رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المرصد المصري» يستعرض في دراسة بحثية الإعلان الأمريكي حول «زعيم القاعدة» الجديد

تنظيم القاعدة
تنظيم القاعدة

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف فبراير الجاري أن المُكنى بـ(سيف العدل) أصبح زعيمًا جديدًا لتنظيم القاعدة، خلفًا لزعيم التنظيم المقتول أيمن الظواهري. 

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن نتائج التقييم الأمريكي تتماهى مع التقرير الحادي والثلاثين الصادر في فبراير الجاري عن فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات- المعني بتنظيمي داعش والقاعدة بمجلس الأمن الدولي- والذي خلص إلى أن الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة مقيم في إيران، وفي المقابل نفى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان” المزاعم الأمريكية بوجود سيف العدل في إيران واعتبر أنه من “السخرية” الربط بين زعيم القاعدة وطهران.

وفي ظل الإعلان الأمريكي والأممي عن أن سيف العدل يقيم في إيران ونفي الأخيرة لذلك، وتكتم تنظيم القاعدة حتى الآن عن وفاة زعيمه السابق أيمن الظواهري في غارة جوية أمريكية مطلع أغسطس 2022، وتأخره في تنصيب الزعيم الجديد، أجرت منى قشطة، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة بحثية عبر المرصد المصري، طرحت خلالها مجموعة من التساؤلات حول من هو سيف العدل؟ ولماذا تأخر التنظيم حتى الآن في إعلانه زعيمًا جديدًا؟ وما هي الكيفية المحتملة التي سيمارس بها سيف العدل زعامته للتنظيم، بالنظر إلى طبيعة خلفيته وشخصيته والمناصب المهمة التي تقلّدها داخل القاعدة؟ وأبرز التحديات التي ستواجهه في قيادة التنظيم؟.


وقالت عبر دراستها أن سيف العدل يعد أحد القادة العسكريين البارزين في القاعدة التي انضم إليها في عام 1989، وكان أمير مؤقت لها بعد وفاة بن لادن وحتى تأكيد خلافة الظواهري، وهو عضو مجلس شورى التنظيم وشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية له بمنتصف التسعينيات، ولعب دور بارز في بناء التنظيم وصقل قدراته وإمكاناته العملياتية نظرًا لامتلاكه خبرات تكتيكية عسكرية كبيرة، مكنته من إقامة معسكرات تدريب للتنظيم في باكستان وأفغانستان والسودان، كذلك لعب دورًا بارزًا في إنشاء البنية التحتية لتنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، ولا سيما الصومال.

وفي عام 1993 سافر مع أحد كبار عناصر القاعدة، أبو محمد المصري، عبر كينيا إلى رأس كبوني في الصومال لإقامة معسكر تدريب هناك، وتم استخدام البنية التحتية في هذه المنطقة كقاعدة لشن غارات على قوات حفظ السلام في المنطقة، وسافر عام 1992 مع أسامة بن لادن إلى السودان، وعاد معه مرة أخرى إلى أفغانستان في عام 1996..وحتى قبل مقتل الظواهري كانت غالبية السرديات الواردة حول حالة تنظيم القاعدة تتحدث عن أن سيف العدل هو القائم بالدور الرئيس داخل التنظيم في ظل فقدان الظواهري للشخصية الكاريزمية، ووجود الكثير من المؤشرات حول تدهور حالته الصحية.

وتابعت الدراسة أنه انطلاقًا من أهمية دور شخصية وخلفيات “قائد التنظيم الإرهابي” الجديد، في صياغة الاتجاهات الاستراتيجية للتنظيم، وطبيعة ونطاق نشاطه من الناحيتين الأيدولوجية والتشغيلية، ترجح التحليلات بأن يصبح تنظيم القاعدة أكثر عنفًا وخطورة تحت قيادة سيف العدل الذي ترى التقديرات المختلفة أنه سيكون لديه القدرة على بث الحيوية في نشاط التنظيم مرة أخرى، بالنظر إلى الخبرات التكتيكية والقدرات التنظيمية والقتالية الهائلة التي يمتلكها، وكذا خلفيته التي تذخر بالعديد من المناصب المهمة داخل القاعدة، فضلًا عن علاقته التاريخية الوثيقة بمؤسس التنظيم أسامة بن لادن، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على نشاط التنظيم وتكتيكاته المتبعة ونطاق تمركز أفرعه في الفضاءات الجغرافية المختلفة.

وأكدت الباحثة أن ما يعزز من ترجيح تلك التكهنات حالة التصاعد في النشاط العملياتي التي شهدتها القاعدة خلال عام 2022 على مستوى أفرعها المختلفة الممتدة في سوريا واليمن ومنطقة الساحل الإفريقي ولا سيما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتوجو وبنين، ومنطقة القرن الإفريقي.

وأشارت قشطة إلى أنه في حال تطابق إعلان التنظيم المزمع حول من سيخلف الظواهري مع التقارير الأمريكية والأممية الأخيرة التي أفادت بأن سيف العدل هو الزعيم الجديد للقاعدة، يمكن التكهن بأن العدل سينجح في الحصول على مبايعة باقي أفرع التنظيم بالنظر إلى تاريخه داخل القاعدة ومكانته داخل الأوساط الجهادية، إلا أن هذا لا ينفي وجود جملة من العوامل التي قد تثير حالة من الجدل داخل صفوف التنظيم إذا ما وقع الاختيار على العدل لتولي منصب الزعيم أولها، إشكالية تواجده في إيران- حسبما تشير المعلومات المتوفرة حوله- الأمر الذي قد يثير اعتراض أعضاء القاعدة الأكثر عداءً للشيعة وللأطراف والميليشيات المدعومة من إيران التي يحاربها التنظيم في بعض المناطق مثل سوريا واليمن، بالإضافة الي تعيين زعيم جديد للقاعدة مقيم في إيران ربما يمثل تهديدًا كبيرًا لحياته، كون هذا الأمر قد يضفي مزيدًا من التوترات بين الولايات المتحدة وطهران في ضوء تعثر المفاوضات النووية.

وفيما يتعلق بما إذا حاول التنظيم نقل سيف العدل إلى أفغانستان، أو إذا كان الأخير يقيم بالفعل بها؛ إذ تشير بعض المعلومات إلى أنه انتقل من إيران وعاد مرة أخرى إلى أفغانستان، ففي هذه الحالة قد يواجه التنظيم مقاومة من حركة طالبان في ضوء الضغوط الدولية المفروضة عليها، فضلًا عن أن رعايتها للتنظيم بيد أنها أصبحت غير آمنة بعد نجاح الولايات المتحدة في اصطياد الظواهري، حيث كانت عملية مقتلة بمثابة إنذار للتنظيم بأن المواقع الجغرافية التي ترتكز بها قادته باتت مكشوفة أمام جهود الولايات المتحدة الرامية إلى مكافحة الإرهاب.

وتابعت الباحثة في دراستها أنه تشير الكثير من المعطيات إلى وجود مجموعة من التحديات التي ستواجه سيف العدل في إدارته لتنظيم القاعدة، أبرزها الهزات المعنوية المرتبطة بخسارة قادة التنظيم، حيث أسفرت استراتيجية “قطع الرؤوس” التي تنتهجها القوى الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب عن فقدان تنظيم القاعدة للعديد من قياداته المؤثرة، وقد يواجه أيضاً احتمالية حدوث انقسامات جديدة بين صفوف التنظيم، ويستدل على ذلك من عاملين: الأول، الخبرة التاريخية التي كشفت عن حدوث انشقاقات داخل القاعدة، والثاني، ما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 2 أغسطس 2022 بوجود بوادر لانقسامات جديدة في صفوف التنظيم بعد ساعات قليلة من مقتل الظواهري.

ورجحت الدراسة أن سيف العدل سيواجه تحدي بقاء الفرع المركزي للتنظيم في أفغانستان، خصوصًا أن عملية مقتل الظواهري ومن بعده زعيم حركة طالبان باكستان عمر خالد الخرساني برفقة اثنين من مساعديه أظهرت أن مسألة الملاذ الآمن في كنف طالبان لم تعد مضمونة، لا سيما إذا اضطرت الأخيرة إلى تقليص تعاونها مع القاعدة استجابة للضغوط المفروضة عليها، وسعيًا إلى نيل الشرعية الدولية الغائبة عنها، فضلًا عن خضوع أفغانستان لمراقبة حثيثة من وكالات الاستخبارات الأمريكية في إطار استمرار استراتيجية “العمليات عبر الأفق”، ما قد يفرض احتمالية لجوء عناصر التنظيم في أفغانستان إلى الانزواء والعمل سرًا لتجنب الكشف عنها استهدافها، وربما يلجأ سيف العدل إلى نقل القيادة المركزية للتنظيم إلى دولة أخرى.

واختتمت الدراسة أن الإعلان الأمريكي والأممي عن تولي سيف العدل المقيم بإيران لزعامة تنظيم القاعدة، جاء بعد مرور أكثر من ستة أشهر على صمت وتكتم التنظيم عن التعقيب بالتأكيد أو النفي عن عملية مقتل الظواهري في غارة أمريكية بأفغانستان مطلع أغسطس الماضي، أو تنصيب زعيم جديد للتنظيم، وهو ما يمكن إيعازه إلى جملة من العوامل ربما يتعلق بعضها بوجود اختلافات داخلية حول من سيكون الزعيم، والبعض الآخر يتعلق بحرص القاعدة على عدم إحراج حركة طالبان أمام المجتمع الدولي الذي يشترط تخليها عن تحالفاتها وارتباطاتها الجهادية مع التنظيم للاعتراف بحكمها في أفغانستان.