رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مباشر من سوريا.. ناجون من الزلزال لـ«الدستور»: لا نعرف مصير عائلاتنا تحت الأنقاض

مباشر من سوريا
مباشر من سوريا

السخنة: ذهبت لشراء خبز لأولادى فماتوا وبطونهم فارغة

- تبوته: انتشلونى أنا وابنتى ولا نستطيع إخراج والدىّ وزوجتى

- محمد: العالم تركنا.. لكن الله لن يترك الشعب السورى

 

يواصل الزلزال المدمر الذى ضرب سوريا وتركيا، فجر الإثنين الماضى، وخلف وراءه عشرات الآلاف من القتلى، كتابة مشاهد حزينة ومبكية من البلدين، فى ظل تضاؤل آمال إخراج ناجين من تحت الأنقاض، خاصة مع برودة الجو، وضعف الإمكانات وعدم توافر المعدات المخصصة للتعامل مع حطام المبانى، وهو ما يظهر بشكل أكبر وأكثر وضوحًا فى سوريا.

«الدستور» تواصلت مع عدد من الناجين، للحديث عن تفاصيل ما عانوه منذ وقوع الزلزال، وكيف يبحثون عن ذويهم تحت الأنقاض، ومطالبهم من العالم أجمع، إلى جانب لقاءات مماثلة مع عدد من مسئولى الإنقاذ. 

البداية مع محمد السخنة، من مدينة «إدلب» فى شمال سوريا، الذى قال إنه ذهب لشراء الخبز، وهو فى طريق عودته شعر بهزة أرضية، زادت بشكل كبير خلال ثوان، فركض نحو منزله، الذى سقط أمامه فى أقل من ثانية.

وأضاف «السخنة»، لـ«الدستور»، وهو يبكى: «زوجتى و٤ من أطفالى تحت أنقاض المنزل حتى الآن»، مشيرًا إلى أن هذا المنزل مكون من ٦ طوابق، ويعيش هو وأسرته فى الطابق الثانى.

وطالب الجميع بمساعدته وكل المتضررين لانتشال أقاربهم وأبنائهم من تحت الحطام، كاشفًا عن أنه على مدار ٤ أيام، يرفعون الحطام بأيديهم وبمعدات زراعية بدائية، فى ظل أن المبانى مبنية من مواد خرسانية وحديدية، وبالتالى هذه المعدات البدائية لا تكفى لتحطيم ورفع الحطام.

وواصل متحدثًا عن أبنائه وزوجته: «كانوا يجلسون على مائدة العشاء فى انتظار الخبز». وتساءل: «هل سيموت أولادى وبطونهم فارغة وأجسادهم مجمدة من البرد؟»، قبل أن يعقب بحزن شديد: «يدى لا تكفى لإخراجهم!».

وقال أحمد تبوته، من مدينة «إدلب» أيضًا، إنه يعيش مع والديه وزوجته وابنته «رهف» فى منزل واحد، وتم انتشاله هو وابنته من تحت الأنقاض، وما زال والداه وزوجته تحت هذه الأنقاض، ولا يستطيع إخراجهم بسبب حجم الحطام الخرسانى ووزنه الضخم، مضيفًا: «لم أعد أسمع صوت والدى، الذى كان يتحدث إلىّ حتى أمس».

واعتبر أن العالم تخلى عن سوريا، مضيفًا: «لم يقف معنا أحد، ولم يصلنا أى شخص لمساعدتنا ونجدتنا، وكل ما وصلنا هو القليل من أغطية البرد والمواد الغذائية، لكن لم يصلنا أى معدات ثقيلة لرفع الأنقاض».

وأكمل «أشعر بخوف وحزن شديدين من أن أقاربى تحت الأنقاض لم يعودوا أحياءً.. أحاول أن أرفع الركام بيدى، لكن ذلك لا ينجح. أهلى تحت التراب، ولا أعرف إذا ما كانوا أحياء أو موتى. أهلى تحت الأرض، وأنا عاجز ولا أستطيع أن أساعدهم بشىء».

وقال ناجٍ ثالث يدعى «محمد»، من معرة النعمان، إنه كان نائمًا هو وأبناؤه وزوجته فى غرفة واحدة، لكن لم يخرج منها سوى هو، ودفن ابنيه مساء أمس الأول، ولا تزال زوجته تحت الأنقاض، دون أى مؤشر لكونها على قيد الحياة، مضيفًا: «لقد تركنا العالم، لكن الله لن يترك الشعب السورى.. عيلتى كلها راحت.. لم يتبقَّ لى أحد.. ماتت عائلتى كلها».

حصيلة كبيرة للمشرّدين بسبب زلزال سوريا

ولم يتمكن «محمد» من متابعة الحديث. وعلق أحد متطوعى «الخوذ البيضاء» على ما ذكره قائلًا: «وضع الكثيرين غاية فى الحزن والسوء. غالبية الذين نجوا من الزلزال فقدوا أحد أو كل أفراد عائلتهم».

وكشف رامى عبدالرحمن، مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان، عن أن نحو ١٠٠٠ سورى لقوا حتفهم خلال ساعتين فقط، نتيجة البرد ونقص المياه تحت الركام، بعد ٥ أيام من الزلزال، مضيفًا: «لم يمت هؤلاء بسبب الزلزال، بل إن الانخفاض الشديد فى درجة الحرارة والعطش هو ما تسبب فى وفاتهم».

وتابع «عبدالرحمن»: «ما تحتاجه سوريا هو مئات المعدات الثقيلة لرفع أنقاض وحطام المئات من المنازل التى سقطت على رءوس من فيها.. لن تكفى مُعدة أو اثنتان»، مشددًا على أن «الوضع فى شمال سوريا لا تصف قسوته الكلمات، فهو أصعب مما يمكن أن يتم وصفه».

وأوضح أن «فرق الإنقاذ ترفع الأنقاض بيدها دون أى معدات، ما يعوق انتشال الأحياء والأموات على حد سواء، ويزيد عدد الضحايا كل لحظة، خاصة أن المساعدات العربية التى وصلت إلى سوريا لم تصل إلى مناطق الشمال، بل إلى العاصمة دمشق فقط، وعلى العالم النظر فى ذلك لحماية الشعب السورى وإنقاذ ضحاياه».

وطالب العالم أجمع بالمسارعة لنجدة ما يمكن نجدته، خاصة أن كثيرًا ممن تحت الأنقاض لم يعد يتجاوبون، والأصوات تخفت مع مرور كل دقيقة، والجو شديد البرودة بجانب هطول الأمطار، ما يتسبب فى صعوبة ومشقة العمل، وبالتالى وفاة الكثير من الضحايا الذين ما زالوا أسفل الأنقاض.

وفيما تتواصل إزالة الأنقاض فى مدن سوريا، هرب الأهالى إلى العراء، رغم الأجواء شديدة البرودة وهطول الأمطار، بسبب كثرة الهزات الارتدادية القوية المستمرة على مدار الخمسة أيام الماضية، وفق ما قاله محمد عكاش، أحد متطوعى فرق الإنقاذ السورية فى ريف إدلب.

وقال «عكاش»: «كثير ممن نجوا من الزلزال توجهوا إلى العراء والحدائق العامة البعيدة عن المبانى، على الرغم من الهطول الشديد للأمطار، وملامح الرعب تكسو وجوه أقوى الرجال، والكثير ينبشون الحطام بأيديهم لانتشال أقاربهم، وسط حالة من الهلع والصراخ والبكاء».

وأضاف: «كثير من الرجال يصرخون ويبكون بحرقة على أبنائهم وذويهم وأقاربهم الذين لا يزالون تحت الأنقاض. ما يحدث كابوس يزداد رعبًا مع مرور الوقت، بسبب تلاشى الأمل فى انتشال أحياء، خاصة مع هذا البرد الشديد».

وواصل: «مع انقطاع الغذاء والمياه وانخفاض درجات الحرارة على من هُم تحت الأنقاض، نعتقد أن أعداد الوفيات ستكون كارثية. الوضع لا يحتمل وشديد القسوة»، مطالبًا كل من يملك الرحمة والإنسانية بالمسارعة لمساعدة الضحايا تحت الأنقاض.

حصيلة ضحايا الزلزال في سوريا تصل 783 قتيلا

محلل تركى: شكرًا «أم الدنيا» التى جعلت الأزمات فوق الخلافات

قال المحلل السياسى التركى، جواد جوك، إن الزلزال ضرب مناطق كثيرة، وتسبب فى سقوط آلاف القتلى والجرحى.

وأضاف «جوك»، لـ«الدستور»، أن المساعدات الإنسانية من كل دول العالم مستمرة، كما تستمر جهود منظمات المجتمع المدنى، لكن المشكلة أن المساحة التى أثر عليها الزلزال كبيرة جدًا، فهناك أكثر من ١٠ مدن تركية تأثرت ولم تعد كما كانت من قبل.. انهارت تمامًا.

وأكد أن الوضع مأساوى جدًا، وبعض أقاربه وأصدقائه أُصيبوا فى الزلزال، وتضررت منازلهم.

وأشار إلى أن المساعدات الإنسانية جاءت من مختلف دول العالم، من أشقاء عرب ومسلمين، ومن مصر الحبيبة، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتستمر جهود القاهرة بقوة حتى الآن.

وواصل: «حرصت القوات الجوية التركية على فتح ممرات جوية لإيصال المساعدات الإنسانية، ونحتاج إلى مزيد من الخيام».

وتابع: «كل الأتراك يرحبون بالمساعدة والمساندة المصرية، وأوجه الشكر لمصر، باسم الشعب التركى والحكومة التركية»، مؤكدًا أن تلك الأزمات فوق السياسة والخلافات.

أخبار زلزال تركيا وسوريا: توقعات مقلقة.. هل تشهد سوريا زلزالا مدمّرا آخر؟ -  المشهد

سياسيون سوريون: المساعدات ليست غريبة على الشقيقة مصر

أشاد سياسيون سوريون بالجهود المصرية لمساعدة الشقيقة سوريا التى ضربها زلزال مدمر، مؤخرًا، أسفر عن وفاة وإصابة الآلاف وتدمير المبانى.

وثمّن النائب السورى محمد فواز، الجهود المصرية لمساعدة سوريا فى مواجهة محنة الزلزال الذى دمر البلاد، وقال: «سوريا تضررت بشكل عام من الزلزال، خاصة حلب واللاذقية وحماة وإدلب، فقد كان حجم الكارثة كبيرًا هناك، فكثير من العائلات فقدت منازلها، وتخطى عدد الشهداء، حسب الأرقام الرسمية، ٣٠٠٠ فرد، جميعهم ماتوا بسبب الزلزال، فضلًا عن آلاف المصابين».

وأضاف: «تزامن الزلزال مع سقوط الأمطار الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة، وكل ذلك للأسف أعاق عمليات الإنقاذ»، مؤكدًا: «هلع المواطنين أثناء خروجهم من منازلهم والاتجاه نحو أماكن آمنة، تسبب فى زيادة الإصابات».

وأشار إلى أن «فرق الإنقاذ توجهت مباشرة إلى الأماكن المتضررة بالإمكانات المتاحة، وهى قليلة، إذ لم يتبق منها الكثير بسبب الحرب، وزاد من هذه الضغوط الحصار الجائر المفروض على سوريا وقانون قيصر الأمريكى، الذى حاول أن يشل الحياة فى سوريا، لكن إرادة الله أكبر من كل هذا». 

ولفت إلى أن المجتمع الدولى منحاز لتركيا على حساب سوريا؛ فكمية المساعدات المرسلة للجانب السورى أقل بكثير، رغم أن الضرر فى بلادنا أكبر من تركيا، مؤكدًا: «لا نقلل من الأضرار التى أصابت تركيا، لكننى أقصد أننا لا نستطيع تجاوز هذه المحنة دون وقوف المجتمع الدولى إلى جانبنا». 

وتابع: «بارك الله فى كل من حاول أن يساعد وأرسل مساعدات، خاصة مصر الشقيقة والعراق الشقيق والأردن ولبنان والجزائر وتونس وليبيا، وكل من أرسل لنا شحنة مساعدات أو فريق إنقاذ أو خبراء، ونتمنى أن تستمر هذه المساعدات».

من جهته، قال السياسى السورى زاهر اليوسفى، البرلمانى السابق، إن حجم المأساة كبير جدًا فى محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية، ويتزايد يوميًا عدد المنازل المدمرة والضحايا، بسبب سقوط المنازل التى تصدعت بسبب الزلزال وبسبب الهزات الارتدادية التى تلته، خاصة الأبنية الأثرية القديمة وبيوت الأحياء الفقيرة، ولا تزال فرق الإنقاذ تعمل حتى الآن».

دولة عربية تدعم مُتضرري زلزال سوريا وتركيا بمبلغ ضخم | الوفد

وأضاف «اليوسفى»: «رأينا تعاطفًا كبيرًا مع سوريا، خلال الأيام الماضية، تعاطفًا افتقدناه منذ فترة طويلة، وأؤكد أن المؤسسات الحكومية والأهلية لم تقصر فى تقديم العون للمنكوبين، وفقًا لإمكانات البلاد التى أضعفتها سنوات الحرب الطويلة»، مشيرًا إلى أن المعونات التى أرسلتها الدول الشقيقة والصديقة كان لها دور مهم فى شفاء جراحنا وكسر الحصار الجائر على بلدنا، وهو الأهم.

وتابع: «مصر الشقيقة تحمل مع سوريا راية القومية والعروبة، وأشيد بمكالمة الرئيس عبدالفتاح السيسى لنظيره السورى بشار الأسد، وبالمساعدات التى أرسلتها لنا مصر».

وأشار إلى أن بعض الأشقاء وجهوا دعمًا أكبر لتركيا، مقارنة بما وجهوه لسوريا، وهنا لا بد من أن أعتب على الأشقاء، لأنهم خذلوا سوريا أكثر من مرة، عبر دعم قانون قيصر الأمريكى، وعبر تقديم مساعدات أكبر لتركيا، لافتًا إلى أن حملات التشكيك على وسائل التواصل الاجتماعى، أثرت سلبًا على حملة الدعم والمساعدات الخارجية لسوريا.

وقال يونس خلف، أمين السر العام لاتحاد الصحفيين السوريين، إن الجهود المصرية لمساعدة سوريا ليست جديدة، فالتاريخ يشهد على أحداث كثيرة ساندت فيها الشقيقة الكبرى الدول العربية، وجميعنا نتذكر جملة «هنا القاهرة من دمشق»، ونتذكر الانتصارات المشتركة التى تحققت فى حرب أكتوبر المجيدة.

وأضاف «خلف»، لـ«الدستور»، أن الشعب السورى سعيد بالمساعدات المصرية، وأؤكد أن هذه الجهود تعزز الانتماء للعروبة وتعمق علاقات الأخوة.

وأكد أن الشعب السورى يشكر الأشقاء فى مصر، ويقدر مد يد العون لمواجهة تداعيات الزلزال المدمر الذى ضرب البلاد.

وتابع: «شكرًا لمصر على موقفها المشرف، وتلبية نداء السوريين المنكوبين جراء الزلزال المدمر الذى ضرب بعض المحافظات السورية.. فقد علم الجميع بوصول فريق تقنى من الاختصاصيين لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض ومن الأطباء لتقديم الرعاية الطبية ودعم السيطرة على الأوضاع المتفاقمة جراء هذا الزلزال المدمر».

وقال: «نثق فى الأشقاء العرب، ونعلم أنهم سيساندوننا، والجميع يتسابق، الآن، لدعمنا فى هذه المحنة.. سوريا بأصالة مبادئها وروحها الوطنية وقيمها وثوابتها قادرة على تجاوز التحديات الكبرى التى تواجهها.. والعراق يقف إلى جانب سوريا بكل قوة».