رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأرواح تتنفس».. حكايات الوجع والمساندة من قلب سوريا

زلزال سوريا
زلزال سوريا

ثوانٍ شبهها البعض بلحظات القيامة، المشهد موجع، برد قارس لم يجعل لآلاف الضحايا والمصابين نوما هادئا، سواد يحيط بالجميع، منازل هُدمت، وأخرى تنهار أمام الناظرين، هنا حدثت الكارثة الكبرى، هنا "الزلزال الأعظم".

آلاف القتلي وعشرات الآلاف من المصابين والمنازل المهدّمة، ملايين المنكوبين المتضررين من الزلزال، غير أنّ الجميع وهو يقف على حافة الانهيار، يبقى حُلم إنقاذ الأرواح هو الشغل الشاغل، يتناسون آلامهم فور سماع التكبير بالله وبعظمته لإنقاذ روح كادت أن تضاف لسجل القتلى.

قصص النجاة ينفرج لها الأسارير، تبتهج لها الوجدان، ينشرح لها القلوب.. وهنا في "الدستور" جمّعنا عدداً منها، أو أبرزها كي يعرف الجميع أن هناك أناسا ينقذون ويبيتون ليل نهار كل آمالهم وأحلامهم هي ملامسة جسد كتب له الله الحياة.

فها هو أب احتضن نجله، فداه حتى تمكنت قوات الإنقاذ من الوصول إليهما، فارق هو الحياة ليحيى صغيره، ورضيع ظل عالقاً تحت أنقاض الزلزال لـ140 ساعة، ومسنة بعمر الثالثة والثمانين انتشلوها من بين الحطام بعد 124 ساعة وأكثر.

وقع زلزال مدمر، بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر وأعقبه عدة هزات ارتدادية قوية في تركيا وسوريا، ويصنف على أنه سابع أكثر الكوارث الطبيعية دموية هذا القرن متجاوزاً زلزال اليابان عام 2011 وأمواج المد العاتية (تسونامي) التي أعقبته.

وسعياً لإنقاذ الأرواح، ومساندة قوات الإنقاذ، كان قد وصل فريق مكون من 14 مصرياً إلى الأراضي السورية في الأيام الأولى من وقوع الزلزال، للمساندة والدعم، لتوجه الصفحة الرسمية للدفاع المدني السوري على "فيسبوك" الشكر لمصر وشعبها على موقفهم السبّاق في تلبية نداء السوريين المنكوبين في شمال غربي سوريا، جراء الزلزال المُدمر الذي ضرب المنطقة، بعد قدوم فريق تقني من الاختصاصيين لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ومن الأطباء لتقديم الرعاية الطبية.

ووصل فريق الإنقاذ المصري إلى شمال وغرب سوريا ليكون أول الفرق الخارجية التي تصل إلى البلاد، بعد الزلزال المُدمر الذي ضرب البلاد وخلّف آلاف القتلى والمصابين. 

 

صراخهم ربما وصل مداه إلى القاهرة

أحد الأطباء المصريين يصف الواقعة ومحاولاته للذهاب والتسجيل في أكثر من جهة للسفر والمساعدة، "صراخهم ربما وصل مداه إلى القاهرة التي تبعد آلاف الكيلومترات، كنت أشعر بهم وبآلامهم، وأوجاعهم، وبالحالة القاسية التي يمرون بها، كنت أريد أن ترى عيوني الأرواح وهي تتنفس وتعود للحياة، أن أكون سبباً مع غيري في إنقاذ أكبر عدد من الموجودين تحت الركام".

وتابع الطبيب أحمد علي، في حديثه مع "الدستور": "قدّمت في عدد من الجهات، تمنيت أن تصل لي رسالة تأكيد بموعد السفر، خلال الأيام الماضية لم أتمكن من النوم، كنت أرى لي دوراً هناك في إنقاذ الأرواح، ولكن قلبي ارتاح عندما علمت بوجود فريق مصري، وإرسال البلاد لمساعدات كثيرة للمنكوبين هناك".

دعم مصرى سورى

وكتب الهلال الأحمر المصري على صفحته الرسمية على "فيسبوك": "كل الشكر للفنان الإنسان تامر حسني على تطوعه ودعمه الفوري لشعب سوريا بكل ما يستطيع من تبرعات ومساعدات ودعم معنوي للشباب المصري والشباب السوري المتطوع مع الهلال الأحمر المصري، مساندًا للهلال الأحمر السوري العظيم #سوريا #زلزال_سوريا".

وكتب الفنان المصري على صفحته: "عارف إن شعب مصر كله نفسه يساعد أهالينا وإخواتنا في سوريا، دي أرقام التبرع عشان أي حد نفسه يعمل أي حاجة، الأرقام دي تابعة للهلال الأحمر المصري المتعاون مع الهلال الأحمر السوري.. إن شاء الله ستتحرك شحنة مساعدات كبرى من الهلال الأحمر المصري للأراضي السورية استكمالًا للمساعدات السابقة، وتحمل الشحنة ملابس شتوية ومرتبات وبطاطين وخيم وجميع المستلزمات الإنسانية والمستلزمات الطبية الطارئة".

 

كلبة تنقذ صاحبتها

وفي تركيا تمكنت فرق الإنقاذ في ولاية هاتاي، من إنقاذ سيدة بعد مضي 103 ساعات على بقائها تحت أنقاض مبنى انهار من جرّاء الزلزال، بعد سماع نباح كلبتها، حيث سمع فريق الإنقاذ الذي كان يطلق نداءات بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض في شارع "أتاتورك"، صوت نباح بين الأنقاض، ليسارعوا على الفور بأعمال إزالة الركام.

وبعد جهود مضنية، تبيّن لعناصر الإنقاذ أن سيدة عمرها 35 عاماً كانت عالقة تحت الركام، وتم إنقاذها بفضل كلبتها "فينوس"، ليتم نقل السيدة إلى المستشفى على الفور، والاعتناء بالكلبة التي كانت سبباً في إنقاذ روح صاحبتها.

 

17 مصريًا دخلوا عبر "باب الهوى" 

وحكى محمد الشبلي، مدير إدارة الإعلام في الدفاع المدني السوري، عن الفريق المصري المشارك في عمليات الإنقاذ، مؤكداً أنهم متخصصون في إنقاذ وانتشال الضحايا أسفل الأنقاض، وأطباء ومقدمي للخدمة الصحية، وأنهم دخلوا إلى منطقة جنديريس - إحدى نواحي سوريا التابعة لمحافظة حلب- المتضررة للغاية.

وتابع "الشبلي" في حديثه مع "الدستور": "دخلوا عن طريق معبر باب الهوى الحدودي، ويقدمون خبراتهم الميدانية والتقنية والفنية فيما يخص البحث والإنقاذ، حيث يعملون بكل طاقتهم هناك، ولا يكلّون أبداً في مساعدة جميع المصابين والمحتاجين".

"توجهوا بعد الاجتماع مع فرق الدفاع المدني السوري إلى جنديرس للمباشرة في المساعدة هناك، بعد أن قمنا بإعلان منطقة شمال غرب سوريا منكوبة. كما أننا نعمل بشكل متواصل منذ حدوث الواقعة، ومازال هناك الكثير من العالقين أسفل الأنقاض، غير أنّ الأمل يتلاشى مع مرور الوقت، فالكارثة أكبر منّا بكثير" - حسب حديثه. 

وطالب مدير إدارة الإعلام في الدفاع المدني السوري المجتمع الدولي بمدّ يد العون: "لدينا نقص في المعدات والآلات الثقيلة، والمعدات النوعية التي تساعدنا في كشف مصير من هم تحت الأنقاض، والحساسات الكربونية، والكلاب المُدرّبة التي يمكنها اكتشاف الأرواح أسفل الحطام".

الأكثر دمارًا والأقل جاهزية

وتعد "جنديرس" من بين أكثر المناطق تضرراً من الزلزال المدمر ليتم اعتبارها "منكوبة" حيث تفيد المعلومات والأرقام الواردة من هناك وفقاً لما أعلنته "سكاي نيوز عربية" إلى أن أعداد الضحايا هي بالمئات والجرحى والمفقودين بالآلاف، وأن كثيرين ربما لا زالوا أحياء تحت الأنقاض، لكن بفعل ضعف إمكانيات فرق الإنقاذ وقلتها لا يمكن الوصول لهم وإخراجهم.

ووفق آخر حصيلة كشفتها السلطات المحلية هناك، فقد ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 756 قتيلا، فيما يقدر عدد العائلات التي ما زالت عالقة تحت الأنقاض بنحو 90 عائلة، أما عدد الأبنية المهدمة بالكامل فقد وصل إلى 257 مبنى، وعدد الأبنية المتضررة بلغ 1100 مبنى.

كما كشفت السلطات أن نحو 2700 عائلة هي من دون مأوى وخدمات، في ظل ظروف جوية قاسية، وما يزيد المشهد قتامة في جنديرس وفق المنظمات المدنية والحقوقية، هو عدم توفر دعم إغاثي ولوجستي كاف للبلدة المدمرة، في ظل انهيار الخدمات الأساسية وحاجة السكان للغذاء والماء والدواء، ومع مرور الوقت، تتضاءل آمال الوصول لناجين في جنديرس، تحت حطام المباني والمنازل المهدمة فوق رؤوس سكانها.

 

ناجون يتحدثون عن لحظات الرعب

وتواصلت "الدستور" مع عدد من الناجين، للحديث عن تفاصيل ما عانوه منذ وقوع الزلزال، وكيف يبحثون عن ذويهم تحت الأنقاض، ومطالبهم من العالم أجمع، إلى جانب لقاءات مماثلة مع عدد من مسئولى الإنقاذ.

البداية مع محمد السخنة، من مدينة "إدلب" في شمال سوريا، الذي قال إنه ذهب لشراء الخبز، وهو في طريق عودته شعر بهزة أرضية، زادت بشكل كبير خلال ثوان، فركض نحو منزله، الذي سقط أمامه في أقل من ثانية.

وأضاف "السخنة"، لـ"الدستور"، وهو يبكى: "زوجتى و٤ من أطفالي تحت أنقاض المنزل حتى الآن"، مشيرًا إلى أن هذا المنزل مكون من ٦ طوابق، ويعيش هو وأسرته في الطابق الثاني.

وطالب الجميع بمساعدته وكل المتضررين لانتشال أقاربهم وأبنائهم من تحت الحطام، كاشفًا عن أنه على مدار ٤ أيام، يرفعون الحطام بأيديهم وبمعدات زراعية بدائية، فى ظل أن المباني من مواد خرسانية وحديدية، وبالتالي هذه المعدات البدائية لا تكفي لتحطيم ورفع الحطام.

وواصل متحدثًا عن أبنائه وزوجته: "كانوا يجلسون على مائدة العشاء في انتظار الخبز". وتساءل: "هل سيموت أولادي وبطونهم فارغة وأجسادهم مجمدة من البرد؟"، قبل أن يعقب بحزن شديد: "يدي لا تكفي لإخراجهم!".

وقال أحمد تبوته، من مدينة "إدلب" أيضًا، إنه يعيش مع والديه وزوجته وابنته "رهف" في منزل واحد، وتم انتشاله هو وابنته من تحت الأنقاض، وما زال والداه وزوجته تحت هذه الأنقاض، ولا يستطيع إخراجهم بسبب حجم الحطام الخرسانى ووزنه الضخم، مضيفًا: "لم أعد أسمع صوت والدي، الذي كان يتحدث إليّ حتى أمس". 

واعتبر أن العالم تخلى عن سوريا، مضيفًا: "لم يقف معنا أحد، ولم يصلنا أي شخص لمساعدتنا ونجدتنا، وكل ما وصلنا هو القليل من أغطية البرد والمواد الغذائية، لكن لم يصلنا أي معدات ثقيلة لرفع الأنقاض".

وأكمل "أشعر بخوف وحزن شديدين من أن أقاربي تحت الأنقاض لم يعودوا أحياءً.. أحاول أن أرفع الركام بيدي، لكن ذلك لا ينجح. أهلي تحت التراب، ولا أعرف إذا ما كانوا أحياء أو موتى. أهلي تحت الأرض، وأنا عاجز ولا أستطيع أن أساعدهم بشيء".