضر لي أمرَ العمل مباشرةً من مكتب الريجسير بيوم التصوير والمكان وساعة الحضور، يعني كان مطلوبًا مني التوجُّه إلى العمل مباشرةً، وكان هذا في فيلا في ناحية الهرم.

ويكمل:" يوم التصوير قبل الميعاد بساعة كنت متواجدًا في الفيلا مع كل العاملين معي مساعد التصوير شريف إحسان وأسطى الإضاءة فوزي لبيب والميشانيست عبد الرزاق، وكنا على أتم الاستعداد للعمل، وأنا أترقّبُ حضورَ الأستاذ بركات؛ وبالطبع لن أناقشه في السيناريو، بل سأكون مطيعًا لما يطلبه مني من تصوير في المكان، ووجدت طلباتِ الأستاذ بركات في التصوير بسيطةً للغاية، ولم أكن متعودًا مع مخرجي جيلي إلا على اللقطات الصعبة التي فيها تحدٍّ قوي بيننا.

المهم، بدأت أصور ما يطلبه مني، ولكن وجدت نفسي أقترح لقطات من فوق السلم بالفيلا، وبعض اللقطات التي في اعتقادي ستكون أكثر ملاءمةً، وهي متعددة الزوايا، وأقترح أن يشاهدها الأستاذ من خلال الكاميرا، فاقترب الأستاذ بركات وهو يبتسم وقال لي: «بص يا بلبل!»

قلت له: «بلبل!»

فقال: «أيوه، بلبل، عمال تتنطط فوق وتحت وتروح هنا وهناك، بص! أنا مش ببص في الكاميرا ولا حتنطط زيك، لكن أكثر حاجة تهمني أن تكون كادراتي (ثيرية)!»

فقلت له مندهشًا: «حاضر!»

وأنا لا أعرف ما هي الـ(ثيرية) تمامًا.

رحتُ ألفُّ كلَّ المصطلحات في رأسي من عربية وإنجليزية، ولم أجد مع هذه القامة الكبيرة تفسيرا لكلمته، ووقفتُ محتارًا ماذا أفعل، وماذا أقول له، هل ينبغي أن أسأله ما معنى (ثيرية) فأُصبِحَ المصوِّر الشاب الكويس الجاهل؟!

أخذت ألف وأدور محاولا أن أجعل الأستاذ ينظر من خلال الكاميرا ولو مرةً واحدة حتى أفهمَ رأيَه، وأستنتج هذا الـ(الثيرية) ولكن من دون فائدة.

في النهاية ذهبت إليه منكِّسًا رأسي وسألته: «ما هي الـ(الثيرية)؟» فضحك وقال لي: «ما خدتش في المعهد الـ(ثيرية)؟»

قلت: «لا!» فقال لي: «يعني الكادر ملموم على الممثلين، مش واسع ولا مبهوأ»

فاسترحت من بعد هذه الجملة والفهم، فكل ما أصوره (ثيرية) من دون أن يقول لي.

ويواصل:" عملت مع الأستاذ هنري بركات في هذا الفيلم بشكلٍ مختلِفٍ عن أفلامٍ سابقة لي، فهو السهل الجميل، خبرة السنين التي جعلت منه متمكِّنًا من وضع الكاميرا في المكان المناسب لظهور الحدث؛ ومن دون إحساس بالكادر المصنَّعِ غير الطبيعي، إنسان تعمل معه ولا تشعر أنه قائد الفيلم، ظريف ضحوك، لا يسلم عليك بيده أبدًا، وإن مددت يدك لتسلم عليه يقدم يدَه سريعًا ليضرب يدك نقرًا (تتش) ويرجع، فهو حريصٌ أن لا يلتقط من يدك أي مكروبات تحملها.

مرت أيام تصوير الفيلم سريعة بسبب الأستاذ وحبنا له، وكوميدية عادل إمام وإسعاد يونس ودهاء جميل راتب، ونجح الفيلم بشكلٍ كبيرٍ؛ فقد كان ينقل بشكلٍ ما صورةً عن نصابي الانفتاح، وخرجت أنا بتعلم شيءٍ أساسيٍّ من الأستاذ هنري بركات وهي أنه كلَّما كنت بسيطًا وطبيعيًّا في صورتك وصلت إلى الناس والجمهور أسرَع وأجمل؛ كما حصلتُ على لقب (بلبل) وعرفت معنى الـ(ثيرية).