رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحرك للأمام.. «الصكوك الإسلامية» تجذب شريحة جديدة من المستثمرين

الصكوك الإسلامية
الصكوك الإسلامية

وصف خبراء ومحللون اقتصاديون بدء الدولة فى إصدار صكوك إسلامية بأنها خطوة شديدة الأهمية للاقتصاد الوطنى، لكونها الأداة الأكثر أهمية لجذب شريحة جديدة من المستثمرين الذين يفضلون الاستثمار، وفقًا للشريعة الإسلامية.

وشدد الخبراء والمحللون الاقتصاديون، الذين تحدثت إليهم «الدستور»، على أهمية هذه الصكوك الإسلامية فى توفير المزيد من العملة الصعبة، وتلافى الضغط على الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن مساهمتها فى فتح باب جديد من أبواب التمويل. 

وأعلن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، الأربعاء الماضى، عن نجاح مصر فى طرح أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية فى تاريخها، بقيمة ١.٥ مليار دولار، مشيرًا إلى بلوغ قيمة الاكتتاب نحو ٦.١ مليار دولار، بما يعنى تغطية الاكتتاب بأكثر من ٤ مرات.

وقال وزير المالية إن تكلفة الإصدار كانت أقل من العائد المطلوب على السندات فى الأسواق الثانوية الدولية بأكثر من ٧٠ نقطة، حيث تم خفض سعر العائد على الطرح بنحو ٧٥ نقطة أساس، مقارنة بالأسعار الافتتاحية المعلن عنها عند بداية عملية الطرح عند مستوى ١١.٦٢٥٪، ليغلق تسعير الإصدار عند ١٠.٨٧٥٪.

وأشار إلى أن هذا الإصدار شهد إقبالًا ملحوظًا، وتقدم أكثر من ٢٥٠ مستثمرًا فى مختلف أسواق المال العالمية بطلبات شراء، موضحًا أن الإصدار جذب قاعدة جديدة من المستثمرين فى دول الخليج وشرق آسيا، إلى جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

تفتح بابًا جديدًا للتمويل بعيدًا عن السندات.. وتوفر سيولة دولارية لازمة لعبور «فترة الاختناقات»

رأى الدكتور أحمد السيد، الخبير الاقتصادى، أن الحكومة تأخرت كثيرًا فى إصدار صكوك إسلامية، خاصة أن أسواق الصكوك تقترب من حاجز التريليون دولار وتنمو بصورة سريعة، لكونها أداة مهمة لفتح أبواب جديدة للتمويل لم تكن متاحة من قبل، نظرًا لأن مستثمريها لا يستثمرون فى السندات غالبًا.

وقال «السيد» إن «الاقتصاد المصرى كان بعيدًا بشكل كبير عن هذا القطاع من المستثمرين، رغم حجمه الكبير ونموه بصورة سريعة، ودخول مصر أسواق السندات يعنى عدم محدودية البدائل المتاحة للتمويل، فكلما تعددت تلك البدائل، نجحنا فى الحصول على أسعار فائدة أفضل نسبيًا، وبالتالى بعد استقرار الأوضاع أكثر على المستوى العالمى، سيكون لدى الاقتصاد فرص للنفاذ لكتلة تمويلية أكبر».

وأضاف: «نجاح الطرح وتغطيته عدة مرات يعد علامة إيجابية على بدء التحسن النسبى فى الأسواق العالمية، وعودة المستثمرين إلى أسواق الدين للدول الناشئة، فهذه المرة الأولى التى يتم فيها تنفيذ أى طرح حكومى منذ مارس ٢٠٢٢ بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية».

وواصل: «الطرح الأخير علامة مهمة تطمئننا على تعزيز قدرة الاقتصاد المصرى على النفاذ إلى التمويل، حتى ولو بتكلفة مرتفعة على المدى القصير، وذلك لتوفير سيولة دولارية يمكنها تغطية الالتزامات المطلوبة»، مبينًا أن «هذه الصكوك ستُستخدم لسداد أحد السندات الدولارية المقرر سدادها خلال الشهر الجارى»، لذا فإن «حصيلة هذه الصكوك تخفف الضغوط عن الموارد الدولارية فى الأجل القصير».

وشدد على أن «التجربة الأولى للصكوك السيادية فى الأسواق العالمية نجحت بشكل كبير، وهو ما اتضح فى الإقبال وعدد مرات التغطية، فى ظل الظروف العالمية الصعبة»، متوقعًا ألا يكون هذا الطرح هو الأخير.

وأوضح أن الحكومة تستهدف ما يقرب من ٥ مليارات دولار كإجمالى إصدارات للصكوك، بما يعنى وجود فرصة لطروحات أخرى تتجاوز ٣.٥ مليار دولار خلال الفترة المقبلة، ما يساعد فى تخفيض سعر العائد على المدى الطويل، خاصة مع تحسن الأوضاع العالمية، وبدء انخفاض أسعار الفائدة عالميًا.

وأضاف: «أتوقع استمرار وزارة المالية فى هذا النهج، وإصدار صكوك جديدة بقيمة ٣.٥ مليار دولار، سيتم قيدها فى بورصة لندن»، معتقدًا أن «الطلب الجيد من المستثمرين على الطرح قد يفتح شهية الحكومة للتوسع فى طرح صكوك جديدة فى الأسواق العالمية، ربما بفائدة أقل، فهى جادة بشكل كبير فى هذا الملف، لذا أنشأت شركة مخصصة لهذا الأمر».

وطالب بضرورة تطوير سوق محلية للصكوك تتميز بالكفاءة والفاعلية، بما يساعد فى جذب استثمارات أجنبية، وتحويل مصر إلى مركز مالى للصكوك فى المنطقة، سواء الصكوك المصدرة فى مصر، أو فى أى من دول المنطقة التى تحظى بطلب كبير من المستثمرين، خاصة الخليجيين.

وقال الخبير الاقتصادى إن متخذ القرار يحاول من خلال هذه الخطوات المتعاقبة عبور «فترة الاختناقات» فى الوقت الحالى، وبعد تحسن الأوضاع وانقشاع غبار العاصفة يمكن معالجة الأمور الهيكلية المزمنة، مطالبًا بضرورة تنمية الصادرات والسياحة والاستثمارات فى الوقت ذاته.

وأرجع ارتفاع الطلب على هذه الصكوك إلى سعر العائد المرتفع، الذى كان أكبر من ١١٪، ثم تم تخفيضه فى نهاية الاكتتاب إلى ١١٪، لكونه يأخذ فى اعتباره مستويات الفائدة المرتفعة فى العالم، ومخاطر التصنيف الائتمانى، وكذلك كون الصك لدولة ناشئة. لكن «مدير الطرح لم يرد المغامرة فى أول طرح، ووضع أعلى معدل عائد ممكن، لذا تمت تغطيته ٤ مرات، ما يعنى أن هناك ٤.٥ مليار دولار أخرى ما زالت مهتمة بتمويل الاقتصاد المصرى، وبالتالى يمكن إعادة استهدافها خلال الفترة المقبلة».

ارتفاع الطلب يعكس اهتمام الأسواق الدولية خاصة الخليجية

توقع هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمصرفى، أن نجاح الحكومة فى طرح أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية بقيمة ١.٥ مليار دولار سينعكس بالإيجاب على الخروج من مأزق الاستحقاقات المقبلة والالتزامات المصرية تجاه المقرضين، مشيرًا إلى أن «حصيلة هذا الطرح تعد ضمانًا للاستحقاقات، وتسهم فى الخروج من تعثر السداد».

وقال «جنينة» إنه وفقًا للاتفاق مع صندوق النقد الدولى، ستصل حصيلة العائد من الطروحات إلى ٣.٧ مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجارى، تُستخدم لسداد الالتزامات وضمان الاستحقاقات المقبلة.

وأوضح أنه تم طرح صكوك بقيمة ١.٥ مليار دولار، ويتبقى ٢.٥ مليار دولار وفقًا لاستيعاب المؤسسات الدولية هذه الطروحات، بالإضافة إلى طرح شركات من خلال البورصة بقيمة ٢ مليار دولار، وهو الأمر الذى تسعى الحكومة لتنفيذه قبل نهاية النصف الأول من العام الجارى.

واختتم بقوله: «ارتفاع الطلب على هذه الطروحات يعكس اهتمام الأسواق الدولية بها، خاصة من المؤسسات الخليجية، وذلك رغم ارتفاع العائد من الطروحات (الفوائد) نسبيًا».

تسهم فى إعادة تمويل الديون وسداد الاستحقاقات المرتقبة

قال عمرو الألفى، رئيس قطاع البحوث لدى «برايم كابيتال»، إن اتجاه الدولة لطرح الصكوك الإسلامية يهدف إلى جذب شريحة جديدة من المستثمرين الذين يفضلون التعامل مع الأوعية الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ما يسهم فى دخول مستثمرين جدد إلى السوق المصرية كانت تفتقدهم خلال السنوات الماضية. وأضاف «الألفى»: «دخول مصر إلى سوق أدوات الدين الثابت يسهم فى توفير فرص استثمارية جديدة، خاصة مع تنويع الأوعية الاستثمارية المختلفة، ما يعمل على تزويد الاقتصاد بمصادر تمويلية متنوعة».

وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة طرح نحو ٣.٦ مليار دولار فى صورة صكوك إسلامية، ما يسهم فى إعادة تمويل الديون والخروج من أزمة الاستحقاقات المرتقبة.

تساعد الدولة فى تنويع محفظتها الائتمانية

ذكر الدكتور معتصم الشهيدى، أستاذ التمويل والاستثمار، أن الدولة تستهدف من إصدار الصكوك الإسلامية تنويع محفظتها الائتمانية، حتى تكون لديها خيارات عملية فى إعادة تمويل الديون، الأمر الذى يعيد ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى، لأن تلك الخطوة تكشف قدرة الدولة على سداد كل التزاماتها للآخرين، سواء مقرضين أو مستثمرين فى أدوات الدين.

وبيّن «الشهيدى» أن هذه التجربة تم تطبيقها لأول مرة فى ماليزيا ثم إندونيسيا بين عامى ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، وشهدت نجاحًا كبيرًا فى هاتين الدولتين، خاصة فى تمويل المشروعات، فضلًا عن عائدها الدولارى الكبير، الذى سيستخدم فى الكثير من العمليات الاستيرادية وغيرها.

وأضاف: «كما أن بعض الدول الإفريقية اتجهت أيضًا فى فترات معينة إلى إصدار الصكوك الإسلامية، منها السودان ونيجيريا، بغرض تمويل المشروعات الكبرى».

خطوة لخفض الأسعار ومنع زيادة عجز الموازنة

وصف الدكتور محمد عبدالهادى، الخبير الاقتصادى، الصكوك الإسلامية بأنها من أفضل الأدوات المالية خلال المرحلة الحالية، خاصة بعدما أثبتت نجاحها فى العديد من الدول الأخرى، مثل ماليزيا وإندونيسيا وبعض بلدان الشرق الأوسط.

وكشف عن وجود فوائد متعددة لطرح الصكوك الإسلامية المصرية، أبرزها دخول نقد أجنبى يدعم الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى، فضلًا عن جذب استثمارات دولارية جديدة، ما ينعكس بالتبعية على تحركات سعر صرف الدولار، وبالتالى توفير السلع ومدخلات الإنتاج، الأمر الذى يتبعه بالضرورة تراجع أسعار السلع وخفض معدلات التضخم.

واختتم بقوله: «كما أن هذه الصكوك تؤدى إلى زيادة ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى، وتلافى عبء زيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وذلك نتيجة طرح صكوك بدلًا من الاقتراض أو طرح سندات بعوائد مرتفعة».