رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مصر أولى بشبابها»| تدريب وتمكين اقتصادى.. كيف تصدت الدولة للهجرة غير الشرعية؟

«مصر أولى بشبابها»
«مصر أولى بشبابها»

على قدم وساق تواصل الدولة العمل فى ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، وحماية الشباب الباحثين عن لقمة العيش من مخاطرها الكبيرة، التى تصل إلى حد الوفاة أثناء السفر أو فى دول خارجية.

واتخذت الدولة العديد من الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، بدءًا من سد دوافعها من المنبع، عبر توفير فرص عمل للشباب الباحثين عن العمل خارج مصر، وهو ما تمت ترجمته على أرض الواقع بخطوات عملية، من خلال تسليم عدد من أهالى المحافظات الساحلية مراكب صيد، أو إنشاء مشروعات جديدة تستهدف تمكينهم اقتصاديًا.

«الدستور» تواصلت مع عدد من المسئولين عن هذا الملف، وكذلك الأسر المستفيدة من إجراءات الدولة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، لمعرفة الإجراءات التى تمت فى هذا الشأن بشىء من التفصيل.

«التضامن»: توعية الأهالى بالمخاطر.. وفرص عمل للراغبين فى السفر

قالت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، إن الوزارة تعمل على زيادة وعى الأهالى بمخاطر الهجرة غير الشرعية، من خلال برنامج «وعى» للتنمية المجتمعية، بما يتضمنه ذلك من تعريف الفئات المستهدفة بمخاطر هذه الهجرة وبدائلها الآمنة.

وأضافت: «يتم بالتزامن التعاون مع الجمعيات الأهلية لدمج المستهدفين فى سوق العمل، من خلال برامج ومبادرات مهمتها إيجاد محفزات للعودة الطوعية للراغبين فى السفر، وتمكينهم اقتصاديًا، وعلى رأسها (مراكب النجاة) والمبادرة الرئاسية (حياة كريمة)».

وأشارت أيضًا إلى برنامج «فرصة» للتمكين الاقتصادى، الذى يستهدف المحافظات الأكثر توجهًا للهجرة غير الشرعية، بما يضمن شمول الراغبين فى الهجرة وأفراد أسرهم بمظلة الحماية الاجتماعية، وكفالة حقوقهم الشاملة، إلى جانب توفير سبل الحماية للعائدين من هذه الهجرة، فى إطار التعامل من منظور أسرى متكامل.

ونبهت إلى أن «هناك العديد من الأشخاص الذين يموتون أثناء محاولتهم عبور الحدود دون إذن، كما يواجه المهاجرون مخاطر غير عادية على حياتهم وكرامتهم وسلامتهم ورفاهيتهم».

وكشفت عن أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بها ١١ مليون نازح داخليًَا، وأكثر من ٤٠ مليون مهاجر، وهذا العدد المتزايد أدى إلى تركيز الاهتمام الدولى بالمخاطر التى تنطوى عليها الهجرة غير النظامية.

وقال الدكتور عاطف الشبراوى، مستشار وزيرة التضامن الاجتماعى للتمكين الاقتصادى، مدير برنامج «فرصة»، إن البرنامج هو إحدى أذرع الوزارة لتمكين مستفيدى شبكة الحماية الاجتماعية والفئات المهمشة اقتصاديًا، من خلال تدريبهم وتأهيلهم للانضمام إلى سوق العمل والحصول على وظائف لائقة، وتدريبهم على إدارة المشروعات والشمول المالى.

وأضاف أن البرنامج يستهدف فئات المجتمع المختلفة، ويسعى لمكافحة الهجرة غير الشرعية بتدشين حملات الدعم والتحفيز وتعديل السلوك للشباب، وتوفير أدوات إنتاج تساعدهم على إيجاد فرص عمل بديلة فى السوق المحلية.

وواصل: «البرنامج حريص على توفير فرص التمكين الاقتصادى، لعلاج الأسباب الجذرية المؤدية للهجرة غير الشرعية، بالشراكة مع المجتمع الأهلى، من خلال إطار يعكس الأجندة الوطنية التى ترتكز عليها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية وحقوق الإنسان بشكل عام، ويتمثل ذلك فى تأهيل الشباب وتقديم برامج التدريب المهنى لهم».

وشدد على أن «الهدف العام من البرنامج هو خلق منظومة متكاملة لدعم الأفراد والأسر الأوّلى بالرعاية، ودمجهم فى أكبر عدد من الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية الناجحة، وتخرجهم بنجاح من خلال الابتكار والشراكة المستدامة مع المنظمات الأهلية والقطاع الخاص والتجارب العالمية الرائدة، وهذا الأمر يحد من رغبتهم فى الهجرة غير الشرعية ويثبتهم فى قراهم».

وبَين أن برنامج «فرصة» يوفر فرص عمل مناسبة بعقود عمل، إلى جانب أدوات إنتاج ومشاركة فى الوحدات الإنتاجية، مع تقديم الدعم النقدى المشروط للمستفيد، بالتوازى مع توفير فرصة العمل، ودفع أصحاب العمل إلى توفير التغطية من التأمينات الاجتماعية للمستفيد، علاوة على التأهيل النفسى ورفع جاهزية العمل والاستعداد لدخول سوق العمل من خلال جلسات رفع الوعى وبث روح الاستقلال وثقافة العمل والثقافة المالية، بالإضافة إلى تقديم خدمات الدعم الشخصى والمشورة من خلال المتطوعين والمرشدين.

«صناع الخير»: وظائف غير تقليدية لأبناء القرى.. وتوفير خدمات طبية للأهالى 

أكد مصطفى زمزم، رئيس مجلس أمناء مؤسسة «صناع الخير»، إحدى منظمات التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، وسفير المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، أن المجتمع المدنى يلعب دورًا مهمًا فى مواجهة جميع الظواهر الاجتماعية السلبية، وعلى رأسها ظاهرة الهجرة غير الشرعية، عبر طرق مختلفة، من بينها إيجاد فرص عمل للشباب فى القرى المصدرة للهجرة.

وأوضح أن «صناع الخير» وقعت بروتوكول تعاون مع وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، لتنفيذ مبادرة «مراكب النجاة»، للتوعية المجتمعية بمخاطر ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وسبل الهجرة الآمنة، مع توفير البدائل الإيجابية للشباب بالمحافظات.

وأشار إلى أن المؤسسة قدمت أيضًا العديد من الخدمات لـ٧٠ قرية من القرى التى كانت تعانى من ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، وفقدت عددًا من شبابها نتيجة هذه الهجرة، وعلى رأسها الخدمات الطبية للأهالى، من خلال المشاركة فى تنفيذ قوافل «عينيك فى عنينا»، وتوقيع الكشف الطبى وصرف العلاج والنظارات وإجراء العمليات الجراحية للأهالى بالمجان.

وأضاف: «تعمل المؤسسة أيضًا على التمكين الاقتصادى للأهالى فى المحافظات المستهدفة، ونجحت فى خلق فرص عمل غير تقليدية لعدد من شباب بعض القرى المصدرة للهجرة غير الشرعية ومنها قرية كريم الدين بمركز شربين بمحافظة الدقهلية».

وتابع: «تحت قيادة التحالف الوطنى للعمل الأهلى، يجرى العمل على الاهتمام ببعض المهن وإعادة توطينها، ومنها مهنة الصيد، عبر تجديد المراكب المتهالكة التى كانت سببًا فى هجر المهنة، ونجحنا بالفعل فى جذب الشباب لتلك المهنة وإتاحة مراكب صيد جديدة لهم، وتسليمها بالمجان مع معدات الصيد لصغار الصيادين، مع الحرص على أن يستفيد من ذلك من لا يملكون بالفعل مراكب ومعدات صيد أو من يعولون أسرًا كبيرة، من أجل تحسين ظروف معيشتهم».

«الوطنية التنسيقية»: صندوق لدعم العائدين ودمجهم بالمجتمع أشاد به جميع الجهات الأجنبية

قالت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إن استراتيجية اللجنة الوزارية التابعة لرئيس مجلس الوزراء تقوم على اتخاذ تدابیر خاصة بالمنع والرقابة وتجفیف منابع الظاهرة، ومكافحتها، مع تقديم الحماية والمساعدة للمحتاجين.

وأوضحت أن اللجنة تعمل بالتعاون والشراكة مع عدد من الجهات الوطنية، مثل مجالس حقوق الإنسان والوزارات المختلفة، وعلى رأسها وزارة الخارجية، من أجل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الخاصة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وذلك بعد وضع خريطة للظاهرة، وكشفت عن أن محافظات كفرالشيخ، والبحيرة، والدقهلية، والغربية، والشرقية، والمنوفية، والفيوم، والمنيا، وأسيوط والأقصر هى أكثر المحافظات تصديرًا للمهاجرين غير الشرعيين.

وأضافت: «وزارة الخارجية تقدم العديد من أوجه الدعم للجنة، سواء فى توفير المقر أو تقديم المساعدات الفنية والدبلوماسية أو غيرها، بالإضافة إلى إقامة الصالات والمعارض للأسر المنتجة فى مبنى الوزارة، والتى وصلت إلى ٩ معارض، بهدف تشجيع الحرف التراثية واليدوية لصغار المنتجين».

وعن دور اللجنة فى مواجهة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، أكدت السفيرة نائلة جبر على الدور التنسيقى للجنة بين الجهات والوزارات المختلفة، لوضع التشريعات اللازمة لمواجهة الظاهرة، أو تعديلها، مع وضع الدراسات والخطط والأبحاث والاستراتيجيات اللازمة، بالإضافة إلى التوعية والتدريب.

وأكدت أن مصر بدأت مبكرًا فى مواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر من خلال تشريع قانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠، الذى تمت الإشادة به دوليًا، بالإضافة إلى وجود قانون ٨٢ لسنة ٢٠١٦ المعدل، ولائحته التنفيذية، ليكون أول قانون فى منطقة الشرق الأوسط لمواجهة الهجرة غير الشرعية، ويختص بتعريف جريمة تهريب المهاجرين والعقوبات الرادعة التى توقع على المهربين.

وتابعت: «وفقًا لتوجيهات رئيس الوزراء، تم إنشاء صندوق لدعم المهاجرين، أشاد به جميع الجهات الأجنبية، وهو منصوص عليه فى القانون رقم ٨٢، وتم نشره فى الجريدة الرسمية، ويعمل على مساعدة المهاجرين العائدين إلى مصر فى التدريب والتوعية، والحصول على فرصة عمل لائقة لكسب لقمة العيش، مع تأهيل المهاجر غير الشرعى بعد عودته لدمجه مع المجتمع مرة أخرى وتوفير فرص بديلة له».

وأشارت إلى أن إنشاء ذلك الصندوق يؤكد اهتمام الدولة المصرية بالمهاجر غير الشرعى، والعمل على مساعدته، كما أنه يساعد المهاجرين الأجانب العائدين الذين يرغبون فى العودة الطوعية إلى بلادهم.

وأكدت السفيرة نائلة جبر أن الدولة انتهجت سياسة حكيمة فى مواجهة الهجرة غير الشرعية، ووجدت أن الحل الأمنى ليس الحل الوحيد، لذا تمت صياغة تشريعات فى هذا الشأن، بالتزامن مع النجاح فى ضبط الحدود، خاصة البحرية منها.

واستطردت: «ضبط الحدود البحرية وجدنا صداه فى عدم خروج مركب واحد من الشواطئ المصرية منذ مأساة مركب رشيد عام ٢٠١٦، كما نجحت الدولة المصرية فى ضبط الحدود الشرقية مع الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، والغربية مع الجانب الليبى، حتى مع محاولات الهروب من جهة الصحراء، بالإضافة إلى العمل على التنمية، حيث نجحت الدولة بصفة عامة، واللجنة بصفة خاصة، فى تنفيذ عملها رغم جميع المشاكل التى عانت منها مصر، سواء أزمة كورونا وتبعاتها الاقتصادية أو الحرب الأوكرانية التى أثرت على العالم بأكمله».

مستفيدون:مراكب الصيد فتحت باب رزق لنا ولأهالينا.. والدولة تسعى لتوفير البديل للشباب لمواجهة الظاهرة

قال إبراهيم كمال، صياد، من أهالى مركز شربين بمحافظة الدقهلية، رب أسرة مكونة من ٣ أبناء فى المراحل التعليمية المختلفة، إنه حصل على مركب صيد ضمن المبادرة الرئاسية «مراكب النجاة»، بعدما أصبح مركبه القديم متهالكًا وفقد عمله، مؤكدًا: المركب الجديد فتح باب رزق لأسرتى.

وأضاف «كمال»: «أرى أن جهود هذه المبادرة الرئاسية تسهم فى القضاء على الهجرة غير الشرعية»، موضحًا: «فكرة الهجرة بطريقة غير شرعية تراود الكثير من الشباب، ولا يلجأون إليها إلا بعد اليأس، لأنهم يدركون ما تنطوى عليه من مخاطر.. أغلب الشباب هنا يعرفون الصيد والزراعة، ويحلمون بفرصة عمل، وهذا ما تعمل الدولة على توفيره لهم».

وأكد: «سعى الدولة لتوفير فرص عمل للشباب سيقضى على الهجرة غير الشرعية دون شك، لأنه سيدفع الشباب لعدم التفكير فى هذا الأمر»، مشيرًا إلى أن هناك عشرات القصص عن شباب تركوا قراهم وحاولوا الهجرة بطرق غير شرعية، ولا يزالون مفقودين حتى الآن، بعد أن قالوا لأهلهم إنهم سيذهبون إلى دول مثل إيطاليا وتركيا واليونان لجلب المال، وهناك من ترك زوجة وأولادًا ولم يعد أبدًا. وتابع: «من الطبيعى أن يفكر شاب نشأ على الشاطئ فى السفر، لكن المشاهد العالقة فى الأذهان للمفقودين والغرقى، تؤكد أن هذه التجربة فاشلة وخطيرة».

من جهته، قال مسعد الشحات، من محافظة الدقهلية، إنه حصل على مركب صيد منذ شهرين من المبادرة الرئاسية، وبدأ فى استخدامها بالفعل، مؤكدًا أن مثل هذه المبادرات سيقضى تمامًا على الهجرة غير الشرعية.

وأضاف «الشحات»: جميع الشباب يعرفون أن الهجرة غير الشرعية رهان خطير، قد يدفعون حياتهم ثمنًا له، لكنهم يرضون بذلك على أمل إيجاد فرصة عمل، لكننى أؤكد أن جهود توفير فرص العمل لن تجعل أى شاب يفكر فى تعريض حياته ومستقبل أسرته للخطر.

وقال عدلان مسعد، من قرية بساط كريم الدين، التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية، إن الشاب إن وجد فرصة عمل لن يفكر أبدًا فى الهجرة غير الشرعية، مؤكدًا: «البحر غدار، وغالبًا لا يتمكن أحد من الوصول للشواطئ المقابلة.. يموتون فى البحر».

وأضاف «مسعد»: «هناك قصص كثيرة، لشباب باعوا ذهب زوجاتهم لدفع مبالغ ضخمة من أجل السفر.. لا أحد يريد الموت، فجميعهم يريد فقط فرصة عمل، وأؤكد أن جهود الدولة المستمرة لدعم الشباب وتشغيلهم ستثمر فى اختفاء ظاهرة الهجرة غير الشرعية».

وتابع: «أنصح الشباب بعدم السفر للخارج والمجازفة بالحياة، إلا إن كان ذلك بطريقة شرعية».

وتقول هالة حسين، مدير جمعية تنمية المجتمع، بقرية بساط كريم الدين، إن الدولة منحت مراكب لغير القادرين من الصيادين من خلال مؤسسة «صناع الخير»، وبالتعاون مع وزارة الهجرة؛ لمساعدة هؤلاء الصيادين على مواجهة الظروف الراهنة وغلاء الأسعار.

وأضافت «هالة»: «أسهمت هذه الجهود فى زيادة دخل الصياد واستقرار حياته الأسرية»، مؤكدة: «المبادرة الرئاسية أنقذت كل الصيادين أصحاب المراكب المتهالكة، وبعد اليأس أصبحوا يعتمدون على أنفسهم ويحلمون بغدٍ أفضل».

وتابع: هلاك المركب يعنى هلاك الصياد.. لذا كان أى صياد يفقد مركبه يفكر فى السفر للبحث عن فرصة عمل، لذلك فإن اتجاه الدولة لتوفير فرص عمل للشباب خاصة فى المناطق التى تزداد فيها الهجرة غير الشرعية، سيحد من هذه الظاهرة، وهو ما وجدنا صداه خلال الفترة الحالية، بتراجع معدلات الهجرة غير الشرعية بشكل كبير.